"بين يوم سلام واسبوع من نار نعيش حياتنا في هذه المدينة"، هكذا يصف لطيف حامد 35 سنة الوضع في بعقوبة التي يطلق عليها العراقيون"مدينة البرتقال"لكثرة مزارعه فيها. وهي مركز محافظة ديالى التي تشهد مدنها هجمات مسلحة منذ أكثر من عام، لم تسلم منها المكتبات والصالونات النسائية والاسواق الشعبية، راح ضحيتها المئات من المدنيين، وتفشت فيها ظاهرة استهداف المساجد، كان آخرها تفجير مسجد شيعي بلغ عدد ضحاياه الثلاثين قتيلاً وعشرات الجرحى. ويستولي هاجس الخوف على حوالي مليون وخمسمئة الف عراقي من العرب والاكراد والتركمان موزعين في خمس مدن رئيسية، هي الخالص وبلد روز والمقدادية وخانقين بالاضافة الى بعقوبة. والمعروف ان هذه المدن تضم عدداً كبيراً من قادة الجيش السابق وقيادات حزب"البعث"المنحل، الا ان تركيبتها السكانية، كما يقول حامد،"ساعدت في احتضان جماعات مسلحة من شتى الاتجاهات، ما جعلها مسرحاً لتصفية الحسابات واستخدام العامل الطائفي للانتقام فيما بينها". وطالبت سلمى محمد 40 سنة معلمة،"من يتشدق بالاسلام ونصب نفسه وصياً، بالتحلي بالشجاعة والاعلان عن اهدافه بعيداً عن تدنيس حرمات الدين، وعليه التوجه الى قواعد المحتلين"، التي قالت إنها"الآن آمنة". اما كاظم حسين شيعي من الخالص فيقول ل"الحياة"ان"الشيعة لن ينجروا الى حرب ترسم في دهاليز مظلمة وينفذها مسلحون من شتى الاتجاهات". وتابع ان"هذه الثلة التي تزرع الموت في شوارع المدينة لن تتمكن من سلخ الجلد عن العظم فأهالي ديالى متوحدون والدليل على ذلك أن نصف القبيلة الواحدة من السنة والنصف الآخر من الشيعة ويرتبطون بجد واحد". ويشير احمد صالح عقيد متقاعد في الشرطة الى ان"منفذي العمليات المسلحة في بعقوبة والمدن الاخرى يحاولون"توظيف عاملي الوقت والمكان في هجماتهم والإيحاء للناس بأنها انتقامية ذات طابع طائفي وتعبئة العواطف المذهبية للدفع باتجاه الصدامات الاهلية". وقال انه"عند تحليل الجرائم تجد انها ناتج مطبخ واحد لجهة التخطيط والتنفيذ مع اختلاف الوسائل ما يؤكد وجود مخطط للايقاع بين الطوائف والقوميات واستثمار أي انفلات او فوضى امنية في بناء قواعد قيادية وتأهيل عناصر جديدة وتوسيع ساحة عملياتهم الى المناطق المجاورة"، خصوصاً بعد تعرض تنظيمات"القاعدة"وحزب"البعث"الى ضربة قاصمة في غرب العراق أدت الى تدمير مقراتهم وبعثرت اوكارهم". مصدر أمني في المحافظة اكد ل"الحياة"ان غالبية الهجمات"لا يعلن احد مسؤوليته عنها. تتبنى"القاعدة"بعضها وهي ذات صبغة طائفية مثل تفجير مساجد او قتل رجال دين. لكن العمليات المسلحة طاولت المكتبات ومحلات بيع المواد الانشائية والصالونات النسائية والاسواق الشعبية بالاضافة الى دور العبادة"، وعزا استشراء العنف الى الموقع الجغرافي للمحافظة التي تشترك بحدود واسعة مع محافظة صلاح الدين، معقل انصار الرئيس المخلوع والبعثيين، ولها حدود جنوبية مع بغداد في النهروان والمدائن التي تعتبر مركزاً للزرقاوي اضافة الى حدودها مع ايران التي تمتد الى اكثر من مئتي كيلومتر. وتعتبر من مناطق الاختراق الامني المهمة حيث عمليات التسلل مستمرة. والقي القبض على عدد من الافغان والهنود استخدموا ايران ممراً للوصول الى العراق سواء كمقاتلين او مهربي اسلحة اضافة الى المخدرات، ولم يخف المسؤول الامني قلقه من عدم ضبط مسالك حوض حمرين التي تربط ديالى مع صلاح الدين، خصوصاً اثناء عمليات القوات الاميركية والعراقية التي جرت في شرق سامراء والدور، حيث تمكن عدد كبير من الجماعات المسلحة من الهروب باتجاه ديالى واتخذوا من جبل حمرين ملاذاً وقاعدة امنية في عملهم.