قدمت أحداث العقد الماضي خدمات ذهبية لإيران. كانت المستفيد الكبير من هجمات 11 أيلول (سبتمبر). لم تكتف إدارة جورج بوش باقتلاع نظام طالبان في أفغانستان. دفعها غرور القوة الى اقتلاع نظام صدام حسين أيضاً. رأت إيران أعداءها يتساقطون من دون أن تطلق رصاصة. ثم رأت الآلة العسكرية الأميركية تتخبط في وحول انتصاراتها. شاركت بنشاط في استنزاف الآلة المرابطة قرب حدودها. ورأت فراغاً فسارعت الى محاولة ملئه. وظفت إيران التورط الأميركي لمصلحتها. أطلقت معركتين متزامنتين: البرنامج النووي وانتزاع دور الزعامة في الإقليم. الأسلوب الإيراني في التهديد والتلميح والتلويح والتأجيل والتفاوض والتصعيد وتحريك الأوراق دفع كثيرين الى الحديث عن البراعة الإيرانية ومزية الصبر الوافدة من صناعة السجاد. تطورات السنة الأخيرة التي بدأت بإعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد وما تبعها داخلياً وخارجياً دفعت المراقبين الى خفض انبهارهم بالبراعة الإيرانية. ثمة أسئلة يحق للمراقب أن يطرحها وفي سياق محاولة الفهم لا الإدانة. هل أخطأت إيران حين امتنعت عن ملاقاة اليد الممدودة من باراك أوباما؟ وهل كان عليها أن تغتنم فرصة وجود رئيس أميركي يقر بحقها في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية وفي أن تكون صاحبة دور في شؤون الإقليم وشريكة في بناء الأمن والاستقرار فيه؟ ثم أن أوباما أكد أن لا رغبة لدى بلاده في إطاحة النظام الإيراني الحالي وأبدى استعداده للتعامل باحترام مع هذه الأمة العريقة. يضاف الى ذلك أن أوباما عبر عن رغبة أكيدة في الانسحاب من العراق وتطلعه الى تسوية في أفغانستان تسهل الانسحاب لاحقاً، أي تفكيك ما تعتبره إيران طوقا عسكرياً أميركياً حولها. عدم التقاط العرض الأميركي يدفع بدوره الى أسئلة. هل تحتاج طهران الى درجة عالية من التوتر في الإقليم لتمرير طموحاتها النووية وفرض دورها؟ هل تحلم فعلياً بطرد الأميركيين من المنطقة لتلعب بعد ذلك دوراً حاسماً في ترتيبات الأمن والاستقرار؟ هل تريد إيران دور الزعامة في الإقليم أم انها تريد أيضاً زعامة العالم الإسلامي على رغم العوائق الطبيعية التي تقف في وجه هذا الطموح؟ هل التوتر مع أميركا عنصر طمأنينة للنظام لأن الانفتاح عليها يلزمه التخلي عن سياسات ومفردات ما يؤدي الى تصديع الوحدة حول النظام وهي تصدعت فعلاً بعد الانتخابات الرئاسية؟ وهل التهديدات بشطب إسرائيل من الخريطة جزء من معركة الإمساك بأوراق السلم والحرب في النزاع العربي الإسرائيلي وتحريكها على وقع الحسابات الإيرانية؟ أسئلة تقود الى أسئلة. تصر إيران على الطابع السلمي لبرنامجها النووي. تعلن أن إنتاج هذا النوع محرم شرعاً. لماذا إذاً لم تنجح في تبديد شكوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ لماذا لم تنجح في إقناع روسيا والصين؟ ولماذا باتت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تسلم عملياً بأن العقوبات الجديدة «لا مفر منها» وإن تمايزت مواقفها حول طبيعة العقوبات وانعكاساتها. تتصرف إيران كأنها لا تخشى الحرب. كأن الحرب لن تقع. تقول إن هذه الحرب تفوق طاقة إسرائيل. وإن أميركا لن تجرؤ على ارتكاب مثل هذه «الحماقة» لأنها تعرف أثمانها بالنسبة الى استقرار المنطقة وأمن النفط واأسعاره. ولكن إذا كانت الحرب مستبعدة، على الأقل في الوقت الحاضر، فماذا عن العقوبات؟ وما معنى أن يصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إيران بأنها «شريك صعب»؟ وما معنى أن تقبل الصين مبدأ حزمة جديدة من العقوبات على رغم مصالحها الكبيرة مع إيران؟ واضح أن إيران تندفع نحو نوع من العزلة الدولية. وأن العقوبات قد تؤدي الى تصاعد التوترات في الإقليم. لا مصلحة أصلاً للعرب في العداء لإيران. ولا في حروب جديدة في المنطقة. ولا في مبارزات إقليمية - دولية على الملاعب العربية. العرب أيضاً يعتقدون أن إيران تتصرف كشريك صعب من بغداد الى بيروت. ومن يدري فقد يؤدي استمرار السياسة الإيرانية الحالية الى شعور دمشق بأن طهران فعلاً شريك صعب.