يجمع خبراء الاستراتيجية على أن النمو الصيني الخاطف يتهدد هيمنة الولاياتالمتحدة العالمية. وبين الوقت والآخر، يلمح في سياق تناول حسنات وسيئات ظهور"امبراطورية الوسط"، الى ثقل الهند، سياسياً واقتصادياً، ودورها ولا شك في أن اشتعال حرب باردة ثانية، مصدرها المنافسة الاستراتيجية بين بكين وواشنطن، تترتب عليه أضرار كثيرة تصيب آسيا والعالم كله. ولكن الأغلب على الظن هو أن تتعهد الصين مصالحها في المنطقة سلمياً. فتأزم العلاقات الهندية ? الصينية يرتب ثمناً باهظاً على أمن آسيا ونموها. ولمصير العلاقة بين البلدين العظيمين الأثر الأكبر في استقرار بلدان جنوب شرقي آسيا وازدهارها، بعد أن تصدرها نفوذ الولاياتالمتحدة، على الصعيدين السياسي والاقتصادي. والحق ان الهندوالصين أثرتا الأثر الأعمق في نمو المنطقة السياسي والثقافي والاقتصادي. فولدت الهند من الديانتين الهندوسية والبوذية، وهما انبثقتا منها. واضطلع تدفق البضائع والمسافرين، الآتين من الصين، بدور راجح في نسج شبكة تجارية ديناميكية. ولطالما كان موقع جنوب شرقي آسيا، بين الهندوالصين، ميزة المنطقة الأولى في الميزان الجيوستراتيجي. وتوصف بكينونيودلهي، غالباً، بالخصمين، جراء الحرب الوجيزة التي اقتتلتا فيها، في 1962، وتنازعتا منطقة لاداك. ولكن البلدين تقاربا، أخيراً. وزار رئيس الوزراء الصيني، وين جياباو، الهند في نيسان ابريل 2005، ويحتمل أن يبادله رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، الزيارة هذا العام. وذهب الرئيس الهندي، عبد الكلام، بسنغافورة، في شباط فبراير الماضي الى أن جراح 1962 التأمت، وأعلن البلدان عام 2006، رسمياً،"عام الصداقة الصينية ? الهندية". ويتوقع أن تدور رحى المنافسة بين الهندوالصينبجنوب شرقي آسيا. وتتعاظم المبادلات والاستثمارات بسرعة البرق. ففي 2005، تبادل البلدان ما قيمته 18.7 بليون دولار، وبلغت نسبة الزيادة قياساً على 2004، 40 في المئة. ويرجح أن تحل الصين محل الولاياتالمتحدة شريكاً تجارياً أول للهند. وتتهافت الشركات الهندية، المتطورة، على السوق الصينية. وهو يوفر لها سبل التطور، وتنفيذ ابتكاراتها واختبارها بكلفة زهيدة. وتتكشف الهند، أكثر فأكثر، للمصنعين الصينيين عن سوق واسعة لبضائعها ولا سيما الآلات الكهربائية المنزلية والسيارات والصلب. وينبغي الإقرار، بعد وضع الكياسات الديبلوماسية جانباً، أن أكثر بلدين سكاناً في العالم، تركا وراء ظهريهما ماضيهما الأليم. ولكن لا ريب في أن كليهما ماضٍ على اعتبار الآخر منافسه على السلطة والنفوذ. وأولت بكين، تقليدياً، أهمية استراتيجية لجنوب شرقي آسيا. فساندت حركات التمرد والحكومات الشيوعية فيه، في أثناء الحرب الباردة. وعلى رغم انتهاج الصين سياسة أقرب الى الديبلوماسية في سبيل بلوغ مآربها، إلا أنها لا تزال موضع اللوم على دعمها الحكم الديكتاتوري في ميانمار، حيث ركبت أجهزة تنصت وتجسس على الهند. وبدأت سياسة الهند المعروفة بپ"النظرة الى الشرق"التي انتهجتها في التسعينات، تؤتي ثمارها، بينما يظهر تأثيرها، أكثر فأكثر، في المنطقة. وتذهب الهندوالصين الى أنهما تسعيان الى زيادة ثقلهما، السياسي والاقتصادي، من طريق الشراكات الإقليمية، وليس بواسطة إنشاء مناطق نفوذ متنافسة. وانخرطت بكين، في السنوات الأخيرة، في شراكات مع الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرقي آسيا آسيان، ضمنتها بنوداً تتناول التعاون في حقل الأمن، واتفاقات متفرقة تتعهد بموجبها هذه الدول للصين الامتناع عن المشاركة في منازعات تشملها. ومن جهتها، سلطت الهند الضوء على قدراتها العسكرية. فاقترحت المساعدة في دوريات حراسة على مضيق ملقة، وحماية المضيق من هجمات القراصنة والإرهابيين. وفي المقابل، تسللت الصين الى مسرح جنوب شرقي آسيا بمهارة وخفة. فناشدت نيبال وبنغلادش وباكستان، في قمة رابطة جنوب شرقي آسيا للتعاون الإقليمي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 دعوة الهند الى المشاركة في الرابطة بصفة مراقب. وللتموين بالنفط أهمية استراتيجية للبلدين على حد سواء. فهما يستوردان الطاقة لسد 70 في المئة الهند و40 في المئة الصين من حاجاتهما. وارتأى البلدان التعاون بدلاً من الخصومة. فوقع وزير النفط الهندي، ماني شنكار أيار، اتفاقاً تاريخياً مع الصين في كانون الثاني يناير المنصرم قضى بتفادي منافسة تؤدي، لا محالة، الى زيادة سعر الذهب الأسود. وقد يصلح الاتفاق هذا صورة عن تدبير القوتين العظميين الناشئتين علاقاتهما آنياً. ويفترض على نيودلهيوبكين تفادي المصادمة المباشرة. ويتشارك قادة البلدين، من غير شك، نظرة جديدة للبراغماتية تتضمن وعياً جديداً للخطر الذي يمثله أي صدام بينهما على ازدهارهما الاقتصادي. وباكستان خير مثال على ذلك. فلطالما حظيت إسلام آباد بدعم الصين التي تبرعت بمساعدات مالية وعسكرية كبيرة لمنع توسع الهند الى الشمال أو الغرب. والحق، أن العلاقات الصينية ? الباكستانية لم تعق تحسن العلاقات الصينية ? الهندية. ولقاء حياد الصين في كشمير، تمتنع الهند من التدخل في التيبت. وتؤيد بكين ترشح الهند الى مقعد دائم في مجلس الأمن، ويخدم التأييد سعي بكين في التصدي لترشح اليابان. وتلوح ثمرات التعاون بين الهندوالصين في جنوب شرقي آسيا. فأنشأت الصين، أو هي قيد إنشاء شبكة من الطرق وأنابيب النفط تعبر الجزء القاري من المنطقة، وتصل المناطق الغربية بالبحر. وترغب في مد شبكة أنابيب نفط من الشرق الى الغرب لنقل النفط والغاز من دون المرور بمضيق ملقة. وليست الغاية تقليص التكلفة، بل ضمان أمن التمون بالطاقة، خصوصاً في حال حصار بحري أميركي. فهل للأمور أن تأخذ منحى خاطئاً؟ لا يزال الخطر قائماً من غلبة التعطش السلطوي والغرور الوطني، الصينيوالهندي، على الحوار والتعاون القائمين. ولعل مصدر الخطر الأكبر هو سعي الولاياتالمتحدة وأوروبا في زرع الفوضى بين المتنافسين التاريخيين، وتحريض واحدهما على الآخر، وجر كليهما الى إرضاء المطامح الاقتصادية والسياسية الأنانية. والهندوالصين قوتان نوويتان. وسبق لهما استخدام ورقة الترسانة النووية في المفاوضة، دونما تفريق بين حليف وعدو. وتستطيع روسيا التوسل ببحث البلدين المحموم عن مصادر جديدة للطاقة، فتحولهما حليفين حدوديين. ويحتمل أن يتحولا عاملاً يزعزع الاستقرار، وينسف الاتفاق على الطاقة. ويسع الأميركيين عرقلة ظهور توازن جديد للقوى، من طريق حمل الهند على التخطيط لتطويق الصين. وتقتفي اليابان خطى هذه الاستراتيجية، وتسارع الى توطيد علاقتها بالهند، اتقاء صين أكثر عدوانية تخشاها. وخير للولايات المتحدةواليابانوجنوب آسيا، أن تدعم التقارب بين الصينوالهند. فهو تترتب عليه منافع اقتصادية إقليمية، ويسهم، في أفضل الأحوال، في بلورة قرن واحدٍ وعشرين أكثر سلماً. عن مايكل فاتيكيوتيس رئيس تحرير"إيسترن إكونوميك ريفيو"السابق،"آيجيا تايمز أونلاين"، 4/2006