خصصت مجلة"بانيبال"في عددها الجديد ربيع 2006، مئة صفحة لما سمته"الكتابة الجديدة في مصر"، وحمل الغلاف لوحات للفنانة المصرية الشابة مي رفقي. تفتتح المجلة ملفها بمقال يحمل عنوان"فضح الذات البطولية"كتبته الباحثة المصرية ماري تيريز عبدالمسيح، وجاء فيه:"وصل الفن القصصي في مصر في السنوات الأخيرة من القرن العشرين الى حال من الأزمة والالتباس، اذ بدأت الأجيال الجديدة من الكتّاب المصريين ترفض الفرضيات التي كانت سائدة خلال فترة ما بعد الاستقلال، وهي تعتبر ان الكتّاب والفنانين هم رسل الأمة، وأن الفن حالة من التجلي. ومنذ مطلع التسعينات بدأ الاهتمام يتركز في شكل متزايد على مكان الكاتب، وعلى الأبعاد"السياسية"للسرد - على رغم عدم التوصل الى اتفاق على تعريفه. وفي نهاية المطاف، بدأت"السياسة"تعني قلب كل المعاني الثابتة الناشئة عن السياسات الرسمية والأعراف الاجتماعية. ففي هذا النوع من الكتابة يوجد دائماً صراع بين النفس والمجتمع، والتلقائية والنظام الاجتماعي، ويكون الاهتمام قليلاً بالشكلية أو الرمزية والمرجعية التاريخية، مما ادى الى انفصام تام عن اعتبار اللغة"مقدسة". إلا ان الكتابات لا تتسم بالفردية مع ان الكثيرين يلجأون الى مساءلة الذات، وكشف صورة الإنسان الواثق بنفسه في الأعمال السردية التي كتبت قبل عام 1967. إذ يتداخل صوت كاتب السيرة الذاتية بصوت الراوي، فيعكس الصوت المضاعف ازدواجية في الأعراف الاجتماعية التي اصبحت راسخة. إلا انه لا يمكن اختزاله كذلك لاعتباره مجرد نقد للأعراف الاجتماعية او السياسية المتباينة. بل اصبح يتناول المواضيع التي حظر التطرق إليها منذ زمن بعيد بقصد او من دون قصد، ويتطرق الى المعضلة الوجودية، والخيارات المتناقضة او علاقات الحب المتضاربة، وقلب رأساً على عقب ما كانت وسائل الإعلام تصوره على انه بطولة أو رومانسية. ويبحث في العلاقة التي تربط بين الحب والعنف، وبين الحب والكراهية، وبين اللوعة والمتعة، والمواقف الاجتماعية إزاء العلاقات الجنسية، والصعوبة التي تكتنف اقامة علاقات غرامية تتجاوز القوانين الاجتماعية. ويصف الغموض واللبس بين الخيال والرؤية بعدما اصبح الفن السردي يعتمد اللغة البصرية، والتناقض بين"البصر"وپ"البصيرة". وفي النهاية، يمثّل هذا الانشقاق أزمة الفن السردي الذي تخلى عن علاقته المرجعية مع"الواقع"ليصبح نشاطاً يومياً ضرورياً، بل نشاطاً سياسياً مستتراً. ومع الكشف عن الأقنعة التي تغلف النفس - وكذلك دولة الحزب الواحد - فإن الكتابة الجديدة تفضح النفس الموحدة البطولية، الفكرة الاستبدادية للأمة، والصوت الواحد. أدرك هؤلاء الكتّاب الشباب الصعوبة التي تكتنف وضع الحياة في إطار واحد. فتخلوا عن الحبكات المحكمة التي تشمل عناصر مترابطة منتظمة، ليصوروا العناصر المشتتة، المراوغة والطارئة التي تشكل الحياة اليومية. تضمن ملف"الأدب المصري الجديد"النصوص الآتية: مقاطع من رواية"لصوص متقاعدون"لحمدي ابو جليل ترجمة ماريلين بوث، قصيدتان للشاعرة ايمان مرسال ترجمة خالد مطاوع وطارق شريف، قصتان قصيرتان لعلاء الأسواني من مجموعته"نيران صديقة"ترجمة همفري ديفيز، مقاطع من رواية"متاهة مريم"لمنصورة عز الدين ترجمة بول ستاركي، قصة قصيرة لابراهيم فرغلي من مجموعته"اشباح الحواس"ترجمة منى زكي، قصيدتان للشاعرة فاطمة ناعوت ترجمة سنان أنطون، مقاطع من رواية"أن ترى الآن"لمنتصر القفاش ترجمة عيسى بلاطة، قصيدة للشاعرة زهرة يسري ترجمة وائل عشري، قصيدتان للشاعرة نجاة علي ترجمة سنان أنطون، مقاطع من رواية"أن تكون عباس العبد"لأحمد العايدي ترجمة همفري ديفيز، مقاطع من قصيدة"وردة للأيام الأخيرة"للشاعرة رنا التونسي ترجمة سنان أنطون، قصتان لهيثم الورداني ترجمة عيسى بلاطة ووائل عشري، قصيدتان للشاعر عماد أبو صالح ترجمة أمير علام، قصة قصيرة لصفاء النجار ترجمة علي أزرياح، ثلاث قصائد لتامر فتحي ترجمة ماجد زاهر، قصتان قصيرتان لأشرف عبدالشافي من مجموعته"منظر جانبي"ترجمة كريستينا فيليبس، قصيدة لعماد فؤاد ترجمة كاميلو غوميز ريفاس، مقاطع من رواية"بمناسبة الحياة"لياسر عبدالحافظ ترجمة علي أزرياح، قصة قصيرة"الذهاب الى وليامزبرغ"لوائل عشري، من مجموعته"سأم نيويورك"ترجمة المؤلف. وخصصت المجلة محوراً عن الكاتب المصري الراحل محمد مستجاب قدمت له وترجمته منى زكي. وفي العدد مقالة عن الجائزة التي نالها صاحب دار ميريت، محمد هاشم من اتحاد الناشرين الأميركيين. هنا آراء في الكتابة المصرية الجديدة: صفاء النجار الإنتاج الأدبي في مصر الآن هو إما طريقة للتنفيس عن الحال الشعورية لمن يكتب أو نوع من الرفاهية الفكرية التي لا تتماس مع الواقع بل تتعالى عليه. لذا هو أدب"غيتو"غير فاعل او مؤثر في الحراك الاجتماعي أو السياسي. هناك كتابة جديدة على مستوى الشكل والمضمون لكنها تحبو داخل"غيتو"المثقفين فقط، ولا تهتم بنشرها سوى دور نشر خاصة صغيرة ولا يطبع منها سوى عدد محدود ألف نسخة على أقصى تقدير في حين تدعم المؤسسة الرسمية نشر الكتابات التقليدية التي تحافظ على ثوابتها. مصطفى ذكري ودّعت الكتابة الروائية الحديثة في مصر القضايا الكبرى التي كانت محط نظر الجيل القديم. لا وطن، لا انكسارات وهزائم جليلة، فقط كتابة بكل ألعابها الشكلية. وإن كان لا بد من أوطان وانكسارات وهزائم، فهي أوطان الجسد وانكسارات الروح وهزائم الرغبة. إنها كتابة نستطيع أن ندعوها بالوجودية العائدة العارية من زهو ألبير كامو القديم. كتابة تنتمي الى الفرد، وتنفر من الجماعة، وتعتبر السياسة والتاريخ والاجتماع من الموضوعات المشبوهة. ابراهيم فرغلي نجح الأدب المصري الجديد في السنوات الخمس الأخيرة ان يقتحم آفاقاً ارحب، وبدأ كل كاتب من كتّاب جيل التسعينات بالبحث عن مشروعه الخاص. الآن هناك كتابة تبحث عن اسئلة جمالية خاصة كما في كتابة مصطفى ذكري، وبعضها يرصد حياة المهمشين في محاولة لكسر صورة البطل التقليدي لمصلحة العادي والهامشي كما في كتابة حمدي ابو جليل وياسر عبدالحافظ او محاولة كسر صيغ السرد التقليدية الى لغة متشظية تعبر عن تشتت الفرد في الواقع المعاصر كما في كتابة احمد العايدي او احتفاء بالحسي في شكله المعاصر بحثاً عن صوت إنساني يمقت النبرة الذكورية الشائعة كما حاولتُ شخصياً في"أشباح الحواس". وهناك تجارب جديدة تتخلق بأفكار وصيغ سردية غير تقليدية كما في أعمال منصورة عز الدين وصفاء النجار وحمدي الجزار. وهو ما يبشر بعوالم روائية غير تقليدية ستظهر مستقبلاً. منصورة عز الدين أهم ما يسم الكتابة الجديدة في مصر - إن جاز لنا استخدام هذا التعبير - هو التوق الشديد لتجاوز الواقع، إما عبر مزجه بالغرائبي أو عبر السخرية الشديدة منه وتحويله مسخرة، أو التعامل معه بحياد مطلق. تتسم الكتابة الجديدة ايضاً في معظمها بالتجرؤ على الكثير من المسلمات القديمة، وإعادة النظر فيها، سواء أكانت مسلمات سياسية او دينية او اجتماعية. ولكن من ناحية اخرى ثمة غزارة شديدة في الإنتاج الروائي، هذه الغزارة مع عدم وجود فرز نقدي حقيقي ربما تدفع الرواية الجديدة في مصر الى مأزق كبير، خصوصاً ان سهولة النشر ادت الى تجرؤ بعضهم الى فن الروا ية من دون توافر الموهبة او الدراية الكافية بتقنياته وأساليبه.