تسلم الناشر المصري محمد هاشم صاحب"دار ميريت"قبل ايام جائزة"جيري لابير"الدولية لحرية النشر التي يمنحها اتحاد الناشرين الاميركيين. وقال هاشم في خطاب قبول الجائزة:"لم أفكر لحظة بأن ثمة أناساً على الجانب الآخر من العالم يقدرون الدور الصغير الذي تحاول"ميريت"أداءه في الساحتين الثقافية والسياسية في مصر". وكانت حيثيات الاتحاد أشارت الى ان اختيار هاشم للجائزة"يأتي تقديراً لدوره والتزامه المتواصل بالدفاع عن حرية التعبير في مناخ يمثل الالتزام بهذه الأمور سبباً لتعرض صاحبه للخطر الذي يحدثه التزامه بنشر الأعمال التي تنطوي على فكر ناقد". ولفت الاتحاد الى العناوين التي نشرتها الدار ووصفتها بأنها"بالغة الأهمية في ظل ظروف اقتصادية وسياسية غير مؤاتية". وقال ان هاشم ظل معارضاً صلباً لمحاولات السلطة فرض رقابتها على نشاطه، والأهم أنه تمكن من مقاومة الضغوط التي تدفع الناشرين مثله لممارسة الرقابة الذاتية على ما ينشرونه". وفي حقيقة الامر يستحق هذا الخبر الاهتمام لأكثر من سبب، فهو ينطوي على اعتراف مؤسسة دولية بجهد الدار التي يمكن ان نطلق عليها صفة الطليعية بلا تردد، وذلك اذا كان القصد من وراء استخدام هذه الكلمة هو الانحياز الى المستقبل. فالدار التي أسست بمبادرة فردية من صاحبها عام 1998 في القاهرة وبمشاركة عدد من المثقفين المصريين وعلى رأسهم الراحل إبراهيم منصور الناشط البارز في جيل الستينات والناقد الذي عرف بحماسته ودعمه المتواصل لمشاريع النشر المستقل. وبفضل هذه الحماسة أكملت"ميريت"الاداور المهمة التي أدتها دور نشر مصرية مستقلة طوال حقبة التسعينات وخصوصاً دار سينا توقفت في 2003 ودار"شرقيات"التي تواصل دورها المتميز حتى الآن. أخذ هاشم من الدار الاولى شجاعتها في تناول القضايا الفكرية الاشكالية، لا سيما تلك المتعلقة بالخطاب الأصولي او في تناول ما هو"مسكوت عنه"في الشارع السياسي. وراهن في الوقت نفسه على الخيار الفني والجمالي الذي سعت"شرقيات"الى اقراره في منشوارتها وهي انحازت بوضوح الى الكتابة كمشروع فني وجمالي وهو ما انعكس على طريقة تصميم الكتب وإخراجها. وبفضل المزاوجة بين الخط الفكري الذي بلورته"دار سينا"ومشروع"شرقيات"الإبداعي ولد مشروع ميريت ولكن وفق معايير جديدة تعي تغيّر آفاق الكتابة. ولذا نجحت خلال فترة وجيزة في تأكيد حضورها بين المثقفين العرب وأظهرت لدى قراء الادب خصوصاً أنها حاملة لواء المشروع الإبداعي لكتاب التسعينات من دون التغافل عن أصحاب التجارب الراسخة لدى كتاب الستينيات والسبعينات، وساعدتها على التميز - اضافة الى عناوينها المهمة - التصاميم التي أبدعها الغرافيكي الشاب احمد اللباد. هذا عطفاً على نجاحها في الانفتاح على التجارب العربية المهمة والمعبرة عن راهن الكتابة العربية لتتجاوز بها مأزقاً"شوفينياً"عانته دور النشر المصرية طوال السبعينات وحتى اوائل التسعينات، اذ ظل عطاؤها مقصوراً على الكتاب في مصر. وفي هذا المعنى اعتُبرت الدار في أوساط كثيرة ساحة خلاقة من ساحات التفاعل الحي بين المثقفين العرب والمصريين، ومنارة من منارات حرية الرأي والتعبير في مصر. ولا يمكن الناقد أو الباحث المتأمل في مسار الكتابة الإبداعية في السنوات الأخيرة ان يسقط منشورات الدار أو يتغافل عن دعمها للكتاب الجدد وتشجيعهم. ويبدو لافتاً كذلك نجاح عدد من منشوراتها في الفوز بجوائز مهمة، إذ نالت ثلاثة أعمال منها جائزة ساويرس الكبرى للأدب عام 2006، إضافة الى ما نالته من جوائز تشجيعية تقدمها الدولة في الآداب. وما يجب ذكره أن رواية"عمارة يعقوبيان"كانت الدار وراء نشرها في الطبعة الأولى. وكانت منشورات الدار الفكرية خصوصاً اعمال المفكر الراحل خليل عبدالكريم او ترجماته لأعمال اسرائيل شاحاك طرفاً في معارك فكرية دارت بينها وبين تيارات وقوى رقابية داخل مصر. ولا يمكن تجاهل معارك أخرى خاضتها الدار مع فصائل داخل النظام السياسي المصري بعد احتضانها لقاءات"جماعة ادباء وفنانين"أو مع قيام الدار بنشر كتب لكتاب ومفكرين معارضين للنظام من أمثال محمد السيد سعيد وعبدالحليم قنديل، وهي كتب أشارت بلا تردد الى تدهور أداء النظام السياسي المصري على مختلف الصعد. ولا شك في ان هذه الشجاعة كلفت الدار وصاحبها الكثير حتى أنه تعرض اكثر من مرة للضرب المبرح في التظاهرات التي شارك فيها أو احتضنت داره اجتماعاتها التحضيرية. ومع هذا واصل الطريق نفسه تناسقاً مع المسار الذي خطه لنفسه في الساحة الثقافية التي كان دخلها ناشطاً يسارياً نهاية السبعينات، وكانت له محاولات في كتابة القصة انتهت به الى إصدار رواية وحيدة عنوانها"ملاعب مفتوحة"تردد طويلاً في نشرها العام الفائت قبل ان تلقى أصداء نقدية طيبة. والمؤكد ان روح هاشم المبدعة هي التي تقود مسارات الدار وخطط عملها، وهي روح مكنت الدار من مواجهة مأزق الدور الرقابي الذي يمارسه عدد من الناشرين تحاشياً للصدام مع القوى المحافظة. ولكنها في المقابل أوقعتها في مأزق إداري ومالي جعلها تبدو أحياناً غافلة عن حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها، ما ورطها في نزاعات"صغيرة"مع بعض الكتاب جراء تأخر في نشر اعمالهم. ومع هذه الأخطاء الصغيرة وجد أقطاب النميمة في مصر وخارجها مبرراً لوصف صاحبها بپ"الناشر المراوغ"وسواها. ولا شك في أن الدار التي حازت هذه الجائزة المهمة تستحق من محبيها وصاحبها وقفة تقويمية صحيحة تجعلها قادرة على النهوض بالدور الذي نذرت نفسها له ونجحت في تأديته على رغم ظروف الحصار الرقابي والإعلامي الذي عانته ثمناً لخياراتها الفكرية والفنية. وكان اتحاد الناشرين الأميركيين منح جائزته سابقاً للناشرة الإيرانية"فرخندة حاج زادة"والإندونيسي جوزف أسامة والتركي عبدالله كسكين. والاتحاد تأسس في العام 1975 وكان أول مؤسسة من نوعها في العالم تدافع عن حرية الكلمة المكتوبة، وعملت على نشر الحقوق الخاصة بالناشرين والمؤلفين داعمة إياهم في العالم أجمع. وتحمل الجائزة اسم"جيري لابير"مؤسسة اللجنة الدولية لاتحاد الناشرين الأميركيين المعنية بحرية النشر، وعملت مستشارة لها طوال 27 سنة.