تتجه أنظار الكثير من الشباب العربي نحو ألمانيا سواء لناحية حب الدراسة فيها أم استهلاك منتجاتها واقتنائها. وتستفيد ألمانيا في هذا الإطار من سمعتها الحسنة في العالم العربي بسبب عدم وجود تاريخ استعماري لها فيه إضافة إلى سياساتها الخارجية المتوازنة والرافضة للحروب وسعيها من أجل حل القضايا الساخنة في العالم بما فيها قضايا الشرق الأوسط. ومع تزايد مصالحها الاقتصادية في العالم العربي وأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر وتداعياتها ازداد اهتمام صناع القرار السياسي فيها بالمنطقة العربية خلال السنوات الأربع الماضية. وفي هذا السياق يقول الدكتور بيرند ييغل المسؤول السابق عن الشؤون العربية وإيران في وزارة الاقتصاد والتكنولوجيا الألمانية أن معدل التبادل التجاري بين الدول العربية وألمانيا ازداد بنسبة زادت على عشرة في المئة في المتوسط خلال السنوات العشر الماضية. وهو الأمر الذي دفع المسؤولين الألمان وفي مقدمهم المستشار السابق غيرهارد شرودر إلى زيارة هذه الدول من أجل توقيع صفقات تجارية والبحث في إمكان إقامة شراكات معها في مختلف المجالات. وفي إطار التوجه الألماني المتزايد نحو العالم العربي برز اهتمام ألمانيا أيضاً بالشباب العربي كونهم يشكلون نحو ثلثي شعوب الدول العربية. وقد تُرجم ذلك في مبادرات عدة قامت بها مؤسسات ألمانية رسمية وخاصة أدت من جملة ما أدت إليه إلى إطلاق العديد من المشاريع التعليمية والإعلامية والثقافية التي تهم الشباب بالدرجة الأولى. وفي هذا الإطار يأتي تأسيس جامعات عربية - ألمانية عدة كالجامعة الألمانية المصرية في القاهرة والجامعة الألمانية - الأردنية وجامعة الوادي الألمانية - السورية. وحضر العالم العربي كضيف شرف في معرض فرانكفورت، حيث خصص قسم مهم من فعالياته لأدب الشباب العربي. وتلا ذلك إطلاق برنامج تلفزيوني يركز اهتمامه على مواضيع شبابية باللغة العربية على شبكة دويتشه فيله الإعلامية Deutsche Welle إضافة إلى توسيع حصصها الإذاعية الموجهة للشباب. لكن المهم بين المشاريع المذكورة إطلاق مواقع إنترنت ألمانية باللغة العربية تركز اهتمامها على قضايا الشباب. ويشرف على هذه المواقع شباب عرب درسوا في الجامعات الألمانية والعربية، وهم على التصاق بهموم أقرانهم وقضاياهم في شكل وثيق. وتعزو اوتا توفرن Uta Thofern رئيسة تحرير موقع دويتشه Deutsche Welle فيله الذي يصدر بثلاثين لغة اهتمام ألمانيا بالشباب في مختلف أنحاء العالم إلى كونهم يشكلون عماد المستقبل. وبالنسبة الى الشباب العربي والمسلم الذي سيلعب دوراً كبيراً في تحديد مستقبل العالمين العربي والإسلامي، فإن ألمانيا تريد بحسب توفرن فتح الحوار معهم من أجل إزالة سوء الفهم بين أوروبا والعالم العربي وبناء مستقبل يقوم على التعايش السلمي المبني على الاحترام المتبادل. وترتكز الرؤية الألمانية في الحوار مع العالم العربي بحسب المسؤولة الألمانية على التجارب التاريخية لبلادها."هذه التجارب وفي مقدمها تجربة الحرب العالمية الثانية والمحرقة/ الهولكوست علمتنا أن احتقار الآخر وملاحقته بسبب جنسه أو الاختلاف معه في الرأي يقود إلى الإبادة الجماعية والحروب التي خلفت الدمار في عموم أوروبا. كما أن التعلم من هذه التجارب قادنا بعد الحرب إلى طريق الحوار الديموقراطي الذي مكن الدول والشعوب الأوروبية من تجاوز العداء والتعاون من دون أن تتخلى عن هويتها في إطار الاتحاد الأوروبي الذي يجسد فكرة التعايش السلمي بين الشعوب المذكورة، ونحن نرغب في تكرار هذه التجربة مع شعوب أخرى". يبرز من بين مواقع الإنترنت الألمانية التي تركز على قضايا الشباب العرب واهتماماتهم موقع كامبوس جيرماني المتخصص بالدراسة والبحث العلمي في ألمانيا www.Campus-Germany.de/arabic . وهناك موقع لي لك LiLak http://www.goethe.de/ins/eg/prj/jgd/arindex.htm ، وهو يتيح للشباب العرب والألمان تبادل الخبرات والمعارف والآراء عبر الحوار والمسابقات والندوات والتعارف. ومن بين المواقع التي تهتم بقضايا الشباب موقع المركز الإعلامي الألماني في القاهرة www.almania-info.diplo.de . أما موقع دويتشه فيله باللغة العربية www.dw-world.de/arabic فهو الموقع الألماني الأكثر غنى وتنوعاً من خلال أبوابه ومواضيعه المتنوعة التي تضع نصب أعينها اهتمامات الشباب. وفي مقدمها قضايا ثقافية واقتصادية ورياضية وعلمية وتعليمية تهم العالم العربي. وفي هذا الإطار يتم تعريف الشباب العربي بفرص السياحة والدراسة وتعلم اللغة والإقامة والعمل في ألمانيا وفقاً لما يذكره الدكتور ابراهيم محمد مدير الموقع. وانطلاقاً من أهمية الحوار في بناء الجسور بين الثقافتين العربية والألمانية ركز الموقع على فسح المجال لزواره للتعبير عن آرائهم وهمومهم من خلال الأبواب التفاعلية المتنوعة. وفي هذا الإطار يقول الدكتور ناصر شروف نائب مدير الموقع:"يتيح الموقع لزواره فرص المشاركة في مسابقات وحوارات مباشرة تغني معلوماتهم وتوسع آفاقهم. كما تعرض صفحة بريد القراء على الموقع آراءهم في مختلف القضايا والمواضيع بما فيها قضايا سياسية ساخنة كقضايا فلسطين والعراق والحوار العربي - الأوروبي والإسلام والعلاقات العربية - الألمانية". إضافة إلى ذلك فإن الموقع يقدم فرص التدريب والعمل أمام الصحافيين الناشئين من الدارسين العرب داخل ألمانيا وخارجها. وعلى رغم حداثة إطلاق البرامج الإعلامية الألمانية الجديدة الموجهة الى الشباب العربي بالدرجة الأولى فإن نجاحها يبدو كبيراً في أوساطهم. فقد أفادت آخر الإحصاءات مثلاً أن عدد زوار موقع دويتشه فيله بلغ أكثر من 1.6 مليون زائر أوائل العام الجاري. ووصل عدد زوار موقع كامبوس جيرماني إلى أكثر من نصف العدد المذكور في الفترة المذكورة. وعلى ضوء ذلك تبدو الجهات الألمانية المعنية متحمسة لفكرة دعم البرامج المذكورة من خلال زيادة عدد العاملين فيها لتقديم المزيد من البرامج وزيادة ساعات البث والإرسال وفقاً لما يذكره محمد. في مقابل هذا التوجه يبقى التساؤل قائماً عما يفعله العالم العربي تجاه الشباب الأوروبي عموماً والألماني خصوصاً بغية الحوار معهم وإزالة الأحكام السلبية المسبقة لديهم تجاه العرب المسلمين والمسيحيين.