من المؤلم ان العرب باتوا، امام ما يحف بالقضية الفلسطينية من مخاطر، شهوداً على الاحوال الصعبة المنذرة بتصفية القضية نهائياً لحساب الحركة الصهيونية. ويخيم الصمت على العرب حالياً ربما بسبب ذعرهم امام الاباطرة الاميركيين الآمرين بتجفيف قنوات المساعدات للشعب الفلسطيني. وقد يجد العرب لأنفسهم اعذاراً من قبيل ان دولهم جزء من المجتمع الدولي في نهاية المطاف وان هذا المجتمع الدولي يشترط على حكومة"حماس"الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود والتزام الاتفاقات الموقعة ونبذ العنف. وهذه شروط وضعتها الولاياتالمتحدة منفردة وفي اطار اللجنة الرباعية الدولية التي تضم بالاضافة اليها روسيا والاتحاد الاوروبي والاممالمتحدة. ولكن اذا كانت الاطراف الغربية التي طالما انحازت لاسرائيل قد قررت قطع المساعدات المالية والاقتصادية عن الفلسطينيين شعباً وحكومة، فان هذا يجب الا يعني بالضرورة اتباع الدول العربية النهج نفسه، كما يتبين من قرارات قمة الخرطوم، بل ان الالتزام القومي والاخوي والانتصار للفلسطينيين الواقعين تحت احتلال غير قانوني يجب ان تدفع هذه الدول الى مضاعفة مساعداتها. اما ضمن الاطار الفلسطيني، فإن السلطة باتت سلطتين احداهما ممثلة بالرئيس محمود عباس والاخرى تمثلها حكومة"حماس"وكل منهما سائرة في اتجاه مضاد لاتجاه الاخرى بحيث لم يعد للفلسطينيين الآن لغة واحدة لمخاطبة العالم. وثمة امثلة عديدة على ذلك، منها تنصل وزير الخارجية الفلسطيني الجديد الحمساوي الدكتور محمود الزهار من بعض العبارات الواردة في رسالته الى الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، مع انه يثني على دور انان الايجابي في اطار اللجنة الرباعية الدولية علماً ان لا شغل لهذه اللجنة سوى الترويج للتسوية على اساس دولتين. وقد نفى الزهار ان يكون اورد ذكراً لحل على اساس الدولتين او قال ان الفلسطينيين مستعدون للعيش في سلام مع جيرانهم. وواقع الحال ان الاممالمتحدة وزعت صورة رسالة الزهار موقعة بخط يده وفيها العبارتان اللتان حاول التنصل منهما. أليست هذه سذاجة في أقل تقدير أو محاولة بائسة لاستغفال إما الشعب الفلسطيني او المجتمع الدولي؟ ثمة مثال آخر هو قول رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك قبل ايام لرئيسة لجنة التنمية في البرلمان الاوروبي لويزا مورغانتيني انه واعضاء كتلة"حماس"في المجلس يعترفون بحدود 1967 و"بالتالي فهم يعترفون باسرائيل"، على حد قولها. فلم الاصرار اذن من جانب اقطاب حركة"حماس"واقطاب حكومتها على استخدام لغة مزدوجة واتباع نهج مغاير لنهج الرئيس عباس الذي هو نهج منظمة التحرير الفلسطينية؟ مثال آخر دعوة رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الدكتور صائب عريقات امس، من فوق رأس حكومة"حماس"، الى عقد مؤتمر دولي للسلام على اساس خريطة الطريق. وهذه فكرة صائبة لأن لا سبيل الى حل دائم الا عن طريق المفاوضات وليس بالخطط الاحادية التي تحاول حكومة اسرائيل فرضها بالقوة، ولكن ألم يكن من الافضل توحيد الصوت الفلسطيني؟ من الواضح ان ثمة توتراً بين حركة"فتح"في جهة وحركة"حماس"في الجهة الاخرى، وهو امر يمكن ان يعتبر عادياً ومتوقعاً بعد فوز"حماس"الباهر في الانتخابات وهزيمة حزب السلطة الذي صار الآن في المعارضة لولا الهجمة الاسرائيلية الوشيكة المتمثلة في"خطة الانطواء"التي يعتزم ايهود اولمرت تنفيذها احادياً في غضون سنة ونصف سنة من الآن قبل خروج جورج بوش من البيت الابيض. ولعل الحركتين تدركان ان من الامور العاجلة التكاتف معاً لدرء مخاطر هذه الخطة الاسرائيلية. ان السلطة الفلسطينية، بكل مؤسساتها، تقف الآن امام احتمال انهيارها لعدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها. ويتحمل العرب بالدرجة الاولى مسؤولية الانهيار اذا ما حدث. واخيراً لا بد ان يفهم الاوروبيون ان قطعهم المساعدات عن الحكومة الفلسطينية يعني قطعها عن الشعب الفلسطيني. ولن تنفع المحاولات التي يبذلها ناطقون اوروبيون لترقيع موقف دولهم بالاشارة الى البحث عن آليات لمواصلة"المساعدات الانسانية".