أدى الإضراب الذي نفذه الجهاز التعليمي في ثانوية هنري دونان في ايفرو ضاحية باريس إلى عدول محافظ المنطقة عن ترحيل التلميذة كارمن سيماو ووالدتها مريم إلى أنغولا، كونهما مهاجرتين غير شرعيتين. وحقق أساتذة هنري دونان بفضل تعبئتهم انتصاراً أتاح لمريم سيماو، الخروج من المخبأ الذي لازمته لدى بلوغها قرار الترحيل الصادر بحقها، هرباً من الشرطة. وكانت مدن فرنسية من بينها ليون وتولوز ونانت شهدت حالات تعبئة مماثلة، أدت إلى تجنيب عدد من التلامذة من أبناء المهاجرين غير الشرعيين الترحيل عن الأراضي الفرنسية. لكن هذه الانتصارات التي حققها المدرسون في المدن المختلفة تبقى موقتة في ضوء المذكرة الصادرة عن وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي، وتقضي بعدم التشدد في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الذين لديهم أولاد في المدارس الفرنسية قبل انتهاء العام الدراسي في 30 حزيران يونيو المقبل. وبقاء مريم سيماو وابنتها كارمن، مثلهما مثل العديد من المهاجرين غير الشرعيين الذين يراوح عددهم بين 200 ألف و400 ألف شخص، في فرنسا ليس سوى موقتاً بانتظار حلول نهاية العام الدراسي على ضوء القانون الجديد الذي أعده ساركوزي حول الهجرة والإقامة في فرنسا وتجرى مناقشته حالياً في مجلس الشيوخ بعدما أقره البرلمان الأسبوع الماضي. ومن ضمن ما ينص عليه القانون الذي يقول ساركوزي إن هدفه الخروج من حال"الهجرة المفروضة"للوصول إلى حال من"الهجرة الانتقائية"التي تتلاءم مع متطلبات الاقتصاد والمجتمع الفرنسيين، إلغاء الإمكانية التي كانت متاحة أمام المهاجرين غير الشرعيين الذين مضى على إقامتهم في فرنسا عشر سنوات للحصول على إقامات شرعية، ورفع وتيرة ترحيلهم بحيث تشمل 25 ألفاً منهم خلال السنة الحالية. وبالتالي فإن نهاية العام الدراسي، ستكون بمثابة دوامة لحوالى عشرة آلاف تلميذ من أبناء المهاجرين غير الشرعيين، وفقاً لتقديرات غير رسمية، وهم يعانون منذ الآن رعباً مسبقاً من المطاردات التي سيكونون عرضة لها وذويهم. وعلى رغم أن قانون ساركوزي يحظى بتأييد 61 في المئة من الفرنسيين نتيجة ضائقتهم المعيشية وانحسار الأفق الوظيفية أمامهم، فإنه يثير استياء الأوساط المعنية بحقوق الإنسان وفئات واسعة من ذوي التلامذة والمدرّسين. وشكل هؤلاء شبكة أطلقت على نفسها اسم"شبكة التعليم بلا حدود"، بهدف مواجهة بنود قانون ساركوزي المتعلقة بالتلامذة من أبناء المهاجرين ومساعدتهم على عدم السقوط تحت طائلتها. وأعد هؤلاء عريضة عنوانها مكافحة"مطاردة الأولاد"جمعت حتى الآن تواقيع 27 ألف شخصية سياسية وفكرية وفنية وسينمائية، تدعو إلى رعاية وحماية و"إخباء"التلامذة المستهدفين. وعلى رغم تعرضهم لعقوبة السجن مدة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها 30 ألف يورو، يتعهد موقّعو العريضة بعدم"إغلاق أبوابنا"أمام هؤلاء التلامذة وذويهم"إذا طلبوا مساعدتنا"وبعدم"الوشاية بهم إلى الشرطة". ويعتبر أعضاء"شبكة التعليم بلا حدود"ان ترحيل التلامذة من أبناء المهاجرين غير الشرعيين، سيؤدي إلى اقتراع أولاد مندمجين في المجتمع الفرنسي، وإعادتهم إلى ظروف البؤس السائدة في بلدانهم الأصلية لحساب مبادئ الجمهورية. لكن هذا النقد لا يلقى أي آذان صاغية لدى ساركوزي الذي يعتبر ان مكافحة الهجرة غير الشرعية ضرورة وأن التغاضي عن ذلك يؤدي الى تشجيع العنصرية.