لماذا أبدت مراكز الدراسات الاستراتيجية اهتماماً بما كتبه سيمور هيرش في مجلة"ذي نيويوركر"الأميركية حول الهجوم على إيران وامكان قصفها بالأسلحة الذرية؟ السبب أن هيرش من البارزين بين الصحافيين الأميركيين، كما أنه يعتبر من أهم عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، كما وصفه رالف شوينمان قائلاً:"إنه اعتاد إفشاء الأسرار المتعلقة بخطط المحافظين الجدد". ويعتبر سيمور هيرش من معارضي خطط المحافظين الجدد، خصوصاً في ما يتعلق بتوجهات إسرائيل الهادفة الى تفكيك دول الشرق الأوسط. وكشف رالف شوينمان عن هذه التوجهات وعن كيفية استخدام وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي اي للصحافي هيرش الذي أكد أن إدارة الرئيس الأميركي بوش ضاعفت من نشاطاتها السرية داخل إيران لمنعها من السعي للحصول على السلاح الذري، بينما تدعو في العلن إلى الحلول السلمية بالطرق الديبلوماسية. هل تعتبر"المعلومات"التي ذكرها هيرش بالونات اختبار أم مفرقعات إثارة لدفع إيران الى مزيد من التهديد حتى تستكمل صورة التحدي مما يعطي الولاياتالمتحدة المبرر الكافي أمام شعبها والعالم لضرب إيران وإظهارها كمصدر تهديد عالمي، فيأتي الأميركي على فرسه ويستخدم مسدسه"لإنقاذ البشرية"؟ لقد أكد بعض المسؤولين العسكريين السابقين والحاليين في الجيش الأميركي، إضافة إلى مجموعة من رجال الاستخبارات، ما ذكره هيرش عن الخطط الاميركية. وتتفق وكالة الاستخبارات الأميركية مع الاستخبارات الأوروبية ووكالة الطاقة الذرية الدولية على أن إيران مصممة على تطوير القدرة على إنتاج أسلحة نووية، لكن الاختلاف هو حول المدة التي سيستغرقها هذا الإنتاج. ومع هذا فإن التساؤل لا يزال مطروحاً لدى صناع القرار حول ما إذا كانت الديبلوماسية أم العقوبات أم العمل العسكري هي الطريق الأمثل لمنع إيران من ذلك، مع ان إيران تصر أن أبحاثها لا ترمي إلا إلى الاستخدام السلمي للطاقة النووية. ولدى المجتمع الدولي قناعة اكيدة أن الرئيس بوش يهدف من وراء المواجهة مع إيران الى تغيير النظام أو اسقاطه، وزادت من إصراره تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ضد إسرائيل، وتشكيكه في صحة المحرقة اليهودية. كما أن بوش على يقين أن إيران ستحصل على السلاح الذري إن لم يتم وقفها بالقوة. يقول أحد المحللين العسكريين في الولاياتالمتحدة إن غارة جوية على إيران ستصيب قيادتها بالإهانة، فتدفع بالايرانيين إلى الثورة واسقاط الحكومة، وهذا يؤكد أن بعض المحللين الأميركيين يخطئون في تقديراتهم للنتائج تماماً كما حدث معهم في العراق، لأن التهديد الأميركي لإيران من دون تفريق بين الحكومة والشعب سيعزز من تأييد النظام. أما فكرة تغيير النظام الإيراني فقد طرحها الخبير في الشؤون الإيرانية باتريك كلوسون، الذي يعمل نائباً لمدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وهو من مؤيدي سياسة الرئيس بوش. فقد عرض فكرته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، في 2 آذار مارس الماضي وتساءل: إلى متى سيبقى النظام الايراني الحالي؟ وحينما سأله رالف شوينمان عن قصده من السؤال اجاب:"إن هذه الإدارة توجه كثيراً من الجهود نحو الحل الديبلوماسي، ولكن إيران لا خيار لها سوى الاستجابة لطلب أميركا وإلا فإن عليها مواجهة هجوم عسكري". وعقب كلوسون قائلاً:"أخشى أن يعتقد أحمدي نجاد أن الغرب في طريقه إلى الانهيار، فيتعامل من هذا المنطق، وعلينا أن نكون مستعدين للتعامل مع إيران إذا تفاقمت الأزمة، لكنني أفضل الاعتماد على التخريب والنشاط السري، ومن الحكمة الإعداد لحرب أكبر ما دام الإيرانيون يتصرفون على هذا النحو". ويرى البيت الأبيض أن ايران هي منافسه الوحيد في السيطرة على الشرق الأوسط والنفط خلال السنوات العشر المقبلة، لهذا جعل الغرض من هذه الازمة هو تغيير هيكل الحكم، كما يعتقد البيت الأبيض أن الهدف الأمثل الذي تسعى اليه إيران من هذا التنافس هو امتلاك القوة النووية. من هنا جاء الابتهاج في إيران بإعلان الرئيس أحمدي نجاد امتلاك ايران القدرة على التخصيب النووي، وبذلك أصبحت الدولة الثامنة في النادي الذري. أما خبراء مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض فيرون أن الحل العسكري سيزيد من خطورة الإرهاب، وسيُدخل في اللعبة كلا من"حزب الله"و"القاعدة"، لكنهم لا يرون في ذلك بأساً، طالما أن الإرهاب سيأكل أبناءه، إذ أن الأعمال الإرهابية ستكون داخل الدول العربية والإسلامية كما يحصل في العراق وأفغانستان وغيرهما. ويقول سيمور هيرش إن هناك عمليات جرت في الاجواء الايرانية وعرفت باسم"من فوق الكتف"، اذ قامت طائرات اميركية ب"القاء قذائف"ونفذت طائرات أميركية مناورات وهمية طوال الصيف الماضي، واستخدمت أسلحة ذرية وقامت بمهمات نقل سريع بحيث لا تصل إليها الرادارات الإيرانية. أما المحلل في كلية الحرب القومية العقيد سام غاردنر فقد قدم تصوراً للأهداف النووية في إيران، وقال ان عدد الاهداف المستهدفة يصل الى 400 هدف، وأضاف أن لدى إيران مصنعين لإنتاج المواد الكيماوية، ولا بد من ضربهما أيضاً، اضافة الى ضرب الصواريخ العابرة للقارات المتوسطة المدى التي نقلتها إيران أخيراً الى مواقع قريبة من العراق، كما يوجد في إيران 14 مطاراً تكمن الطائرات فيها في مخابئ تحت الأرض ولا بد من التخلص منها، كما يجب ضرب المنشآت التي يمكن أن تستخدم لتهديد الملاحة في الخليج، مما يعني استهداف صواريخ"كروز"للغواصات الإيرانية. أما بالنسبة الى بعض المرافق التي يصعب الوصول إليها بأسلحة الاختراق، فلا بد أن تتولاها قوات العمليات الخاصة. أما القنابل الذرية التكتيكية فستتولى قصف المواقع النووية تحت الأرض، ومن أهم هذه الأهداف المصنع الرئيسي لأجهزة الطرد المركزي الذي يقع قريباً من"ناطنز"على مسافة 350 كلم جنوبطهران، ومساحته تحت الأرض تتسع ل50 ألف جهاز طرد، هذا إلى جانب معامل ومواطن تشغيل مغمورة تحت سطح الأرض على عمق 75 قدماً. إن تدمير مفاعل ناطنز يعتبر نكسبة كبيرة بالنسبة الى طموحات إيران النووية، وقد روعيت في إنشائه ترسانة الأسلحة التقليدية الأميركية، التي لا تستطيع تدمير المنشآت بعمق 75 قدم تحت الأرض خصوصاً إذا كانت معززة بالأسمنت المسلح. لقد استعان الإيرانيون بالروس في تصميم هذا المرفق، وصمم الروس مرفقاً مماثلا من أجل لجوء اعضاء الحكومة إليه، وإتاحة الفرصة للقيادة البقاء فيه ونجاتها من حرب ذرية، كما توجد مخابئ مماثلة في ولايتي فرجينيا وبنسلفانيا لحماية الزعماء الأميركيين. إن الولاياتالمتحدة الأميركية تعيش ثقافة الكاوبوي فهي لا تقبل التحدي، وإذا وجدت نفسها في هذا الوضع فإنها ستدخل الميدان حتى لو كانت النتيجة الانتحار، وهذا ما أدركه الرئيس السوفياتي السابق خروتشوف في أزمة كوبا مع مطلع الستينات من القرن الماضي عندما دخل في تحد مع الرئيس جون كينيدي حول الصواريخ الكوبية، وهذا ما جعل خروتشوف يتراجع، لأن الثقافة الروسية تعتمد على استراتيجية الوسادة الناعمة. إن الولاياتالمتحدة هي التي دفعت إيران الى هذه التحديات، حتى تنال التأييد من شعبها لقبول الحرب. لهذا يخشى أن تكون واشنطن قد وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولم تعد تستطيع أن تتراجع، لأن التراجع عند التحدي يصبح بمثابة قتل الذات. لقد بدأت رياح الحرب تهب على إيران، والكارثة ستحدث، لكن أميركا لن تحترق منها إلا أطراف الأصابع، فهل يتساوى حرق أطراف الأصابع مع تدمير كيان بالكامل؟ هذا ما يجب أن نعرضه على ميزان العقل. * باحث وكاتب سعودي.