يشهد مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين في الاردن بدايات مواجهة سياسية"فتحاوية - حماسية". وبعد 15 عاماً على التوصل إلى"تفاهمات"مع عمان تقضي بتجميد نشاطها السياسي والتنظيمي في الأردن، سبقتها وتخللتها بعض التجاذبات، عادت حركة"فتح"، العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، الى التحرك داخل الاردن، وتحديداً في مخيمات اللاجئين والنازحين ألپ13 المنتشرة داخل مملكة نصف عدد سكانها على الأقل من أصول فلسطينية. وفي خلفية المشهد الاردني علاقات تزداد توتراً مع التيار الإسلامي الواسع النفوذ في الأردن بعد صعود"حماس"السياسي، عقب ستة عقود من التعايش مع النظام، والوقوف في خندق واحد ضد المد القومي اليساري. ويقول احد قادة حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لپپ"الأخوان المسلمين"الأردنيين"في الماضي كان هناك توافق بين الحكم والإسلاميين، ضد فتح، أما اليوم فهناك توافق بين فتح والسلطة في الأردن لإقصاء حماس والبديل الإسلامي". ويضيف:"نشعر بأن التمويل الفتحاوي عاد، وكذلك اللقاءات، وبدأ التجنيد لتنظيم كوادر فتح، وإعادة ترتيب البيت الداخلي، خصوصاً أن فوز حماس كان له صدى كبير في المخيم على صعيد الاتجاه الإسلامي فيه". في المقابل، يقول احد نشطاء"فتح"ان"الأردن يخشى من أن تقوم حماس ببناء هيكلية تنظيمية سياسية للحركة، من تجنيد وتنظيم، لأكبر عدد ممكن من المقربين من توجه وفكر حماس، ليساعدوا حماس في الخارج، في مقابل ما تقوم به فتح في الخارج من اعادة بناء لتنظيمها". بدايات عودة التحرك الفتحاوي رصدت قبل عام، في مخيم البقعة، الذي يقطنه 150 الف نسمة على الأقل، عندما لاحظت"فتح"، التي تقود السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي شريك الأردن الرئيس في عملية السلام، تراجعاً كبيراً في شعبيتها، في صفوف فلسطينيي الداخل والشتات، بعد فشل خيار السلام الذي راهنت عليه السلطة منذ اتفاقات أوسلو عام 1993، ووسط تنامي المحسوبية والفساد. وإضافة الى ذلك تعتبر سورية ولبنان مناطق مغلقة في وجه جهود فتح، بسبب السيطرة السورية والتواجد الكثيف للجماعات الفلسطينية المناوئة لها. بدأ رموز الحركة المفككة، مثل فاروق القدومي، عباس زكي، هاني الحسن وسليم الزعنون التوافد على مخيم البقعة، على مشارف عمان، والذي يعتبر مركز الحراك السياسي الفلسطيني في الاردن ومعقل الإسلاميين. جاؤوا للقاء حلفائهم من وجهاء ومخاتير، وإلقاء خطب في مهرجانات متعددة، ضمن خطة لإعادة تنظيم هيكلية وصفوف الحركة في الخارج. ومع أن المسؤولين الرسميين الأردنيين يفضلون عدم التعليق على عودة النشاط الفتحاوي، ألا ان بعضهم لم يخف اشارة الى ان هذه العودة تتماشى مع جهد المملكة في دعم السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن، شريكها في مسيرة السلام. ويقول محمد خليل عقل، وهو نائب عن جبهة العمل الإسلامي، يقطن في البقعة، في لقاء مع"الحياة"إن ثمّة"تنسيقاً أكيداً وراسخاً بين مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة"فتح"، وبين الحكومة الأردنية، لتحجيم أي تعاطف مع حماس في الأردن". والمملكة متخوفة من تمدد حماس على أراضيها، ومن توسع قاعدة حلفائها الإسلاميين في الأردن قبل الانتخابات البلدية في نهاية العام والنيابية في نهاية 2007. ومع أن"جبهة العمل الإسلامي"تصر على استقلال الحركة عن"حماس"، على رغم الدعم اللامتناهي"لأشقائهم الفلسطينيين"، فإن"حماس"لا تحتاج لعمل الكثير لكسب مزيد من المناصرين. فشعارها المتمثل بپ"تحرير فلسطين من النهر إلى البحر"أصبح نقطة جذب لمعارضي السلام في الاردنوفلسطين، على خلفية مواقف إيديولوجية أو بسبب مخاوف من إسقاط حق العودة. وربما ساهمت اجراءات فتح الأخيرة في الأردن في تحقيق بعض المكاسب السياسية لها، فهي سيطرت على مجمل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية في مخيم البقعة منذ آخر الستينات إلى نهاية الثمانينات، قبل أن يتراجع نفوذها لمصلحة الإسلاميين، بعد أن أطلقت"حماس"نشاطها في قطاع غزة آخر العام 1987. قبل أكثر من أسبوعين، عاد معسكر فتح ليحتل موطئ قدم له في نادي البقعة الرياضي الذي كان حكراً على الإسلاميين منذ العام 1993. هزمت قائمة"التيار الوطني الإسلامي"وسط مزاعم بحصول معوقات إدارية داخلية، وتدخلات خارجية لمصلحة الفائزين، ونجح التحالف المضاد"من أجل التغيير والإصلاح"، خليط من شخصيات مستقلة، بعضهم مقرب من الدولة الأردنية، وثلاثة فتحاويين. وقبل اشهر، كسرت شوكة النفوذ الإسلامي في انتخابات نادي شباب مخيم الحسين داخل عمان، لمصلحة"فتح"وحلفائها. وبعد غياب دام سنوات، عادت يافطات الترحيب بزوار مخيم البقعة للظهور موقعة من كبار رموز"حركة التحرر الوطني - فتح"، بينما يشكو الإسلاميون من التضييق على نشاطاتهم هناك، ورفض الطلبات التي قدموها لترخيص مسيرات تأييد لپ"حماس"، على حد قول أحد مناصري الحركة. قبل أسبوعين انفرد سكان مخيم البقعة في الاستجابة لدعوة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية بالتظاهر لدعم الحكومة الإسلامية في مواجهة حصار مالي وسياسي من أوروبا وأميركا، وحلفائهم. سار أكثر من ألف متظاهر عبر أزقة المخيم الضيّقة، ورددوا شعارات مماثلة لمسيرات"حماس"في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومنها"يا هنية لا تحتار، فلسطين على رغم الحصار"، وپ"يا هنيهة لا تهتم، نحنا شرّابين الدم". المسيرة كانت غير مرخصة لكنها انتهت كعشرات غيرها، بسلام. الأسبوع الماضي أقيم مهرجان في"نادي اليرموك"في البقعة، حضره مندوب عن فتح، بمناسبة الذكرى ال 58 للنكبة. صدحت المطربة ميس شلش بأناشيد وأغانٍ وطنية. وبعدها عقدت جبهة العمل الإسلامي احتفالاً مماثلاً داخل مقر الجبهة في المخيم، بعد أن منعت الجبهة من اقامة الاحتفال في ساحة عامة. وعلى رغم عدم قدرة المصارف على تحويل أموال إلى فلسطين بسبب الحصار الاقتصادي العالمي على حكومة حماس، فإن عدداً كبيراً من أعضاء ومناصري حركة"الإخوان"وحزب"جبهة العمل"تبرع براتب شهر لدعم"حماس"، بالتزامن مع حملة تقودها النقابات المهنية في الأردن في الاتجاه نفسه. في المخيم لا يستطيع أي خطيب من خطباء المسجد يوم الجمعة إلا أن يعرج على معاناة الشعب الفلسطيني، وإدانة العدو الإسرائيلي"، لكن لا دعوة واضحة وصريحة لنصرة"حماس"إلا على صعيد الخطاب الشعبي، وعبر رموز الإخوان والجبهة، وبشكل غير رسمي في دروس المساجد. حتى الآن، يبدو أن فتح وحماس لن يجازفا بتحويل التجاذبات الدائرة بينهما في مخيم البقعة، إلى مواجهات وفوضى، وذلك بسبب القبضة الأمنية الأردنية، و"نضوج القادة المحليين في المخيم،الأكبر داخل الأردن، بعد سنوات من التعايش، ولأن الفتنة بين الإخوة محرمة دينياً، وتصب في مصلحة إسرائيل"، بحسب نشطاء من الجانبين. لكن المواجهة السياسية داخل المخيم قد تتفاقم، إذا تطورت المواجهة في الداخل إلى حرب أهلية. تتلاقى تحركات فتح مع تكرار زيارات الرئيس عباس إلى المملكة، واحتضان عمان للعديد من الاجتماعات الفلسطينية مثل اجتماع المجلس المركزي لحركة فتح. ويفضل المسؤولون عدم الخوض في موضوع نشاط فتح الاخير في الاردن، وتصر الحكومة على انها ليست جزءاً من محور التضييق على حماس. لكن المملكة، بحسب المسؤولين، غير مطمئنة إلى ما تسميه سيطرة قيادة حماس في الخارج، بقيادة خالد مشعل، على توجهات الحركة، والتي أصبحت في رأي مسؤولين حكوميين، جزءاً من مخطط"أطماع الإمبراطورية الفارسية التوسعية". ويزيد من حدة التوتر التداعيات الأمنية - السياسية الدائرة بين الحكومة الحماسية والحكومة الأردنية، على خلفية ضبط أسلحة في المملكة، منها صواريخ بعضها إيراني الصنع، قال الأردن إن بعض قادة حماس من المتواجدين في سورية، اشرفوا على تهريبها، بقصد ضرب مصالح أردنية. وعلى رغم عدالة المخاوف الأمنية الأردنية حول عملية التهريب، فإن قناعات الرأي العام في الاتجاهين، لم تتغير كثيراً بعد بث اعترافات تلفزيونية لثلاثة من أعضاء الخلية المزعومة. أسئلة سياسية كثيرة معلقة في أجواء المخيم، بحاجة لإجابات. لكن هناك خشية من أن تؤدي عملية الاستقطاب الفتحاوية الحماسية في الأردن، إلى التأثير على الوحدة الوطنية الهشة. وفي هذا السياق يقول احد السياسيين المستقلين:"من مصلحة الأردن ألا يقوّي أياً من الفصيلين المتناحرين، في وجه الأخر، وان تتحرك الدولة بسرعة للحد من التوتر في الشارع الفلسطيني في الأردن، والابتعاد عن أي جهد دولي بقيادة أميركا، لمحاصرة حماس".