تواجه القوات الأميركية المتورطة في حرب لا يمكن كسبها بالقوة العسكرية وحدها في العراق سلاحاً يبدو أنه يرجح كفة المقاتلين، انه الوقت. دخلت الحرب عامها الرابع والتأييد الشعبي لها يضعف، إذ تشير استطلاعات رأي أجريت في أيار مايو الى ان غالبية الأميركيين يعتقدون بأن غزو العراق كان خطأ، وان الأمور تسير بشكل سيئ. ولا يبشر استياء الرأي العام باحتمالات التغلب في قتال قال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إنه قد يمتد لعقد آخر. ويقول ضباط في الجيش وخبراء يعكفون على وضع مسودة دليل ارشادي جديد لمقاومة المقاتلين للقوات البرية الأميركية وقوات مشاة البحرية، ان الصبر عنصر مهم لكسب الحرب على عدو من النوع الذي تواجهه الولاياتالمتحدة في العراق. وتقول المسودة التي دخلت الآن مرحلة المراجعة ويتوقع أن تصدر في الصيف"ان جهود التصدي للتمرد تتطلب إرادة سياسية ثابتة والكثير من الصبر. المقاتل يكون هو المنتصر إذا لم يهزم، في حين ان المتصدي له يكون الخاسر اذا لم ينتصر. المقاتلون يقويهم الاعتقاد السائد بأن خسائر قليلة في الأرواح بين صفوف الأميركيين أو سنوات قليلة من القتال ستجعلهم يتخلون عن مهمتهم". والتاريخ العسكري يظهر ان حملات المقاتلين السابقة في اجزاء اخرى من العالم استغرقت ما بين خمسة و15 عاماً. و"الدليل"هو أول اصدار جديد للقوات البرية منذ 20 عاماً ولمشاة البحرية منذ 25 عاماً، تجري صياغته على خلفية ما يصفه الجيش بأنه أعمق تحول منذ نصف قرن. وهو برنامج مكثف لتغيير ما رسخ في الاذهان، بعيداً عن أسلوب الحرب بين جيش وجيش، الى نوع الصراع غير النظامي الذي تواجهه الولاياتالمتحدة في العراقوافغانستان. وأعلنت وزارة الدفاع البنتاغون في تغير أساسي لسياستها ان إقرار النظام والامن واستئناف الخدمات الضرورية والوفاء بالحاجات الإنسانية للشعب في بلد مقهور"هو جوهر مهمة الجيش". وبكلمات أخرى، فإن الجنود الأميركيين يجب ان يكونوا مستعدين للقتال بقدر استعدادهم لصنع السلام. وقال ضابط من القوات الخاصة، عاد لتوه من العراق وطلب عدم نشر اسمه:"لا يمكن القيام بأي شيء بسرعة... لا يسعنا سوى أن نأمل بأن يكون لدينا ما يكفي من الوقت. ما يحدث في العراق الآن معقد الى درجة رهيبة... عناصر دولة مهزومة ومقاومة وإرهاب". وفي صراعات سابقة كانت الولاياتالمتحدة تفتقر الى"الصبر"الموصوف في الدليل الجديد، فيما يرجع أساساً الى ضغوط الرأي العام المطالب بانتصارات حاسمة وسريعة. ففي فيتنام وكوريا كان التأييد الشعبي كبيراً في أول عامين ثم تراجع باطراد مع ادراك عدم احراز تقدم سريع. وفي دراسة حديثة نشرها معهد الدراسات الاستراتيجية في الكلية العسكرية، أشار الباحث كولن غراي الى أن"الزمن سلاح والتركيبة الذهنية المطلوبة لقتال عدو يعتمد على سياسة النفس الطويل ليست هي التركيبة الذهنية للجنود الأميركيين أو الرأي العام الأميركي". وأضاف أن"شن حرب طويلة ليس من خيارات جيشنا أو تركيبنا الثقافي"، ويصعب تفسيره او الدفاع عنه أمام رأي عام يفتقر للصبر. والشكوك ونفاد الصبر اللذان تظهرهما استطلاعات الرأي يرجعان الى الزيادة المطردة في الخسائر في الأرواح التي بلغت نحو 2500 قتيل، والاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة تورطت في مستنقع العراق واستدرجت الى دوامة عنف طائفي بين الفصائل التي لم تتمكن من تشكيل حكومة فعالة. وأحجمت الحكومة الأميركية عن وضع تقديرات للوقت الذي سيستغرقه القتال في العراق منذ ان قال رامسفيلد في حزيران يونيو الماضي"انه قد يستمر لأي عدد من السنوات. المقاتلون يمكنهم الاستمرار خمس أو ست أو عشر سنوات أو 12 سنة". ويقدر اندرو كريبينيفيتش، الضابط المتقاعد والاستاذ في جامعة جورج ميسون، ان هزيمة المقاتلين في العراق قد تستغرق عشر سنوات على الأقل وتكلف مئات البلايين من الدولارات وأعداداً أكبر من القتلى. وتساءل في مقال في مجلة"فورين افيرز":"هل الشعب الأميركي والجيش مستعدان لدفع هذا الثمن". وجرت مناقشة عنصر الوقت الحاسم في ندوة في الفترة الأخيرة في واشنطن ضمت ضباطاً وأكاديميين بحثوا الحاجة الى الصبر والتجاذب بين الرغبة التقليدية لدى الجيش في تحقيق نتائج سريعة وضرورة الفهم الكامل للبيئة قبل العمل. ولإلقاء الضوء على المفهوم المختلف لعنصر الزمن في الثقافات المختلفة، اشار أحد المشاركين الى قول مأثور نسبه الى حركة"طالبان"في افغانستان، حيث تقاتل الولاياتالمتحدة منذ خمس سنوات في حين يزداد المقاتلون قوة يفيد"الأميركيون لديهم ساعات اليد لكن نحن لدينا الوقت".