لم يكد رئيس الحكومة الفرنسية دومينيك دوفيلبان يتعافى من آثار الهزيمة التي لحقت به بسبب عقد الوظيفة الأولى، حتى وجد نفسه في مواجهة عاصفة جديدة، مردها هذه المرة الى قضية مالية استخباراتية معقدة قد تترتب عليها ابعاد خطيرة، خصوصاً انها طاولت ايضاً الرئيس جاك شيراك. نشأت هذه القضية التي تعرف ب"قضية كلير ستريم"نسبة الى الشركة المصرفية التي تحمل الاسم ذاته ومقرها في اللوكسمبورغ، عبر وثائق تلقاها القاضي رينو فان رويبنيك من مجهول، تتضمن اسماء شخصيات فرنسية بينها وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، ذكر انها حصلت على عمولات غير مشروعة أودعتها في حسابات سرية لدى الشركة. وكان ممكناً ان تبقى القضية ضمن الاطار القضائي البحت، لولا ان بداياتها صادفت فترة تولي دوفيلبان وزارة الخارجية، ولولا اجواء المنافسة المحمومة بينه وبين ساركوزي على ترشيح اليمين الفرنسي لانتخابات الرئاسة في ربيع العام المقبل. وأفادت التسريبات المتتالية الى الاعلام الفرنسي، ان دوفيلبان كلف احد العناصر البارزة في الاستخبارات الفرنسية الجنرال فيليب روندو، التحقيق في ما اذا كان ساركوزي استفاد بالفعل من عمولات في اطار هذه القضية التي تندرج كامتداد لقضية مبيعات الفرقاطات العسكرية الشهيرة الى تايوان، والتي شوهت سمعة وزير الخارجية الاشتراكي السابق رولان دوما. واستعان روندو في استقصاءاته، بشخص لبناني الأصل يدعى عماد لحود، تردد خطأ انه ابن شقيق الرئيس اللبناني اميل لحود، وكان عمل لدى"كلير ستريم"، ما مكّنه من الحصول على نسخة عن سجلاتها الالكترونية. وتوالت فصول القضية الى ان أدت في الايام الأخيرة الى خضوع مكتب وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال اليوماري لعملية تفتيش من جانب المحققين، سعياً الى كشف مصدر الوثائق التي تلقاها روينبيك، فيما ذكر ان عملية تفتيش مماثلة قد تستهدف مقر رئاسة الحكومة. وفي محاولة لتطويق ذيول هذه القضية، التقى دوفيلبان ساركوزي حول غداء مصارحة الخميس، وأكد في بيان اصدره امس، انه لم يطلب"ابداً"التحقيق في حسابات مصرفية سرية عائدة للثاني، وانما طلب من روندو التحقق من عدم وجود"شبكات مافيا دولية"، تستغل هذه القضية"للاساءة الى أمننا الوطني ومصالحنا". وكان دوفيلبان ابدى في تصريح الى صحيفة"لو فيغارو"تفهمه كون الشخصيات التي وردت اسماؤها ظلماً في اطار القضية التي اتضح انها قضية تضليل، جرحت في كرامتها. لكن هذه التصريحات مثل غداء المصارحة، لم تخفف مرارة ساركوزي، ولا التسريبات المناقضة لكلام دوفيلبان، وآخرها ما أوردته صحيفة"لوموند"عن وثيقة موجودة لدى القضاء الفرنسي تتضمن شهادة روندو الذي يؤكد ان دوفيلبان وشيراك هما المسؤولان عن التحقيقات حول ساركوزي وسواه من الشخصيات. وفي مؤشر الى مدى خطورة الذيول التي ستنجم عن قضية"كلير ستريم"، اضطر قصر الرئاسة الفرنسي لاصدار بيان ينفي أي دور لشيراك في تلك التحقيقات. وأظهر ساركوزي مرة اخرى قدرته على تحويل المصاعب التي يواجهها الى مكاسب، وظهر عبر هذه القضية في وضع المظلوم، المستهدف من المحيطين به.