طالب عسكريون أميركيون كبار باستقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وتبعهم معلقون صحافيون بارزون في الولاياتالمتحدة وغيرها. اطالب بمحاكمة رامسفيلد، إلا أنني لا أطالب باستقالته، فالفشل معه مضمون، وإذا هزمت الادارة الاميركية في العراق فهي لن تهدد بلداناً أخرى في الشرق الاوسط. إدارة بوش لن تهزم عسكرياً في العراق، إلا أنها تتجه الى خسارة الحرب على الجبهة الداخلية، وهي خسارة لا بد من ان تتبعها خسارة عسكرية، بمعنى أن يرغم الشعب الاميركي حكومته على سحب قواتها من العراق. في نيسان ابريل 2003 قال 27 في المئة من الاميركيين ان الحرب على العراق لا تستحق عناء خوضها، وبعد ثلاث سنوات ارتفع عدد هؤلاء الى 58 في المئة. وبعد ان كانت شعبية جورج بوش قياسية في اعقاب ارهاب 11/9/2001، وبعد ان حافظ على شعبيته عشية الحرب على العراق وبعدها مباشرة، فإن شعبيته الآن تسجل رقماً قياسياً معكوساً، أي في الهبوط، فهي لا تتجاوز 38 في المئة، مع استطلاعات تجعلها 34 في المئة. الرئيس بوش آخر من يعلم دائماً، وهو على ما يبدو يجهل انه في سبيل خسارة الحربين الداخلية والخارجية، وقد رد على المطالبة باستقالة وزير دفاعه بتجديد اعلان الثقة به، في بيان لافت صدر يوم الجمعة الماضي، وهو يوم عيد ديني اساسي. ما لفتني في البيان الرئاسي كان اشارة الرئيس الى رامسفيلد باسم الدلع"رون"، وهي اشارة ذكّرتني بقوله عن مايكل براون"براوني"، وهو يزعم ان رئيس الوكالة الفيديرالية لادارة الطوارئ"يقوم بمهمة عظيمة"فكان ان استقال براون بعد أيام لفشل ادارته في التعامل مع كارثة الإعصار كاترينا الذي ضرب نيو أورلينز. لا أعتقد بأن رون سيلقى مصير براوني، على الاقل ليس فوراً، مع انه كارثة شخصية وعسكرية، وقد تزامنت المطالبة باستقالته، وأنا اقرأ تفاصيل عن فشله أو تجاوزاته لا علاقة لها بحملة العسكر عليه. وأكتفي بتفصيلين. - صدر تقرير عن المفتش العام للجيش الاميركي يربط شخصياً بين دونالد رامسفيلد وتعذيب معتقل سعودي في خليج غوانتانامو هو محمد القحطاني الذي اتهم يوماً بأنه"الارهابي العشرون"في 11/9/2001، والتعذيب على الطريقة الاميركية ليس جسدياً كما عندنا، وإنما أكثره نفسي، فقد أُرغم السجين على ارتداء ثياب داخلية نسائية، وهو يواجه محققات، وعلى تقليد الكلاب، وكان رامسفيلد يتصل باستمرار ليسأل عن سير التحقيق واذا كان السجين انهار، وما سبق كله اميركي رسمي. - هناك كتاب جديد لم يصل بعد الى لندن كتبه مايكل غوردون وهو صحافي في"نيويورك تايمز"وبرنارد ترينور، وهو جنرال متقاعد في المارينز، وعنوانه"كوبرا 2: القصة الداخلية لغزو العراق واحتلاله". الكتاب يقول ان كل خطأ يمكن ان يرتكب في العراق ارتكب فعلاً، وفي حين يحمّل المؤلفان جورج بوش وديك تشيني مع رامسفيلد المسؤولية، فإن وزير الدفاع يتحمل وحده المسؤولية عن الاخطاء العسكرية بعناده وغطرسته وإصراره على رأيه حتى بعد ثبات الخطأ فيه. ويخلص المؤلفان الى القول ان بقاء رامسفيلد في منصبه على رغم اخطائه شيء يتحدى المنطق. ما أذكر عن رامسفيلد قوله ان اسلحة الدمار الشامل في العراق موجودة تحديداً بين بغداد وتكريت، وقوله الآخر"ان عدم وجود دليل ليس دليلاً على عدم وجود اسلحة الدمار الشامل". ومرة أخرى ألفت نظر القارئ، الى ان مطالبة القادة العسكريين بإقالة رامسفيلد منفصلة عن تحقيق المفتش العام للجيش الاميركي، كما ان الكتاب"كوبرا 2"كُتِبَ وصدر قبل معرفة رأي الجنرالات وتقرير المفتش العام. قبل كل ما سبق كتبت في هذه الزاوية في الثامن من هذا الشهر عن رامسفيلد ووصفته بأنه"الكارثة في وزارة الدفاع الاميركية"، بعد ان رفض اعتراف وزيرة الخارجية الدكتورة كوندوليزا رايس بارتكاب الولاياتالمتحدة ألوف الاخطاء التكتيكية في العراق. الجنرالات الاميركيون والمعلقون طالبوا باستقالة رامسفيلد، غير انني طالبت في مقالي السابق وأطالب اليوم بمحاكمته، فقد ارتكبت في العراق جريمة متعمدة ضد العراقيين والاميركيين. وكانت اجهزة الاستخبارات الاميركية التقليدية لم تجد الادلة المطلوبة عن اسلحة الدمار الشامل لتبرير الحرب، فأسس بول وولفوفيتز ودوغلاس فايث في وزارة الدفاع، باشراف رامسفيلد، جهاز استخبارات بديلاً، هو مكتب الخطط الخاصة لتزوير المعلومات وتلفيقها وتضخيم الموجود بالتعاون مع خونة عراقيين وجواسيس ومبعدين. الاستقالة لا تكفي، فهناك مئة الف قتيل عراقي ونحو 2400 قتيل اميركي تطالب دماؤهم بالاقتصاص من القتلة. وإذا بدأت العدالة الأميركية بوزير الدفاع، فهي حتماً لن تتوقف عنده، أو تكتفي به.