إن توقيت زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى اليابان، بهدف تعزيز العلاقات بين البلدين، يضفي عليها أهمية استثنائية، خصوصاً أن الدولتين احتفلتا العام الماضي بالذكرى الخمسين لإقامة علاقات ديبلوماسية بينهما. كما أن ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير سلطان بن عبدالعزيز، كان أول مسؤول سعودي رفيع المستوى يزور اليابان، وذلك في عام 1960 عندما كان وزيراً للمواصلات. ويسير الأمير سلطان باختياره اليابان في أول زيارة خارجية له منذ مبايعته بولاية العهد في المملكة، مع التوجه الذي ينتهجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية، المتمثل في بذل جهود منسقة من أجل تعزيز العلاقات الطيبة بين المملكة ودول آسيا. وتكتسب زيارة الأمير سلطان أهمية خاصة، تنبع من حجم الثقل الذي تتمتع به الدولتان على الساحة الدولية. فاليابان دولة تزخر بإمكانات هائلة، وهي صاحبة ثاني أضخم اقتصاد في العالم، وتستأثر بسُبع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إضافة إلى نسبة 10 في المئة من الصادرات والواردات العالمية الإجمالية. كما أن اليابان هي ثالث دولة عالمياً في استهلاك النفط، وتتجاوز حصتها 7 في المئة من الطلب الإجمالي العالمي على النفط، عدا كونها عملاقاً تقنياً. وفي الجانب الآخر، تعتبر المملكة العربية السعودية قوة رئيسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، إضافة إلى منظمة الدول المصدّرة للنفط أوبك، بفضل كونها أكبر منتج للنفط في العالم، وتصدر أكثر من تسعة ملايين برميل من النفط يومياً. وعند الحديث عن المستوى الثنائي من العلاقات بين الدولتين، فإن اليابان هي ثاني شريك تجاري مستثمر في المملكة العربية السعودية، وذلك بعد الولاياتالمتحدة الأميركية. وتزود السعودية اليابان بما يقارب ثلث حاجتها من الطاقة، إذ يبلغ إجمالي واردات اليابان من النفط نحو أربعة ملايين برميل يومياً. وتوضح الإحصاءات الرسمية أن إجمالي الصادرات السعودية إلى اليابان يبلغ 13.15 بليون دولار أميركي. وتتضمن هذه الصادرات النفط الخام والمشتقات النفطية والغاز المسال. وتشمل واردات السعودية من اليابان المركبات والآلات والمعدات، إضافة إلى المعادن، وتبلغ قيمتها 3.8 بليون دولار أميركي. ومن المؤكد أن هذه الأرقام ستشهد صعوداً كبيراً في ضوء اعتزام اليابان عقد محادثات لإبرام اتفاقات للتجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، في شهر أيار مايو المقبل. وتتضمن الصفقات الثنائية العملاقة التي تم توقيعها حديثاً بين البلدين، مشروع رابغ النفطي"بترو رابغ"، وهو مجمع متكامل لتكرير النفط وإنتاج البتروكيماويات، يقع على بعد 200 كيلو متر شمال مدينة جدة السعودية، وتم الاتفاق عليه بين شركتي"أرامكو"السعودية و"سوميتومو"اليابانية. ووقعت شركة"تويوبو"اليابانية المتخصصة في الطاقة ومشاريع إزالة الملوحة"التحلية"، اتفاقاً في عام 2005، وذلك بقيمة بليون دولار أميركي مع شركة"أرامكو"السعودية. وتتجاوز مدة هذا الاتفاق20 عاماً، ويُنتَظَر أن يبدأ تنفيذ هذه الصفقة خلال عام 2008. ويعطي هذا الاتفاق شركة"تويوبو"حصة كبيرة من سوق التحلية السعودية. وزادت شركة"أرامكو"في العام الماضي حصتها في شركة"شوا شل سيكيو كي. كي .Showa Shell Sekiyu K K"اليابانية، لتصبح 14.96 في المئة. وتم توقيع هذه الصفقات على رغم أن اليابان خسرت في العام 2000 عقدها للعمل في الجانب السعودي من المنطقة المحايدة. يمكن للمملكة العربية السعودية أن تستفيد أيضاً من الاستثمارات اليابانية. ويُذكَر أن المملكة أصبحت أحدث دولة عضو في منظمة التجارة العالمية. كما أن تصنيف البنك الدولي لها في ما يتعلق بمستوى جاذبية الدول للاستثمارات الخارجية المباشرة، يُؤكد أن المملكة قفزت من المرتبة 67 إلى المرتبة 88 خلال سنة واحدة. وبإمكان السعودية جذب المستثمرين اليابانيين للمشاركة في استثمارات تقارب قيمتها 800 بليون دولار أميركي، في قطاعات متعددة خلال العقد التالي. وتبحث السعودية عن استثمارات وشراكات في محطات التحلية والمياه والطاقة والصحة والتعليم والبنية الأساسية وتكنولوجيا المعلومات والطيران المدني والسكك الحديد، والعديد أيضاً من المجالات التي يتمتع اليابانيون بخبرة واسعة فيها. ويُذكَر أن رئيس الوزراء الياباني السابق روتاريو هاشيموتو، دعا إلى"شراكة شاملة في القرن الحادي والعشرين"، وذلك عندما زار المملكة العربية السعودية في عام 1997. وشكل البلَدان في عام 1998 لجنتي صداقة برلمانية من أجل دعم مصالحهما، والتشاور بينهما في سلسلة من القضايا الإقليمية والدولية. ولا تقتصر العلاقة بين الدولتين على المستوى الثنائي وحده، بل تشمل المستوى الدولي أيضاً. صحيح أن من المؤكد أن النفط كان عنصراً أساسياً في تشكيل وتطور العلاقات بين اليابان ودول منطقة الخليج، إلا أن من الخطأ النظر إلى هذه العلاقات من نافذة الطاقة وحدها. فقد ركزت طوكيو بمرور الوقت، وبصورة تدريجية، جهودها على تنويع آفاق التعاون مع المنطقة، بما في ذلك زيادة الاستثمارات والاتصالات واللقاءات، وذلك لإرساء قاعدة تصلح لتوطيد العلاقات بينهما. وما يجدر ذكره، أن ليس من المبالغة القول إن إحدى الصفات المميزة لعلاقات اليابان مع المنطقة، تكمن في حقيقة أن هذه العلاقات أقل تأثراً بالقضايا ذات الاهتمام الثنائي، بينما تتأثر أكثر بالتطورات الإقليمية والدولية. وفي مجال العلاقات الدولية والقضايا الإقليمية، فإن السعودية واليابان متفقتان على ضرورة حض المجتمع الدولي على تحقيق سلام شامل وعادل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وذلك استناداً إلى قراري مجلس الأمن 242 و 338، والدعوة للاعتراف بحكومة"حماس"على أساس أنها الخيار الديموقراطي للشعب الفلسطيني. فإضافة إلى كونها إحدى الدول التي تقدم المساعدات بشكل منتظم للفلسطينيين، قامت اليابان بإرسال فريق للمساعدة في مراقبة الانتخابات، وتقديم حوالى مليون دولار لتسهيل عملية التصويت. أما في ما يتعلق بمنطقة الخليج، فقد عملت اليابان على صعيد العلاقات الدولية على إعادة تحديد مصالحها الأمنية، وذلك منذ أيلول سبتمبر 2001. وأوضح تقرير وزير الدولة أوكاموتو في عام 2002، أن الديبلوماسية اليابانية المستقبلية في منطقة الشرق الأوسط، ستسهم في دعم"الضغوط العالمية الهادفة إلى تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية"، ودعم"إزالة خطر الإرهاب العالمي"أينما وُجد، والعمل من أجل ضمان"أمن الطاقة من خلال تعزيز علاقات الصداقة مع دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية". ويلزم التقرير أيضاً اليابان بدعم"الجهود الإصلاحية التي يبذلها المعتدلون الإيرانيون". وتجلى التغيير في سياسة طوكيو العسكرية، في المشاركة في عمليات غير قتالية في العراق، في أول انتشار لقوات عسكرية يابانية خارج الأراضي اليابانية منذ الحرب العالمية الثانية. وفي عام 2005 قامت اليابان بإلغاء حوالى ستة بلايين دولار من الديون المترتبة على العراق، هذا إضافة إلى الالتزام بتقديم حوالى خمسة بلايين دولار أخرى لدعم جهود إعادة الإعمار في العراق. وإضافة إلى اهتمام اليابان بالنفط، فإن المشاركة في مهمات إعادة بناء العراق يمكن أن تُعتبَر بمثابة استنهاض همّة المجتمع الدولي ليقدم أكثر من مجرد المساعدات العينية. غير أن خطط اليابان القاضية بسحب قواتها من العراق في مطلع شهر أيار مايو، أو بما لا يتجاوز نهاية عام 2006، سيُحْدِث شرخاً آخر في جهود التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة الأميركية لتحقيق الاستقرار في العراق، وهي مسألة من المرشح لها أن تكون موضوعاً للبحث خلال زيارة ولي عهد المملكة العربية السعودية إلى طوكيو. أما الأمر الآخر المثير للقلق، فهو إيران التي تزوّد اليابان بنسبة تزيد على 15 في المئة من حاجتها النفطية، وهو ما يجعل طهران ثالث أكبر مزوّد لطوكيو من النفط. ووقعت طوكيو في عام 2004 صفقة مع طهران بقيمة بليوني دولار أميركي، يتم بموجبها منح مجموعة تكتل شركات يابانية حقوق تطوير حقل أذريبجان النفطي. وعلى رغم القلق من انتشار الأسلحة النووية، فقد بررت طوكيو التوقيع على هذه الصفقة بموافقة طهران على القبول بالمزيد من عمليات التفتيش على منشآتها من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلاّ أن هناك تطورات جديدة حدثت على هذا الصعيد، لتكشف أن طهران لم توافق على السماح بعمليات التفتيش، وأصبح من الضروري أن تقوم المملكة العربية السعودية بإطلاع اليابان على مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي في ما يتعلق بالمسألة النووية، واحتمالات حدوث صراع بسبب هذه المسألة أيضاً. إن هذه الهواجس تتطابق والمخاوف اليابانية من زيادة الانتشار النووي في العالم، وبالتالي، فإن طوكيو يمكن أن تلعب دوراً في إقناع طهران بفوائد القبول بنظام تفتيش يضمن سلامة المنشآت النووية، وهو الأمر الذي تلتزم به اليابان منذ عقود طويلة. ولا يمكن لليابان في الوقت ذاته أن تتجاهل صلات إيران مع كوريا الشمالية، التي لا تقتصر على المجال النووي، بل تشمل أيضاً تبادل الخبرات في تكنولوجيا الصواريخ. وتشير تقارير إلى أن صاروخ"شهاب - 3"الإيراني، هو صاروخ"نودونغ"الكوري الشمالي. وتذكر بعض المصادر أن لدى كوريا الشمالية في الوقت الحاضر نحو 200 صاروخ من طراز"نودونغ"تهدد بها اليابان. وعلى صعيد آخر، يمكن للعلاقات السعودية المتنامية مع الصين، أن تكون في المستقبل وسيلة لقيام اتصالات أفضل بين بكينوطوكيو. فاليابانوالصين تشهدان ازدياداً في اعتمادهما الاقتصادي كل على الأخرى، إلاّ أن علاقاتهما تمر بمرحلة لا يمكن وصفها بالمزدهرة. وتُعتبَر التوترات السياسية والخلافات بذوراً لعودة"الحرب الباردة"الخاصة بالقرن الحادي والعشرين، وهو أمر لا يصب في مصلحة المنطقة. وبما أن للمملكة العربية السعودية علاقات اقتصادية مهمة مع الدولتين، فإنها يمكن أن تكون ملتقى لجذب الاستثمارات من الدولتين، وتقيم معهما علاقات سياسية متوازنة، بحيث يكون بإمكانها القيام بدور الوسيط النزيه في حال اندلاع أزمة بينهما. في العام الماضي، لخص رئيس الوزراء الياباني جونيتشيرو كويزومي العلاقات الراهنة والمتوقعة بين بلاده والمملكة العربية السعودية، بالقول إنها"علاقات تاريخية وراسخة الأركان". وأضاف قائلاً:"إننا نتطلع إلى المستقبل، إذ ستكون علاقاتنا الممتازة أكثر أهمية وحيوية بالنسبة إلى المجتمع الدولي". إن أهمية العلاقات السعودية - اليابانية على المستويين الثنائي والدولي تكتسب أبعاداً استثنائية، في هذه الحقبة التي تشهد ازدياد الطلب على النفط، مترافقاً مع ارتفاع أسعاره، وفي ظل أوضاع أمنية متفجرة لدى جيران كل من الدولتين. رئيس مركز الخليج للأبحاث.