بدأت المطالب تنهال على رأس حركة"حماس"فور استيعاب الجهات المعنية بالصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ان الحركة فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية فوزاً باهراً نظيفاً معبراً عن الارادة الشعبية الفلسطينية. وسرعان ما اعلنت اسرائيل التي تخالف قرارات الاممالمتحدة بجدارها العازل في الضفة الغربية واعتبارها القدسالمحتلة عاصمتها الابدية وبإعلانها انها ستضم الكتل الاستيطانية المقامة على اراضي الضفة وستضم غور نهر الاردن، انها لن تحاور"حماس"الا بعد ان تعترف بها وبالاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وتقدم على نزع سلاح مقاتليها. واقل ما يمكن ان توصف به هذه المطالب الاسرائيلية هو انها وقحة، خصوصاً انها تأتي في حين تتخذ فيه اسرائيل كل هذه الاجراءات التوسعية التي تعني مصادرة اكثر من 40 في المئة من مجموع مساحة الضفة المحتلة منذ حرب حزيران يونيو 1967. ان اعتراف"حماس"باسرائيل في هذه الظروف يعني الاعتراف باجراءات الضم والمصادرة والسياسات الاحتلالية الاخرى الموجهة ضد الشعب الفلسطيني، اغتيالاً وسجناً واعاقة حركة وحصاراً وقطع ارزاق. لقد ساير الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة اسرائيل في مطالبها وهددا بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني. وفيما تناسى الاوروبيون ان اسرائيل هدمت معظم المشاريع الفلسطينية التي مولوها، ذهبت اميركا الى ما هو ابعد من تناسي القرارات الدولية التي تتجاهلها اسرائيل وشاعت انباء عن اشتراكها مع اسرائيل في خطة لزعزعة اركان السلطة الفلسطينية بحرمانها من المساعدات وعدم التعامل مع حكومة"حماس"او التحدث الى الحركة اضافة الى اجراءات كثيرة اخرى ستفرضها قوات الاحتلال كإغلاق المعابر ومنع الحركة عبر الحواجز العسكرية وقطع الماء والكهرباء ووقف تسديد الاموال المستحقة للفلسطينيين من رسوم الجمارك على البضائع المستوردة الى المناطق الفلسطينية. ولم يكن اي من النفي الاميركي او الاسرائيلي لوجود خطة من هذا النوع مقنعاً، بل ان الاجراءات التي هدد بها اقطاب الحكومة الاسرائيلية تؤكد وجود خطة على وشك التنفيذ ربما اعتباراً من يوم غد السبت عندما ينتخب المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد رئيسه من كتلة الغالبية في المجلس، اي من"حماس". ان تهديدات اسرائيل بعدم التفاوض مع"حماس"الا اذا نفذت مطالبها تستدعي على الفور سؤالاً وجيهاً هو: متى تفاوضت اسرائيل آخر مرة مع السلطة الفلسطينية عندما كانت حركة"فتح"الحزب الحاكم في السلطة؟ ان الجميع يعرف ان اسرائيل تخلت عن اي تفاوض مع السلطة الفلسطينية واعتمدت، منذ ما قبل انسحابها من قطاع غزة، سياسة الاجراءات الاحادية الجانب التي تشكل في احد جوانبها، عدم اعتراف بالجانب الفلسطيني سلطةً وشعباً، وتمثل، من جانب آخر، فرضاً لحقائق توسعية جديدة على الارض بقوة الاحتلال العسكري. وقد حسب بعض العرب والفلسطينيين انهم يسدون معروفا ل"حماس"بقولهم، كما فعل العميد جبريل الرجوب مستشار الامن القومي لرئيس السلطة محمود عباس، ان كل المطلوب من"حماس"هو القبول بدولتين فلسطينية واسرائيلية وبالاتفاقات الموقعة مع اسرائيل وبمبادرة السلام العربية. وقد يكون صوغ المطالب الموجهة الى"حماس"بهذه الصيغة وسيلة لاغرائها بتلبيتها، اذ سيسأل هؤلاء: كيف يمكن"حماس"ان ترفض حلاً قبل به المجتمع الدولي كله ومن ضمنه المجموعة العربية؟ ان اسرائيل تعطي جوابها بأفعالها واقوالها، فلقد رفضت المبادرة السعودية التي تبنتها قمة بيروت العربية، وكانت مبادرة حكيمة تضمن لاسرائيل العيش في سلام وباعتراف عربي شامل مقابل الانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها عام 67 وقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع عاصمتها القدسالشرقية. ويتمثل رفض اسرائيل الفعلي لحل الدولتين في انجازها جزءاً كبيراً من مخطط ضم اراضي الدولة الفلسطينية الموعودة وتمزيق اوصال ما قد يتبقى منها. فما الفائدة من ان يطالب العرب"حماس"بحل لم يعد قائماً، وما فائدة الجري وراء سراب كاذب؟