تواجه حكومة حماس الإدارة الأميركية في لعبة"عض اصابع"يفترض ان يكسبها الطرف الأقوى، إلا ان هزيمة الطرف الأضعف غير مؤكدة هذه المرة، لأن حماس لن تعترف بإسرائيل، والاعتراف هو مطلب اميركا وإسرائيل وما تجويع الفلسطينيين الآن سوى وسيلة الى هدف. ثمة مخرج، أو مخارج، اذا كانت الإدارة الأميركية تريد فعلاً ان تجد مخرجاً، وهي واضحة منذ فوز حماس المفاجئ بغالبيته البرلمانية الكبيرة، فقد سمعت من قادة فتح، بمن فيهم محمد دحلان وجبريل رجوب، ان على حماس ان تفهم استحقاقات الحكم، وبما ان قادة فتح يعرفون مثلي ان حماس لن تعترف بإسرائيل، فقد اقترحوا ان تنضم حماس الى منظمة التحرير التي فاوضت اسرائيل واتفقت معها على اعتراف متبادل، وعقدت اتفاقات وصلت حماس على اساسها الى الحكم. كنت في باريس والرئيس محمود عباس يزورها، ورأيته بعد ان قابل الرئيس جاك شيراك، لأسمع رأيه في كيفية الخروج من المأزق الحالي. هو قال ان الفلسطينيين كلهم اتفقوا في القاهرة السنة الماضية على تفعيل منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين. وحماس كانت ممثلة في ذلك الاجتماع، وأبو مازن يرى ان مسؤوليتها اصبحت مضاعفة مع وجودها في السلطة لأن عليها ان تتواءم مع الشرعية الدولية التي التزم بها الفلسطينيون. طبعاً حماس تستطيع ان تعلن رسمياً قبول مبادرة السلام العربية لسنة 2002، وقد سمعنا حديثاً كثيراً عن هذا التوجه في الأيام الأخيرة، فالمبادرة التي أطلقها الملك عبدالله، ولي العهد السعودي في حينه، نصت على قبول اسرائيل بها على اساس اعتراف متبادل وانسحاب اسرائيلي كامل الى حدود 4/6/1967، وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس. حماس لمّحت الى انها تقبل المبادرة العربية، مع الاحتفاظ بحقها في المقاومة، ولا أرى حاجة الى الإصرار على حق المقاومة الآن، فالحركة تستطيع العودة إليه ساعة تشاء، ورئيس الوزراء اسماعيل هنية طلب وقف إطلاق صواريخ القسّام. أبو مازن يقول ان الوضع الحالي لا يمكن ان يستمر، فهناك عشرة وزراء لحماس في غزة و14 وزيراً في الضفة، وهم لا يستطيعون الحركة، وإنما يتحدثون عبر اجتماعات متلفزة. ووزراء حماس بحاجة الى التعامل مع الوزراء الإسرائيليين في مقابلهم، فالموظفون الفلسطينيون لم يتلقوا رواتبهم منذ شباط فبراير الماضي وهناك خطر مجاعة حقيقية تزيد من عدم الاستقرار. الرئيس الفلسطيني قال ان الحكومة الفلسطينية يجب ان تعمل بعيداً من السياسة، فالمفاوضات بيد منظمة التحرير، اما الحكومة فعليها توفير الخدمات للمواطنين. كنت رأيت الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى في باريس، وهو ايضاً قابل الرئيس شيراك واجتمع مع الرئيس عباس. وعندما سألته عن إيصال التبرعات العربية الى حكومة حماس قال ان لدى الجامعة 70 مليون دولار تريد تحويلها الى الفلسطينيين بسرعة. غير ان المصارف المحلية والعالمية ترفض التعامل مع حكومة حماس، بل مع السلطة الوطنية نفسها، خوفاً من التهديدات الأميركية. وعندما اتصلت بالأخ عمرو موسى ثانية وجدته في عمان، وهو قال ان الجامعة العربية لا تزال تبحث عن طريقة لتسليم السلطة الوطنية المال المودع عندها إما عن طريق مصر أو الأردن. وأضاف"في النهاية لن يبقى أمامنا إلا ان نضع الأموال في زكائب ونسلمها لهم". الجامعة العربية نجحت على الأقل في ايصال مساعدات عينية من الأدوية والأغذية الى الفلسطينيين، إلا ان هذه تمثل تبرعات فردية، في حين ان مساعدات الدول العربية مجمدة في وجه الضغط الأميركي وقد سمعت من مسؤولين فلسطينيين ان زعماء اوروبيين قالوا لهم انهم يريدون المساعدة إلا ان الإدارة الأميركية تضغط على الجميع، حتى ان جيمس وولفنسون ممثل المجموعة الرباعية في الأراضي الفلسطينية ترك عمله مدركاً عبث المحاولة مع اصرار ادارة بوش على تجويع الفلسطينيين. إدارة جورج بوش التي هزمت الإرهاب حول العالم وأقامت ديموقراطية في العراق هي مثال لنا جميعاً، تتهم حماس بالإرهاب. غير انني اتهم الإدارة بدوري، فهي تؤيد الإرهاب الإسرائيلي الى درجة ان تكون شريكة فيه، وقد قتل الجيش الإسرائيلي من المدنيين الفلسطينيين خمسة أضعاف ما قتلت جميع الفصائل الفلسطينية مجتمعة من المدنيين الإسرائيليين، ولا أزال أنتظر أن أسمع تفسيراً من وزارة الخارجية الأميركية كيف ان قتل طفلة فلسطينية تحت الاحتلال مبرر، ولا يمنع الولاياتالمتحدة من تقديم ثلاثة بلايين دولار الى مجرمي حرب يقتلون الأطفال، ثم حمايتهم بالفيتو في مجلس الأمن. كانوا يقولون ان المشكلة هي أبو عمار، وقد رحل الرجل وجاء ابو مازن الذي يقول الجميع انه رجل سلام، ومع ذلك ففرص السلام تراجعت كثيراً وأبو مازن رئيساً، لأن المشكلة ليست في رجل او اثنين، وإنما في السياسة الأميركية - المرتهنة لإسرائيل، مع ضعف عربي وعجز وتقصير، ما يعني ان الوضع سيسوء اكثر، وفي كل بلد عربي. جهاد الخازن