يشعر المشاهد أن همة الإعلام العربي وفضائياته خفّت كثيراً عما كانت عليه قبل أسبوع حين كانت منهمكة بتغطية الأحداث في مصر. فالمشاهد الذي أعطته تلك المحطات منذ اندلاع «ثورة الياسمين» في تونس، وتلتها ثورة ال«فايسبوك» في مصر، ساعات بث لا تنتهي، لاحظ الفارق في طريقة التعاطي بين حدث وحدث. فهو كان بفضل تلك الشاشات والفضائيات، متابعاً دقيقاً لكل ما جرى في تونس وكذلك في مصر حين كان البث مباشراً على مدار الساعة إلى أن تمكن شعبا البلدين من تحقيق هدفيهما بإسقاط الرئيس. لكن بعد حصول الحدثين واتمامهما، لم تنسحب تلك التغطية الإعلامية الواسعة على بلدان أخرى انتقلت إليها عدوى الاحتجاج السلمي لتغيير الواقع، فلا الفضائيات نقلت فرق عملها وسيارات بثها المباشر إلى تلك المدن، ولا فتحت هواءها أمام طرفي الصراع، معتصمين وحكاماً، لتقدم كما فعلت في التجربتين السابقتين إلى المشاهد العربي صورة واضحة ومتوازنة عما يحصل في تلك الدول. أمام هذا يجد المشاهد نفسه متسائلاً عن الأسباب التي تكمن وراء هذا الأداء، ولماذا يلجأ الإعلام العربي الى التمييز في تغطيته بين بلد وآخر، علماً أن البلدان كلها عربية وأن الشعوب المحتجة عربية أيضاً لا تريد أن تخرج من هويتها او تخرب بلدها إنما تقول إنها تسعى إلى تحسين أوضاعها المعيشية وتريد أن تنعم بالحرية. ولكن يبدو أن هذا الأداء الذي يكاد يكون مأخذاً على الاعلام العربي، يثبت أن هذا الإعلام ليس صانعاً للأحداث انما ناقل لها، وهذا عمله وهدفه أصلاً. لكنه يثبت أيضاً أنه، يستنسب الأحداث التي ينقلها وهذا مأخذ عليه. ويبدو أن الجمهور، سبق الجميع مسؤولين ومؤسسات، بنقله الحدث ومشاهدته. فهذا الجمهور أصبح كل فرد فيه صانع أفلام ومراسلاً وناشراً أيضاً، ورسائله المصورة غدت تنتشر كالنار في الهشيم، خصوصاً أن الهواتف الحديثة بصفتها أداة صنع الفيلم وبثه موجودة في كل الأيدي، وكذلك بوصفها اداة تلقي الفيلم ومشاهدته. والأكيد أن مؤسسات تلفزيونية كثيرة تصلها تلك الأفلام والرسائل من كل البلدان لكنها تحجم عن بثها لأسباب لا يعرفها المشاهد، ولكن يخشى أن تأتي لحظة لا تعود فيها تعنيه معرفتها ما دام ينفذ احتجاجه ويصنع أفلامه ويبثها كيفما كان وحيثما يشاء.