أقل من ألف يوم تتبقى للرئيس جورج بوش في سدة الحكم، وهي مليئة بالأخطار والتحديات والاستعدادات، لا سيما في ظل المعلومات عن حرب استباقية جديدة ضد ايران، وبعد الحروب التي خاضتها الادارة الحالية في افغانستان والعراق. وهناك مؤشران مهمان يؤكدان حدة التوتر الموجود في العالم، هما الارتفاع الحاد في سعر النفط، وارتفاع سعر أونصة الذهب الى 653 دولارا. فارتفاع سعر النفط قد يؤدي الى تضخم وتهديد للنمو الاقتصادي العالمي، ربما يوصله الى نقطة الانهيار. وهذا التوتر قد يجعل الدول تستخدم الذهب احتياطاً اساسياً بدل الدولار الذي سيضعف أمام الأخطار المقبلة. وقد يؤدي استمرار التوتر في منطقة الخليج، بسبب الملف النووي الايراني، الى ارتفاع سعر النفط الى اكثر من 100 دولار للبرميل.وهذا ستكون له تداعيات سياسية واقتصادية في الولاياتالمتحدة، وأولها قد يكون داخلياً، اذ ستعكس الانتخابات الأميركية المقبلة غضب الشارع الأميركي وطلب تغيير في القيادة الأميركية وفي مجلسي النواب والشيوخ. يستهلك الشعب الأميركي النفط بنسبة عالية الى حد"الادمان"بحسب وصف الرئيس بوش. لذا فان ارتفاع الاسعار مسألة استراتيجية تمس الأمن القومي الأميركي بخاصة ان نحو 60 في المئة من النفط الذي تستهلكه الولاياتالمتحدة يأتي من دول أجنبية غير مستقرة، او ذات سياسات معادية للولايات المتحدة. وأدى ارتفاع سعر النفط الى زيادة العجز في الخزينة الأميركية لعام 2005 بقيمة 70 بليون دولار من أصل العجز العام البالغ 500 بليون. وقد يفوق العجز مئة بليون دولار لعام 2006 اذا استمر الارتفاع في سعر النفط، وقد يؤثر في النمو الاقتصادي ويشكل ضغطا على الدولار في مقابل العملات الأخرى. فاستهلاك الولاياتالمتحدة للنفط بحسب تقرير الكونغرس فاق خمسة بلايين برميل، وهي الكمية المستوردة من مجموع المشتقات النفطية لعام 2005 والتي قدرت ب 243 بليون دولار. وكان هذا الارتفاع بزيادة 39 في المئة عن عام 2004 حين استوردت الولاياتالمتحدة بقيمة 174 بليون دولار، وقد يرتفع استيراد الولاياتالمتحدة ليبلغ 360 بليون دولار عام 2006. هذا الارتفاع في أسعار النفط أضعف الادارة الأميركية، بخاصة في بناء سياستها التي ادعت أنها ادت الى ازدهار اقتصادي، وأعطى الحزب الديموقراطي الفرصة ليصور أن البيت الأبيض وحلفاءه في الكونغرس من الجمهوريين هم أصدقاء للشركات النفطية، خصوصاً ان استطلاعات الرأي أظهرت الشعبية المتدنية للرئيس وحزبه ووضعت الحزب الجمهوري في موقع المدافع، اضافة الى محاولة الجمهوريين المتعثرة لايضاح مواقفهم للرأي العام بأنهم يحاولون ايجاد مخرج لهذه الأزمة عبر ما طرحه بوش من خطوات قد تؤدي الى خفض اسعار النفط، ومنها توقف الحكومة عن شراء النفط المخصص للمخزون الاستراتيجي الاحتياطي، وتخفيف القوانين البيئية المفروضة على تصنيع الوقود لحماية البيئة، والبدء بالتحقيق في عملية الاحتكار وتثبيت الأسعار بخاصة أن من المتوقع أن تفوق ارباح الشركات في الفصل الأول من هذا العام 16 بليون دولار. وكانت شركة النفط"اكسون"الاميركية حققت ارباحا العام الماضي فاقت 36 بليون دولار بمبيعات قدرت ب371 بليوناً. وفاق تعويض نهاية الخدمة لرئيسها ال400 مليون دولار، ما أثار سخط السياسيين والمواطنين الأميركيين ودفع رئيس مجلس النواب الى المقارنة بين وضع الأثرياء وبين العائلات التي يصعب عليها أن تؤمن الطعام وان تملأ السيارات بالوقود. وكانت شركات النفط أعطيت تسهيلات ضرائبية قدرت ببليوني دولار من قبل السياسيين الذين يعتمدون على أموال هذه الشركات لتمويل حملاتهم الانتخابية التي تكلف مئات ملايين الدولارات. ويعتقد أن جزءاً كبيراً من ارتفاع اسعار النفط يعود الى ارتفاع كلفة التكرير التي تضاعفت خلال السنوات الخمس الماضية. وتقدر عمليات التكرير ب16 مليون برميل يوميا، و تستهلك الولاياتالمتحدة 21 مليون برميل يوميا من أصل 81 مليون برميل تستهلك عالميا. وقد انعكس ارتفاع أسعار النفط على أسعار أسهم التكرير التي ارتفعت الى ما بين 200 و300 في المئة. ان ارتفاع أسعار النفط يشكل عبئاً على الاقتصاد الأميركي و العالمي وسلاحاً جديداً في أيدي قوى وانظمة مناهضة للولايات المتحدة، من وفنزويلا الى روسياوايران. والحرب الاستباقية التي شنها بوش على العالم أصبح ضحيتها، وقد تؤدي الى سقوط الامبراطورية الأميركية، وايجاد محاور جديدة للتحالفات الاستراتيجية قد تعيد الحرارة الى الحرب الباردة وسلاحها الأقوى: النفط ومشتقاته. * كاتب لبناني