لماذا يغيب الماء وأزماته عن لقاء"المنتدى الاقتصادي العالمي"، المعروف أيضاً باسم"منتدى دافوس"، الذي يستضيفه منتجع شرم الشيخ المصري؟ أكثر من سبب يدفع بهذا السؤال إلى الواجهة. التأم لقاء شرم الشيخ بعد أيام قليلة من قمة مكسيكو العالمية للماء التي طرحت الصوت للتنبيه من خطورة الإفراط في استعمال المياه الجوفية. والحال ان الدول العربية تعاني من تهديد خطير في أمنها المائي بفعل عوامل عدّة أبرزها اعتمادها الهائل على المياه الجوفية، إضافة إلى عدم قدرتها على السيطرة على انهارها الكبرى. ونبّهت قمة مكسيكو إلى معاناة الدول العربية من التناقص المستمر في المياه المتاحة لها، إضافة إلى سوء استعمالها، مما يضع معظمها تحت"خط الفقر المائي". ولم تغفل قمة مكسيكو، على غرار عشرات من التقارير الاستراتيجية عالمياً، عن التنبيه إلى ان المياه ربما سببت زعزعة في الاوضاع السائدة في الشرق الاوسط بما يزيد من تعقيد أوضاعه المُعقدة أصلاً، ويسعر من حدّة التوترات فيه ويدفعها إلى حافة"حروب الماء". والحال ان منتدى شرم الشيخ معني بالاستقرار في المنطقة في شكل شبه رئيسي، وباعتباره من الشروط الاساسية للاستقرار والتنمية، ما يفترض حضوراً قوياً لموضوع المياه في أعماله. ومع ذلك، فقد غاب الموضوع المائي عن أولويات المنتدى الاقتصادي. لم يشفع للماء ان حرب عام 1967، ارتبطت بموضوع مائي مثّله حينها، مشروع عربي لتحويل مجرى الروافد العربية من نهر الاردن. استطراداً، فان تلك الحرب ارتبطت أيضاً بموضوع السيطرة على ممر مائي أيضاً هو مضائق تيران عند خليج العقبة. كما ان حرباً اخرى اندلعت عام 1956 عندما بسطت مصر سلطتها الوطنية على ممر مائي آخر هو قناة السويس. لم يشفع للماء لدى"المنتدى العالمي"ان كثيراً من الخبراء، مثل ما يرد في موقع"مجلة المياه"على الانرنت، يرون في الخلافات المتكررة بين دول حوض نهر النيل مصدراً يُهدد باندلاع ما قد يكون حروباً ضارية على المياه. ولم يشفع للماء لدى"منتدى دافوس"ان إسرائيل استولت بالقوة، في حرب 67 أيضاً، على موارد مائية لدول الجوار، فسيطرت على المياه الجوفية في الضفة الغربية وغزة، وعلى بحيرتي طبريا والحولة، وعلى جزء من ممرات نهري الوزاني والحاصباني. وشكّل الماء عنصر خلاف ضخم في سياق معاهدات"كامب ديفيد"، وفي معاهدتي العقبة وأوسلو، وما زال عنصر عدم الاستقرار في عملية السلام الشديدة التعثر في المنطقة. ثمة ظل ماء هائل يبسط حضوره على دول المنطقة كافة. والارجح ان غياب الماء يعبر عن خلل في التوازن بين مصالح الشركات ورجال الاعمال من جهة، ومصالح الشعوب من جهة أُخرى. يُفترض بالسياسة، كما يمارسها المنتدى، ان تحاول ضمان ذلك التوازن. والحال ان مؤسسي ملتقى دافوس، وخصوصاً كلاوس شواب وهنري كيسنجر، حرصوا دوماً على إظهار ذلك التوازن. والاقرب للقول ان غياب الماء يؤشر إلى ان حساسية ما غابت عن لقاء شرم الشيخ. حوض النيل الجديد الحال ان مصر نموذج قوي من الإشكالية المائية القاسية التي يعيشها العالم العربي، وتُهدد أسس التنمية فيه، إذ يخشى كثير من الخبراء أن ثمة مخاطر تتهدد شريانها المائي الأساسي، نهر النيل. وتنسحب الخشية عينها على خزاناتها الجوفية الأساسية التي تتقاسمها مع دول الجوار، ولا يسقط عليها من الأمطار ما يكفيها! وذلك حال معظم دول العرب. أنظر المربعات عن ارقام الماء عربياً ودولياً، بالاستناد إلى مصادر متنوعة على الانترنت، إضافة إلى كتاب د. اسماعيل سراج الدين"قضايا المياه في العالم". ثمة كونشرتو من ماء وسياسة ومصالح بين دول حوض النيل، يجدر التأمل فيه. فمن المعروف ان النيل يربط، بين منابعه الأولى عند بحيرة فكتوريا ومصبه في المتوسط، عشر دول: تنزانيا، الكونغو، راوندا، بروندي، أوغندا، كينيا، اثيوبيا، اريتريا، السودان ومصر. وتتوزع مياه النيل بينها، بناء على معاهدة أبرمت عام 1929، أعطت لمصر الحق في استعمال 55 بليون متر مكعب من النيل. وفي عام 1964، قرر الرئيس جوليوس نيريري ان بلاده المستقلة لن تطبق معاهدات ابرمت في زمن الاستعمار. والحال ان حسن علاقاته مع مصر والعرب، جعل مياه النيل في منأى عن التأثر بهذا القرار الذي عُرف باسم"مبدأ نيريري". ولكن الحال تغيرت لاحقاً، لاسباب لم تغب عنها أيدي السياسة وتداخلاتها، لكنها أيضاً تنطلق من زيادة السكان وتفاقم مشكلة التصحر في ذلك البلد. وأطلقت مشروعاً لبناء شبكة أنابيب ضخمة على بحيرة فكتوريا، بكلفة 7 بلايين دولار، ما أثار مخاوف مصرية وسودانية. وفي مثال آخر، أطلقت اثيوبيا، التي ابطلت أيضاً التزامها باتفاقية 1929، مشروع سد"فيشا"، على أحد روافد النيل الأزرق، الذي يؤثر في حصة مصر بنحو 0،5 بليون متر مكعب من المياه. كما أعلنت أثيوبيا عزمها الانخراط في مشاريع مشابهة ربما حرمت مصر من 7 بلايين متر مُكعب من المياه سنوياً. وتتخذ كينيا موقفاً مشابهاً. وتلك مجرد أمثلة من الوضع المُعقّد، حيث باتت بعض الاوساط تتحدث عن"حوض النيل الجديد"، بالاشارة إلى المطالب المتصارعة في تلك المنطقة. وفي مثال آخر، انفقت ليبيا ملايين الدولارات على مشروع"النهر العظيم"، الذي ترى فيه الأمل في إحياء سواحلها، لكنها لا تزال في نزاع غير محسوم مع دول تشمل التشاد والنيجر على حوض المياه الجوفية الذي يفترض ان يمدّ ذلك النهر! مصر... العراق... الخليج حرمت الطبيعة الخليج العربي من المسطحات المائية الكبرى، لكنه يتمتع بالقدرة على تحلية مياه البحر، وخصوصاً لجهة توافر الاموال اللازمة لمثل تلك العملية المعقدة. وفي المقابل، فإن كلفة تلك التقنية شهدت بعض الانخفاض في الآونة الأخيرة، لكن تحويل البحر إلى مصدر قوي للمياه العذبة يقتضي سيطرة فعلية على تلك التكنولوجيا وعلومها. يقود الامر هنا إلى نقاش عن شقين متلازمين: الأموال اللازمة لمشاريع تحلية مياه البحر، ونقل التكنولوجيا والمعارف الكفيلة بالسيطرة على تلك العملية علمياً ولوجستياً. ثمة جهود كبرى تبذل في هذا الإطار. ويحتاج النقاش في تلك المواضيع المتشابكة إلى إطار أوسع من هذا المقال. وفي إطار الخليج ومياهه وأمنه، فلعل كثراً ممن حضروا الملتقى العالمي، يذكرون ان صدام حسين، عمل على تبرير حربه على ايران بإثارة الخلاف المائي بين البلدين على مياه شط العرب، حيث يلتقي نهرا دجلة والفرات. وجيّش إعلامه لإظهار حال الظمأ في الأهوار، التي قد تنشأ عن سقوط الاتفاقية بين البلدين على"خط التالوك"المائي الذي رسمته يد الانتداب البريطاني على البلدين لتوزيع مياه تلك المنطقة. والمفارقة انه حوّل المياه عن الأهوار، وبهدف تجفيفها والقضاء عليها نهائياً، لأنها شكلت معقلاً لمن تمرد على حكمه! وبديهي ان حروب الماء ليست قدراً محتوماً. والحال ان مصالح الشعوب المتداخلة في المياه تنفع ايضاً لنسج روابط متينة من التعاون بينها، لكن شبح تلك الحروب يؤشر إلى الأهمية الهائلة التي يكتسبها موضوع المياه في الشرق الاوسط. [email protected] أرقام مائية عربية أشارت قمة مكسيكو للمياه 2006 إلى ان 19 دولة عربية تقع تحت خط الفقر المائي. تعتمد الدول العربية على مياه من خارج حدودها بنسبة 65 في المئة. يعاني أكثر من 50 مليون عربي راهناً من غياب المياه الصالحة للشرب، إضافة إلى 80 مليوناً يعانون غياب الصرف الصحي الملائم. يحوي العالم العربي مياهاً جوفية يُقدّر حجم خزاناتها بنحو 7800 بليون متر مكعب. يتجدد منها سنوياً 42 بليون متر مكعب، ما يتيح استعمال 35 بليون متر مُكعب، يذهبمنها 3.6 بليون للاستخدام البشري المباشر. تصل الى الدول العربية مياه من مصادر غير تقليدية، مثل تحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي والزراعي، بكمية 7،6 بليون متر مُكعب. كما ترد الدول العربية أمطار بنحو 2300 بليون متر مُكعب سنوياً. لا يحتوي العالم العربي سوى 3 مسطحات مائية كبرى النيل ودجلة والفرات تُمثّل موارد مائية متجددة تصل كميتها إلى 42 بليون متر مُكعب. تذهب معظم مياه العرب إلى الزراعة، التي لا تزال اساليب الري فيها متخلفة تقنياً في شكل مذهل، وتستهلك أكثر من 90 في المئة منها. وتحصل الصناعة على 4 في المئة، والشرب 5 في المئة. بلغ متوسط نصيب الفرد في الدول العربية من الماء سنوياً 3300 متر مكعب عام 1960. وانخفض الرقم عينه إلى 1250 متراً مكعباً في التسعينات من القرن الماضي، ويُقدّر راهناً بنحو 650 متراً، أي أقل من خط الفقر المائي المُقدر بنحو 800 متر مُكعب سنوياً. وتتوقع الجامعة العربية ان تقع دولها كافة تحت خط الفقر المائي بحلول عام 2025 ! يتوقع الا يزيد حجم المياه الجوفية في الخليج العربي عام 2015، عن 7.2 بليون متر مكعب، ويأتي 3 بلايين متر مُكعب من تحلية مياه البحر، ومثلها من إعادة استخدام مياه الصرف الصحي، فيما يبلغ حجم ما تحتويه المسطحات المائية فيها نحو 8.3 بليون متر مُكعب. يتضمن مشروع"غاب"التركي بناء 21 سداً تستفيد من منابع نهري دجله والفرات وروافدهما، تصل سعتها التخزينية إلى نحو 186 بليون متر مُكعب. بلغ حجم ما سحبته اسرائيل من مياه نهر الاردن وروافده إلى نحو 1290 مليون متر مكعب. ومدّت انابيب لجرّ المياه من الانهار اللبنانية التي تصب في بحيرة طبريا ونهر الاردن. أرقام مائية عالمية تصرف الدول النامية سنوياً نحو 75 بليون دولار لخدمات الماء، فيما تحتاج إلى استثمارات بقيمة 180 بليون دولار سنوياً لمدة 25 سنة مقبلة. يُقدر ان الاستهلاك البشري للماء قد يرتفع، بحلول عام 2025، بنسبة 40 في المئة، منها 17 في المئة ناجمة عن الزيادة في عدد السكان، والبقية لملاقاة التطور في الصناعة والزراعة. والمعلوم ان الزيادة السكانية لعام 2025 تقدر بنحو بليوني نسمة. تعتبر المياه الصالحة للشرب من الموارد الطبيعية النادرة، حيث لا تشكل المياه العذبة سوى 6 في المئة من مياه الكوكب، وثلثا تلك المياه عبارة عن كتل جليدية متجمدة، وخمسها في مناطق نائية لا يستطيع الانسان الوصول اليها. ويقدر ان المياه المتوافرة في شكل مباشر للبشر تمثل نحو 1 في المئة من مجمل المياه العذبة، أي انها لا تمثّل سوى كسر بسيط من مجمل مياه الكوكب الأزرق! تُقدر كمية المياه العذبة التي تجري في مسطحات مائية عالمياً بنحو 41000 كيلو متر مكعب في السنة، يصل 27000 منها إلى البحار، ويتسرب 5000 كيلومتر مكعب منها إلى أماكن قصية في باطن الأرض. ويبقى نحو 9000 كيلومتر من المياه في يد الإنسان. انشأت الأممالمتحدة"نظام الرصد العالمي للبيئة"عام 1977، ويتألف من 344 محطة تتوزع في 59 بلداً، وتراقب 240 نهراً وپ43 بحيرة وپ61 خزاناً جوفياً. تستهلك الزراعة ثلثي المياه عالمياً، ويذهب 30 في المئة إلى المنازل او الصناعة ولتوليد الكهرباء وغيرها. يعتمد 10 في المئة من الانتاج الزراعي للغذاء عالمياً على المياه الجوفية التي تنخفض مستوياتها باضطراد. نوقشت موضوعات المياه في قمة مارديل بلاتا 1977 وقمة الارض في ريو دي جانيرو 1992، كما عُقد المؤتمر الدولي عن المياه في دبلن 1992 الذي انبثقت منه مجموعة من المبادئ حملت اسم ذلك المؤتمر. اطلقت الاممالمتحدة"المنتدى العالمي للماء"عام 1997، فاستضاف المغرب دورته الاولى، ثم عقدت الثانية في هولندا 2000 والثالثة في مدينة كيوتو اليابانية 2003 والرابعة في مكسيكو 2006. كما كرّست الأممالمتحدة الثاني والعشرين من آذار مارس باعتباره"يوم الماء العالمي". يصل عدد السدود عالمياً إلى نحو 45000 سد، ويرتفع عدد السدود الكبيرة بمعدل 300 سد سنوياً. وتستأثر الصين بنصف سدود العالم. ولا تخلو السدود الكبرى من الأثار البيئية الضارة، لكنها تحفظ 3500 كيلومتر مكعب من المياه سنوياً وتضعها في متناول الناس مباشرة. يرتبط نقص المياه في البلدان النامية بانتشار مجموعة من الأمراض الوبائية، التي يُعتقد بأنها تتسبب في وفاة نحو عشرين الف طفل يومياً. تتقاسم 23 دولة ثلثي المياه العذبة في العالم. بالنسبة الى ربع بليون بشري يقطنون في 26 بلداً راهناً، لا يزيد نصيب الفرد من الماء سنوياً على 1000 متر مكعب من الماء، ما يهدد بوقوع أكثر من بليوني نسمة ضمن خط الظمأ بحلول عام 2050.