من جديد ... إن ما يجري في دول"مربع الأحزان"يقض المضاجع وما زال ينذر بأوخم العواقب من العراق إلى إيران إلى فلسطين حتى لبنان، خصوصاً في ضوء ما استجد من تطورات تبعث على القلق وانتظاراً لما هو آت، من استيقاظ الخلايا النائمة وتصعيد الموجات الإرهابية وتوسيع رقعة"نضالها"كي تتزامن مع خطط انسحاب طلائع القوات الأميركية والبريطانية من العراق، ولمواجهة المراحل الصعبة. "الحياة" 30/4/2006 التطور الذي حدث بعد عمليات مضنية من المخاض العسير هو تأليف الحكومة الجديدة في العراق، ولو على دفعات، ومن دون التأكد اليقيني من تمكن هذه الحكومة الفضفاضة من ممارسة صلاحياتها ضمن فريق عمل متجانس ووسط كل ما يتخبط فيه العراق. لقد أثار تأليف الحكومة الكثير من اللغط سواء لجهة توزيع الحصص أو لجهة تنازع الحقائب مع تركيز خاص على وزارتي الداخلية والدفاع. ويقول اياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق أن مشاركة قائمته القائمة العراقية تهدف إلى إعادة التوازن السياسي، مهدداً بالانسحاب منها إذا لم تستند الحقائب الأمنية إلى مستقلين. ويضيف:"لا اعتراض على المحاصصة السياسية لكننا نرفض توزيع الوزارات على أساس طائفي أو مذهبي أو جهوي أي لبننة الواقع السياسي العراقي"! وعلّق النائب العربي السني صالح المطلك بعد خروجه من الجلسة البرلمانية التي تم فيها عرض الحكومة الجديدة بقوله..."ستسيل الكثير من الدماء". بعد انقضاء ساعات قليلة على إعلان الحكومة العراقية توجه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى بغداد ليكون أول زعيم غربي يهنئ نوري المالكي بنجاحه في تأليف الحكومة بعد إجراء العديد من العمليات القيصرية التي تواصلت على مدى الأشهر الخمسة الماضية. وفي مواجهة بلير والمالكي مع الإعلام أكثر من كلام لافت اذ قال رئيس الوزراء البريطاني:"إن العنف هو الذي يبقينا هنا، والسلام هو الذي يجعلنا نرحل... نريد أن نرحل في أسرع وقت ممكن لكن ذلك يجب أن يتم بالطريقة التي تحمي أمن الشعب العراقي". ومثل هذا الكلام يعني بشكل أو بآخر أن من يقرر بقاء القوات البريطانية والأميركية في العراق هو"أبو مصعب الزرقاوي"وكافة التجمعات الإرهابية التي"تناضل"في العراق! علماً بأن توني بلير يتعرض للكثير من الضغوط على الصعيد الداخلي البريطاني لاستعجال سحب القوات من العراق، خصوصاً أن هذه القوات تكبدت خسائر كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية إذا ما قورن الوضع بفترة سابقة حين كانت القوات البريطانية متمركزة في البصرة وفي جنوبالعراق وتمكنت هذه القوات من بناء علاقات"جيدة"نسبياً مع العراقيين قياساً على مناطق أخرى. ورغم أن بلير أبقى كلامه عن انسحاب القوات مطاطياً وفي صيغة المطلق فهناك معلومات تؤكد أن الطلائع الأولى لهذه القوات ستبدأ بالانسحاب خلال شهر حزيران يونيو المقبل. كان هذا مع قضايا أخرى محور لقاء الرئيس جورج دبليو بوش وتوني بلير، وقد فهم من أوساط قريبة من تفكير الرئيس الأميركي أنه يفضل استمرار سياسة المكابرة على الذات وعدم الاعتراف بصعوبة المواجهة في العراق. على أن ما قاله رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي يعكس خطورة الموقف الداخلي عندما حذّر من احتمال سقوط العراق في خضم حرب أهلية إذا لم يتم التوصل إلى صيغة معينة حول مصير الميليشيات المسلحة! ولأن عملية"التكامل"بين الوضع في العراقوإيران باتت من القضايا المسلّم بها فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أن بلادها"لا تمانع قيام إيران بدور معين في العراق للمساعدة على ضبط الوضع الأمني المتفجر"ز.. وليس هذا هو الإقرار الوحيد الصادر عن واشنطن والذي يقرّ صراحة بتكريس النفوذ الإيراني في العراق، مقابل خفض واضح في العمليات الإرهابية وتأمين"انسحاب تدريجي ومشرف"لبعض القوات الأميركية في وقت لا يتعدى نهاية السنة الحالية. وفي الحديث عن إيران يقفز الملف النووي الإيراني وتداعياته بسرعة إلى الواجهة ولا يزال موضع تجاذب حاد. ففي سياق الحرب النفسية بين إيرانوالولاياتالمتحدة قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل يومين انه"بفضل العلماء الإيرانيين باتت إيران تتحكم بدورة الوقود النووي بكاملها من صفر إلى مئة... وإذا ما قامت أميركا بأي عدوان فستتلقى صفعة تاريخية". بالإضافة إلى ذلك، فشلت المجموعة الأوروبية التي التقت في لندن في الاتفاق على تقديم بعض"العروض والحوافز المغرية"لإيران"في محاولة لثنيها عن متابعة العمل على انتاج المزيد من المواد النووية"، وعلق أحمدي نجاد على العرض الأوروبي بقوله ك"من يستبدل الذهب بالحلوى"! وتقول إيران أنها قامت بتخصيب اليورانيوم إلى نسبة 4,8 في المئة أي عند الحد الأقصى لمعدل التخصيب في حين أنها نسبة أقل بكثير من المستوى المطلوب لصنع الأسلحة والذي لا يقل عن 80 في المئة. لكن العنصر المثير الذي رافق هذه التطورات تمثل بما حدث خلال لقاء الرئيس بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، اذ أكد الجانبان أنهما"لن يسمحا لإيران بالحصول على السلاح النووي". ومع أن بوش حرص على تأكيد التزام الولاياتالمتحدة الحل الديبلوماسي إلا أنه كرر تعهده دعم إسرائيل في حال تعرضها لأي هجوم! وقال بوضوح:"أن أميركا والأسرة الدولية ابلغتا بوضوح موقفنا المشترك، وهو أنه لا يجوز أن تمتلك إيران السلاح النووي". واضاف أنه يمضي الكثير من الوقت في العمل مع"أصدقائنا الروس لنوضح لهم أن إيران لا تظهر حسن النية". ليس هذا فحسب بل أن بعض المصادر الغربية المطلعة كشف أن الإدارة الأميركية تعتزم إنشاء"حزام"جديد مضاد للصواريخ في أوروبا يمكنه التصدي لهجمات محتملة من جانب إيران ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها من الدول الأوروبية. ونشرت"الواشنطن بوست"بهذا الشأن معلومات تفيد بأن خبراء البنتاغون يتحدثون عن تركيز عشرة أنظمة للتصدي للصواريخ بحلول 2011، وأن اتصالات تجرى حالياً مع بعض الدول الأوروبية لاختيار أماكن"نصب"مثل هذا النظام الصاروخي وأن وزارة الدفاع طلبت من الكونغرس مبلغ 56 مليون دولار للبدء بالعمل وأن الكلفة النهائية قد تصل إلى 1,6 بليون دولار. هذا في ما يتعلق بالشطر الآخر من الأطلسي، لكن المنطقة العربية وبالتحديد دول الخليج تعيش حالاً من القلق الواضح لما آلت وستؤول إليه تداعيات الملف النووي الإيراني. وفيما تسعى طهران عن طريق إرسال موفدين على مستويات رفيعة إلى دول الجوار لتطمينها! فقد علم أن طهران تحاول إقناع بعض الدول الخليجية باستخدام علاقاتها الطيبة مع الولاياتالمتحدة لإقناعها بعدم القيام بأي عمل عسكري ضد إيران نظراً الى المفاعيل الخطيرة لمثل هذا العمل. وفي سياق متصل بهذه التطورات مع بعض الاختلافات، اتهم رئيس مجلس النواب الأردني عبدالهادي المجالي إيران بتهديد الأمن الوطني الأردني وزعزعته، مؤكداً أن إيران"تشكل تهديداً سلبياً على الأردن ومن المتوقع حدوث توتر شديد على المنطقة سواء ضربت أميركا إيران أم لم تضربها"... وفي رأيه أن إيران"تلعب لعبة ذكية جداً، إذ ساعدت الأميركيين بقوة على احتلال العراق وأمنت لهم الجناح الأيمن أثناء غزو العراق... وأن المخابرات الإيرانية تحتل معظم جنوبالعراق... فهل ستضحي أميركا وتتخذ قراراً بضرب إيران وتدمر منشآتها النووية". على أن ما يثير السخرية السوداء تصريحات أدلى بها شيمون بيريز نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، اذ قال:"أن حيازة إيران أسلحة نووية سيشجع القوى الكبرى في المنطقة مثل مصر والمملكة العربية السعودية على امتلاكها"! ومعلوم أن بيريز يعتبر مؤسس البرنامج النووي الإسرائيلي، واضاف:"ان العالم سيتغير بصورة كبيرة إذا ما نجحت إيران في امتلاك قنبلة نووية". العودة إلى أن إسرائيل النووية هي الاستثناء الوحيد. وإذا ما انتقلنا إلى الخاصرة الثالثة من"مربّع الأحزان"يبرز أمامنا الوضع الفلسطيني المحتقن والذي ينذر أي تفجر أو مواجهة بين العناصر الفلسطينية بعواقب قد تخرج كلياً عن السيطرة رغم النفي الإعلامي بعدم حدوث ذلك. ونرجو أن تكون آراء السلطة نابعة من معلومات ولا تندرج في إطار التمنيات فقط. اذ لم يعد خافياً على أحد التصنيف القائم: سلطةعباس، وسلطة حماس، أو فلسطينيو السلطة، وفلسطينيو الحكومة. أما العامل الإضافي الآخر الذي يرفع من درجة القلق فيتمثل بالمعلومات التي أذاعتها القاهرة وتحدثت عن أن أحد مفجري عملية"دهب"تلقى تدريباته في غزة. يضاف إلى ذلك مقتل السائق الأردني الذي يعمل في سفارة بلاده في رام الله. فإذا لم تحسم مسألة من يحمل السلاح ومن يضبط الأمن فإن الأمور مرشحة لمزيد من الاقتتال والتعقيد خصوصاً في ضؤ تفاقم الأزمة الحياتية وعدم تمكن الموظفين من تلقي رواتبهم للشهر الثالث على التوالي. وطالما بقيت هذه الثنائية بين سلطة عباس في رام الله وسلطة حماس في غزة تبدو الأوضاع مرشحة لمزيد من المجابهات. فهل يريد الفلسطينيون أن يٌقال عنهم: أن من لم يقتل على أيدي الإسرائيليين سيقتل على أيدي الفلسطينيين أنفسهم؟ ثم أن انتشار العوز والفاقة من شأنه أن يجعل من قطاع غزة"المكان الصالح"لتخريج وتصدير العاملين في حقل العنف والإرهاب وتوزيع"خدماتهم"على دول المنطقة من مصر وغيرها. وفي ضؤ الاحتقان القائم في الأوساط الفلسطينية على كل من يملك سلطة داخل السلطة، وهم كثر على ما يبدو، إجراء مراجعة كاملة للوضع برمته وتحديد أولويات المرحلة بعيداً عن صراع المناصب والحساسيات الأخرى. وهنا أيضاً يتزايد استخدام تعبير الحرب الأهلية! ولا يكفي نفي حدوث هذا الاحتمال حتى لا يقع. وفي هذا السياق يجب فهم دوافع المملكة العربية السعودية وتحذيرها من فتح أبواب التطرف بسبب الحصار المالي المفروض على الفلسطينيين. أما الوضع في لبنان فعاد ليتأرجح بين تشنجات الداخل وتدخلات الخارج. وبانتظار استئناف جولات الحوار الوطني في التاسع من حزيران يونيو يتجمع في الأفق اللبناني بعض السحب، وكلما بدا أن الخارج الأميركي أو الفرنسي أو... يعرض خدماته على لبنان كلما أدى ذلك إلى مزيد من التأزم. فبالإضافة إلى تفاعلات قرار مجلس الأمن الأخير الرقم 1680 والمتصل بالعلاقات اللبنانية - السورية، من ترسيم الحدود أو تحديدها إلى تبادل التمثيل الديبلوماسي بين بيروت ودمشق، لا تزال المعادلة مطروحة: هل أن كثرة استصدار القرارت الدولية تساعد على حل الأزمات في لبنان أم أنها تؤججها! السؤال مطروح على الجميع، خصوصاً أن الجولة المقبلة من الحوار لن تفضي إلى اي اختراق في حدوث اتفاق أو تفاهم، لأن القضية المعروضة تتصل باستراتيجية الدفاع عن لبنان وتقرير مصير سلاح"حزب الله". وقد استمعنا إلى السيد حسن نصرالله يعلن في"ذكرى التحرير"انتهاء مشروع إسرائيل الكبرى مكرراً وجود شمال إسرائيل في قبضة صواريخ"حزب الله". لكن الإشكال القائم حول مصير سلاح المقاومة يجب أن يطرح بمنتهى الصدق والصراحة والوضوح لئلا يتحول إلى قضية خلافية، وهو كذلك الآن. وفي الحديث عن الدفاع والهجوم علم أن لبنان قد تلقى عرضاً أميركياً لمساعدته في مواجهة"القاعدة"التي نقلت نشاطها سراً في الآونة الأخيرة. وربما كان لزيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية المسؤول عن الإرهاب لبيروت علاقة بالأمر. لكن لبنان يكون أكثر أمناً وأماناً عندما لا تتوسع رقعة المواجهة فيه تحت مسميات مختلفة من"القاعدة"المفترضة... إلى قوات"فتح - الانتفاضة"، وما خفي وما ظهر من أسلحة وتجمعات على الساحة اللبنانية التي تفتح"شهية"المناضلين عليها من كل حدب وصوب. وهكذا يبدو الحزام الذي يلف المنطقة: من غبار عاصفة الملف النووي الإيراني الذي يلف المنطقة ويبعث على القلق في مختلف دول منطقة الخليج العربي، إلى استمرار القتل اليومي في بغداد وسائر المناطق العراقية مع عدم القناعة بأن الحكومة الجديدة ستتمكن من إمساك الوضع الأمني كما يجب، إلى فلسطين الغارقة في إشكالياتها الأمنية والسياسية سواء في التعامل مع إسرائيل، أو التعاطي الداخلي بين سلطتي عباس وحماس وصولاً إلى لبنان الذي ينتظر موسم السياحة والاصطياف بترقب وأمل شرط ألا يعكر صفو الأمن فيه حقد حاقد أو خطة ناقد يريد قلب الأوضاع وخوض معركة اثبات وجود من جديد خصوصاً أن أهل الوطن لا يزالون يرتدون الثياب السوداء حداداً على الرجال الذين سقطوا بقنابل الموت المنتشرة على الطرقات. يكفي لبنانوالعراقوفلسطين ما لبسه أهلها من سواد... * كاتب لبناني.