بينما كانت كل فضائيات العالم مشغولة بإعداد التقارير حول الانتخابات الفلسطينية، انشغلت الفضائية الفلسطينية بعرض أفلام الرسوم المتحركة، وأفلام عربية سبق عرضها عشرات المرات عبر الفضائيات... وفي الوقت الذي قطعت فيه معظم فضائيات العالم، بما فيها التابعة لدول"فقيرة إعلامياً ومادياً"، برامجها للحديث عن سقوط بغداد، كانت الفضائية الفلسطينية تبث لقاء مع شيخ يتحدث عن الأحكام الشرعية للمرأة الحائض... وبينما تلهث الفضائيات العربية والعالمية وراء الحدث الساخن، وتوفر لمشاهديها تغطية مباشرة ومطولة، تكتفي الفضائية الفلسطينية بخبر قصير حول تلك الأحداث، غالباً ما يأتي متأخراً، ما دفع بعض الإعلاميين بوصف أدائها بپ"المتدهور"، وپ"غير المسؤول"، وبأنه"أقل بكثير من مستوى الحدث الساخن في الأراضي الفلسطينية". ويقول وليد العمري مدير مكتب فضائية"الجزيرة"في الأراضي الفلسطينية والتي تحقق أعلى نسبة مشاهدة بين القنوات الإخبارية لدى الفلسطينيين:"المشكلة الأساسية التي تعاني منها الفضائية الفلسطينية إدارية بحتة، على رغم وجود الكثير من الكفاءات العالية لديها، حيث قامت"الجزيرة"بتوظيف كثر منهم، بعد أن لمست المستوى الرفيع من الاحتراف والإبداع في أدائهم". ويضيف العمري:"الصدقية والسرعة في تغطية الحدث هما السبب المباشر الذي يقف خلف التميز والنجاح في استقطاب المشاهدين والمتابعين، زد على ذلك أن هامش الحرية المتاح لنا في"الجزيرة"، وغيرها من الفضائيات العربية، شجع المتلقي على المتابعة، وأضفى حالة من الشفافية في الأداء، مع الأخذ في الاعتبار أن المتلقي يحترم وسيلة الإعلام التي تحترم ذكاءه، وهو ما لا يتوافر في ما تقدمه الفضائية الفلسطينية". ولامس مراسلو الفضائيات الذين سبق أن عملوا في الفضائية الفلسطينية لأسابيع أو شهور مشاكلها عن قرب، ومنهم فاتن علوان مراسلة فضائية"الحرة"، وتقول:"المشكلة أن إدارة الفضائية، وهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية غير مؤهلة لتقديم برامج وتقارير منافسة... هناك من يحارب التطور، والأفكار الخلاقة داخل الفضائية الفلسطينية، ويضع العراقيل أمام إبداع الكفاءات". ويرى الإعلامي عارف حجاوي، أن الإعلام الرسمي بما فيه الفضائية الفلسطينية، لم يتلمس متطلبات واحتياجات المتلقي الذي أصبح في خضم الثورة التكنولوجية الهائلة، متحرراً من أي قيود قد تحاول بعض الجهات فرضها عليه، مشيراً إلى أن الفضائية"حاولت فرض رسالتها على المتلقي في سبيل إثبات فلسطينية هذا الجزء من الوطن، على رغم ان في الإمكان تحقيق هذه الغاية، عبر استغلال كل البرامج، وليس فقط من خلال نشره الأخبار". ويحذر حجاوي قائلاً:"يأتي هذا الخلل في وقت تتسابق وسائل الإعلام المختلفة، وفي مقدمتها الإسرائيلية، وتلك المساندة لإسرائيل على تقديم الرواية المضللة للرأي العام العالمي الذي هو في الأساس منحاز لإسرائيل أيديولوجياً وحضارياً، فالغرب، في رأيه،"ينظر إلى إسرائيل على أنها اقرب إليه حضارياً وأهم بالنسبة إليه اقتصادياً، ما يسهل تقبل الرواية التي تقدمها إسرائيل، والتي تصور فيها الضحية جلاداً والجلاد ضحية". ويشير الإعلامي مؤمن بسيسو إلى أن من المفترض"أن تشكل الفضائية الفلسطينية رأس الحربة في المعركة الإعلامية الدائرة حاليا مع الاحتلال الإسرائيلي، والتعبير عن أشكال الهموم والمعاناة الفلسطينية، والقاعدة المعلوماتية والمرجع الإعلامي لمختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، بيد أن واقع الحال لا يحمل كثيراً من التفاؤل، فالفضائية الفلسطينية التي حاولت أخيراً تطوير ذاتها، شكلاً ومضموناً، ما زالت تعج بالكثير من النواقص والسلبيات التي تشوه الأداء والممارسة، وتجعل منها رقماً مهملاً في سباق التطور والتنافس الإعلامي، وأداة ضعيفة في مواكبة المستجدات المتلاحقة، ومواجهة التحديات الإعلامية الكبرى التي تتربص بشعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية". ويضيف بسيسو:"لا يزال الخطاب الإعلامي للفضائية الفلسطينية خطاباً تقليدياً، بلا ناظم يحدد طبيعته ومضامينه واتجاهاته، ويعتمد على قدر كبير من الجهود الفردية والاجتهادات الشخصية، بعيداً من أساليب التجدد والإبداع والعمل المؤسسي السليم، ليصل الأمر حدّ عدم القدرة على إنتاج نشرة أخبار مهنية رصينة تستقطب اهتمام وعناية المشاهدين". في الإطار ذاته يقول الكاتب سري سمور:"كثر من الفلسطينيين لا يتابعون الفضائية الفلسطينية وبرامجها ولا يدرجونها ضمن قائمة القنوات المفضلة على أجهزة"الرسيفر"خاصتهم، والسبب، بحسب ما يرون، اهمالها للكثير من القضايا الحساسة". ويضيف حسن أبو حشيش أستاذ الإعلام في الجامعة الإسلامية في غزة:"تتسم الفضائية الفلسطينية بأمرين: الأول هو عدم حيادية بعضها ومساهمتها في نقل الرواية غير الواقعية، والثاني هو سلبية بعضها الآخر، وكأن الأمر لا يحدث في فلسطين. فبينما كانت وسائل الإعلام العالمية والإذاعات المحلية منهمكة في تغطية الانتخابات كانت الفضائية الفلسطينية تبث أفلاماً عربية وأفلاماً كرتونية... وكم كنا نأمل بأن تكون الفضائية الرسمية إيجابية في التعاطي مع الأحداث، وتكون مصدر المعلومة الحقيقية". وترصد المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار والديموقراطية مفتاح بين وقت وآخر أداء الفضائية الفلسطينية في التعاطي مع جملة القضايا التي تعصف بالشارع الفلسطيني، وأشار تقرير صدر عن"مفتاح"أن تناول قضية القدس في البرامج التي تبثها الفضائية"يفقدها الكثير من قيمتها الفنية، عبر تكرار عرضها بصورة مبالغ فيها"، وتقديم برامج أخرى"متدنية المستوى، ولا تخرج عن دائرة التلقين والتعليم، ما يمكن معه الحديث عن غياب واضح للمعاناة الحقيقية للمقدسيين". ويشير التقرير إلى أن تناول قضية جدار الفصل العنصري، عبر الفضائية الفلسطينية،"بقي موسمياً، ما يعطي انطباعاً بأن الفضائية تقلل من أهمية معاناة الفلسطينيين جراء الجدار، وما يلحقه من تدمير ممنهج للمشروع الوطني برمته. وأكد التقرير على أن"الخلل الأكبر لدى الفضائية الفلسطينية يكمن في نشرات الأخبار، التي راوحت مكانها من دون تطوير أو تغيير إيجابي، فطريقة عرض الأحداث تحمل المادة التي تقدمها إلى مادة غير ذات قيمة فعلية، وتتضمن استخفافاً كبيراً بعقول المشاهدين، وعدم اكتراث بالمنافسة التي يحدثها وجود الفضائيات العربية والأجنبية، التي تقدم المعلومات للمشاهد، بشكل سريع، وبتفاصيل أكثر"، فترتيب الأخبار المحلية"عشوائي، ويركز على المسؤولين لا المواطنين ومعاناتهم"، وتغطية الانتهاكات الإسرائيلية تتم"بطريقة غير مهنية تخلو من التقارير، ولا صور فيها لأماكن الأحداث، ولا يجري أي عرض لظروف الاعتداءات وملابساتها". وخرج التقرير الذي أعده أكاديميون وإعلاميون بجملة من التوصيات، منها: إعادة النظر في طريقة التعاطي مع قضايا وطنية مركزية كالقدس والجدار، وضرورة أنسنة الأخبار المحلية، وتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية بالصوت والصورة بدل التعاطي معها كحدث يومي عادي، ومعالجة الأخطاء الفنية المتكررة، خصوصاً في الصوت والصورة، وإعادة النظر في مقدمي البرامج والنشرات، والعمل على ضخ دماء جديدة وشابة في كوادر الفضائية، لا سيما في الإدارة.