اعتبر وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد ان التصريحات التي أدلى بها مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية سي آي اي جورج تينيت عن الاسلحة العراقية، تختلف قليلاً عن تصريحات الرئيس السابق للمفتشين الاميركيين والبريطانيين في العراق ديفيد كاي. في الوقت ذاته، اتهم السناتور جون كيري، المرشح الديموقراطي الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، الرئيس جورج بوش بتضخيم التهديد الذي كان يمثله العراق. وطالب كاي لجنة الكونغرس المكلفة التحقيق في المعلومات الاستخباراتية الاميركية قبل الحرب على العراق، بالتحقيق أيضاً في ما إذا كان السياسيون أساؤوا استخدام تلك المعلومات، مشيراً إلى احتمال أن يكون البيت الأبيض تجاهل بعض جوانب المعلومات التي قدمتها اليه "سي آي اي" قبل شهور من الحرب. دافع الرئيس بوش مجدداً عن قراره شن الحرب، مشدداً على ان النظام العراقي السابق كانت لديه "النية" لاستخدام اسلحة الدمار الشامل "كما استخدمها ضد شعبه الذي قتل الآلاف منه". وتزامنت تصريحات بوش مع خطاب تينيت الذي دافع فيه عن تقديرات الوكالة لبرامج اسلحة الدمار الشامل في العراق، مؤكداً ان من المبكر القول ان العراق لم يملك تلك الأسلحة عشية الحرب. واعتبر ذلك رداً على تقرير المفتش السابق ديفيد كاي الذي استبعد إمكان العثور على تلك الاسلحة، مثيراً جدلاً في شأن مبررات الحرب، وعقيدة "الضربة الوقائية" التي تبنتها الادارة. واعتبر الوزير رامسفيلد ان التصريحات التي ادلى بها تينيت عن الاسلحة العراقية، تختلف قليلاً عن تصريحات كاي، وقال إن "الفارق الوحيد" بينها هو "معرفة هل كان الاناء فارغاً حتى نصفه أو ممتلئاً حتى نصفه". وأكد رامسفيلد ان تينيت وكاي "كائنان بشريان ينظران الى الأمر ذاته ويصفانه بطريقة تنطوي على فروق طفيفة". وأدلى رامسفيلد بهذه التصريحات الى صحافيين في الطائرة التي أقلته الى ميونيخ للمشاركة في اجتماع غير رسمي لوزراء الدفاع في دول حلف الاطلسي. واستقال كاي من رئاسة مجموعة التفتيش وتوصل الى خلاصة مفادها ان أسلحة الدمار الشامل العراقية "ليست موجودة، واننا جميعاً اخطأنا". وسأل الصحافيون رامسفيلد عن تأكيداته الجازمة في الماضي بأن العراق كان يمتلك أسلحة دمار شامل، فاعترف بأنه ربما بالغ قليلاً عندما قال في الأيام الأولى للحرب انه يعرف أين توجد تلك الأسلحة. واضاف انه كان يلمح الى "مواقع مشبوهة" حددتها القوات الاميركية التي كانت تتقدم في الأراضي العراقية. كيري إلى ذلك، اتهم السناتور كيري الرئيس بوش بتضخيم التهديد الذي كان يمثله العراق. وكان كيري يرد على قول تينيت ان محللي الاستخبارات "لم يقولوا أبداً ان هناك تهديداً وشيكاً". وقال كيري: "ليس هذا ما قاله البيت الأبيض للأميركيين". واضاف: "قالوا ان العراق يشكل تهديداً قاتلاً وداهماً وجدياً وتهديداً وشيكاً للشعب الاميركي". وتعليقاً على ما قاله تينيت، أوضح كيري: "لاحظنا ان بوش وديك تشيني نائب الرئيس ودونالد رامسفيلد وبقية أعضاء الادارة لم يعرضوا على الاميركيين الوقائع كما كانت. إنهم يلعبون لعبة سياسية بالأمن القومي، ويجب ان يكون الأميركيون قادرين على الاقتناع بأن ما يقوله لهم الرئيس صحيحاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمسائل حيوية على صلة بالحرب والسلام". وتابع كيري: "علينا ان نعيد الصدقية للولايات المتحدة في العالم، وثقة الاميركيين بحكومتهم. يجب ان يتولى الرئيس مسؤولياته لمواجهة الحقيقة وكي يقولها للشعب الاميركي". وسعى تينيت الى تجنيب "سي آي اي" أن تصبح كبش فداء في الجدل الدائر حول أسلحة الدمار الشامل العراقية وحرص في الوقت ذاته على حماية بوش. وفي واحدة من مداخلاته النادرة، دافع تينيت، الذي يرأس منذ سبع سنوات تقريبا وكالة الاستخبارات، عن هذه المؤسسة، مؤكداً منذ بداية كلمته ليل أول من أمس، انها لم تؤكد يوماً أن اسلحة الدمار الشامل العراقية تشكل "خطراً وشيكاً"، لكنه لم يبلغ حد انتقاد خوض الولاياتالمتحدة الحرب على العراق، على أساس هذا التأكيد الذي صدر عن ادارة بوش، وهو ما كان يرغب فيه الديموقراطيون أو غيرهم ممن ينتقدون الحرب. وحاول تينيت في كلمته في جامعة جورج تاون الدفاع عن ادارة بوش، نافياً تعرض الوكالة لأي ضغوط سياسية، للمبالغة في الحديث عن التهديد الذي تشكله اسلحة الدمار الشامل العراقية. وزاد: "لم يقل لنا أحد ما علينا ان نذكره وكيف نذكره، وأؤكد لكم ان رئيس الولاياتالمتحدة يتلقى معلوماته من مجموعة واحدة ومن شخص واحد هو انا، وقال لي بحزم وبوضوح انه يريد الحقائق الخالصة وليس معلومات موجهة". لكن تينيت لمح الى ان السلطة السياسية هي التي فسرت المعلومات الاستخباراتية بهذه الطريقة. ورأى زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ توم داشل ان خطاب تينيت "يثير شكوكاً جديدة في التصريحات التي أدلى بها كبار المسؤولين في الادارة لاقناع الكونغرس بالسماح بخوض الحرب". وذكر الباحث في مركز معلومات الدفاع ماركوس كوربين ان إدارة بوش "تحدثت بوضوح عن خطر وشيك، وإذا اردنا تحديد المسؤوليات في هذا الخطأ الظاهر في تقدير خطورة الاسلحة العراقية، فإن الادارة تتحمل تسعين في المئة منها وأوساط الاستخبارات عشرة في المئة". لكن تينيت اعترف بوجود بعض الثغرات في جمع المعلومات في شأن العراق، خصوصاً النقص في "عناصر الاستخبارات البشرية" أي الجواسيس على الارض. كما أقر بأن وكالته أبقت بعض المعلومات الاستخباراتية التي تبين لاحقاً انها خاطئة، وبأن الوكالة بالغت في تقديرها للقدرات النووية لنظام صدام. ديفيد كاي أما ديفيد كاي فطالب اللجنة التي يشكلها بوش للتحقيق في المعلومات الاستخباراتية الاميركية قبل الحرب، بالتحقيق أيضاً في إذا كان السياسيون أساؤوا استخدام تلك المعلومات. وقال كاي ليل الخميس: "هذا تساؤل مهم يجب فهمه". وأشار إلى أنه لم يجد خلال عمليات البحث عن أسلحة الدمارالشامل في العراق والتي استغرقت شهوراً، أي دليل على تلاعب بالمعلومات أو تعرض المحللين لضغوط سياسية لاستخلاص نتائج تتفق مع موقف البيت الابيض. وأشار كاي إلى احتمال أن يكون البيت الأبيض تجاهل بعض جوانب المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها له "سي آي اي" قبل شهور من الحرب. وجاءت تصريحات كاي الذي رأس مجموعة من خبراء الاستخبارات، بعد قليل من تأكيد تينيت أن الوكالة لم تتعرض لأي ضغوط في تقويمها للأسلحة العراقية. وكانت الانتقادات المتصاعدة التي وجهها كاي، لدى استقالته من رئاسة فريق التفتيش في العراق قبل أسبوعين، هي القوة الدافعة لقرار تشكيل لجنة مستقلة تحقق في المعلومات التي سبقت الحرب. وعزا كاي تقارير الاستخبارات التي تحدثت عن امتلاك العراق مخزونات بيولوجية وكيماوية قبل شن الحرب، إلى فشلها في الحصول على معلومات من مصادر بشرية في العراق، ومبالغتها في تحليل ما لديها. لجنة الاستخبارات وأكد المسؤولان عن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ السناتوران الجمهوري بات روبرتس والديموقراطي غاي روكفلر ان اجهزة الاستخبارات الاميركية ارتكبت اخطاء قبل الحرب. وقال روبرتس رئيس اللجنة بعد خطاب تينيت، ان "أخطاء ارتكبت وسنكشفها في تقريرنا". واعتبر أن "أجهزة الاستخبارات تحتاج الى اصلاح"، مكرراً أن "لا دليل على ان الادارة استخدمت المعلومات بطريقة غير ملائمة". أما روكفلر، المسؤول الثاني في اللجنة، فأعرب عن اعتقاده بأن "من المهم لأجهزة الاستخبارات الاعتراف بأنها اخطأت في شأن عدد كبير من المسائل، ومن المهم للكونغرس والرئيس والبيت الابيض الاعتراف ايضاً بأنهم أخطأوا في عدد من النقاط". وزاد: "عندما نعترف جميعاً بأخطائنا، نستطيع البدء بمحاولة بناء مستقبل أفضل وآمن". وكان روبرتس وروكفلر يتحدثان أمام بعض الصحافيين ليل الخميس، في ختام اجتماع لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لتقديم تقرير سري عن التحقيق الأولي في شأن ثغرات وكالة الاستخبارات الاميركية قبل الحرب على العراق. وستصدر نسخة عن هذا التقرير في آذار مارس المقبل.