على رغم الدعم المالي الرسمي له من الحكومة الألمانية، يتمتع موقع «دويتشه فيله» الإخباري الالكتروني باستقلالية مهنية عالية، في تجربة إعلامية بعيدة من التحيز والولاء لرغبات الممول. يمكن زائر مدينة بون الألمانية أن يميز مبنى أكاديمية «دويتشه فيله» من وهج أضوائه ليلاً. إذ تقع الإدارة المركزية للأكاديمية في هذا المبنى إلى جانب إذاعة «دويتشه فيله» ومكاتب الموقع الإلكتروني الإخباري DW-WORLD.DE، فيما يوجد القسم الثالث من هذه المؤسسة «تلفزيون دويتشه فيله DW-TV» في العاصمة برلين. تعرّف ال «دويتشه فيله» ذاتها إعلامياً ب «صوت ألمانيا المرئي والمسموع والمقروء إلى العالم الخارجي». ويقع على عاتق الأكاديمية إعداد صحافيين ألمان وأجانب وتدريبهم. وتتمتع المؤسسة باستقلالية مهنية عالية، على رغم تزويدها بالدعم المالي بناءً على قوانين ولوائح حكومية رسمية. يعيش موقع «دويتشه فيله» الإلكتروني الآن مرحلة اندماج مع بقية أقسام المؤسسة من خلال لغاته العالمية الثلاثين التي ينطق بها، ووصل عدد العاملين فيه إلى 180 موظفاً. ويوضح مدير الموقع العربي ل «دويتشه فيله» إبراهيم محمد ان «الموقع بلغته الإنكليزية ضُم إلى الإذاعة، بينما ينتظر القسم العربي في الموقع اندماجاً مماثلاً، وإلحاقه بتلفزيون ناطق بالعربية مستقبلاً، بهدف تحويل «دويتشه فيله» إلى وسيلة إعلامية متعددة الوسائط». ويقدم الموقع بلغته العربية ألمانيا بلغة بسيطة لتقريب الصورة من الواقع الحقيقي، «مراعياً الصدق» في نقل المعلومة. وتتنوع أقسام الموقع العربي بين السياسة والاقتصاد والثقافة، وأخبار المشرق والمغرب العربيين، ودروس تعليم اللغة الألمانية السمعية والقصصية المشوقة، إضافة إلى شرح عن الدراسة في ألمانيا، وتعريف بالدولة الأوروبية، وطرح بعض المسابقات لزائري الموقع ك «أفضل صورة وتعليق». وتتميز خريطة الموقع بسهولة تبويبها، كما أن طبيعة المقالات تبدو مشوقة، من خلال عناوين جاذبة ومثيرة. الشباب هي الفئة المستهدفة من الموقع، لكونهم يشكلون الغالبية العظمى للجاليات العربية في المهجر، وكذلك في الوطن العربي. وتطرح المواضيع في الموقع من وجهتي النظر الألمانية والعربية، للتعريف بألمانيا وأوروبا «بما فيها وما عليها من سلبيات وإيجابيات»، فضلاً عن معالجة أوضاع الجاليات العربية ومدى اندماجها في المجتمع الألماني أو الغربي. إلى ذلك، ينقل الموقع العربي النشاطات الثقافية للمبدعين العرب، كما هو الأمر في أسبوع الثقافة العربي - الألماني السنوي في برلين، وأسبوع الثقافة المغربية في هامبورغ، ومعرض فرانكفوت للكتاب، إضافة إلى إجراء حوارات مع مثقفين عرب، ترجمت إلى أقسام الموقع الأخرى باللغتين الألمانية والإنكليزية. ويضيف محمد: «ظهر في السنوات الخمس الأخيرة الكثير من النشاطات الثقافية الألمانية – العربية، سواء تلك التي تقام بالتعاون مع «معهد غوته»، أم مع المعاهد الألمانية المتخصصة، ونتابع تغطيتها الإعلامية في شكل كامل». وتطرح لغات موقع «الدويتشه فيله» الرئيسة التسع وضع الشرق الأوسط، إلى جانب دول العالم كافة، وخصص قسم بأكمله للغة الأفريقية، بما فيها الأمهرية الساحلية. حيز السياسة رئيسي من اهتمام الموقع إخبارياً وتحليلياً للعلاقات على الصعيد الثنائي: الأوروبي - العربي، كما بين المانيا والدول العربية منفردة. ويرى محمد أن «صلات الجيرة بين الطرفين العربي - الألماني أعطت الجانب السياسي دوراً مميزاً، إذ لوحظ الدور الأوروبي الفاعل في هذا المجال، عبر حل مشاكل المنطقة من طريق تقديم مبادرات ومشاريع تنموية». ويعتبر محمد أن فرص حل المشاكل السياسية العالقة بين أطراف النزاع تمثل احد المواضيع التي يبرزها الموقع العربي، ذلك ان «لأوروبا خبرات في هذا المجال، تجاوزت بها تبعات حربين عالميين، وحروب أخرى»، ويستطرد: «على رغم ذلك، فإن الحروب لا تجلب التعاون، لكن من خلال التعاون يمكننا أن نتجاوز الكثير من الصعوبات». ويطرح الموقع سياسياً حواراً مبنياً على التكافؤ من دون إلغاء طرف من الأطراف المعنية. ويوضح محمد أن الموقع ليس متحيزاً لأي جانب «بما في ذلك الجانب الأميركي، لأن ذلك يتنافى مع العمل الصحافي». وهو يعتبر الموقع ألمانياً بلغة عربية: «نحاول الابتعاد على أن نكون ناطقين باسم جهة معينة، مع مراعاتنا نظرة الجهات الرسمية، إلى جانب آراء الخبراء والشارع والمحللين والمعنيين سياسياً». ويتحفظ موقع «دويتشه فيله»، كما يقول محمد، «عن أفعال الحكومة الأميركية وسياستها السابقة في العراق، وكذلك تقصيرها في دفع عملية السلام»، خصوصاً أن «ألمانيا كدولة وقفت ضد الحرب على العراق وفتحت باب الحوار مع دول عربية مثل سورية». وتعود بدايات مركز «دويتشه فيله للتأهيل والتدريب الاعلامي» (DWFZ)، والذي يساهم محمد في ورشاته الخارجية في دول العالم، إلى العام 1965 عندما استضاف المركز إعلاميين من البلدان النامية ودول شرق أوروبا، بغرض تدريبهم وتأهيلهم للعمل الإذاعي والتلفزيوني. ووسعت الأكاديمية من نطاق برامجها لتسمح ابتداء من عام 2004 للعناصر الشابة من أبناء الدول النامية ودول شرق أوروبا بالالتحاق بهذا البرنامج التدريبي على نفقة مؤسسة «دويتشه فيله» بالكامل، في بون أو برلين، أو حتى في دول المتدربين.