غياب الأرقام الرسمية الأردنية في ما يتعلق بهجرة الكفاءات إلى الخارج يؤكد في شكل غير مباشر قلة الكفاءات التي تغادر المملكة بحثاً عن عمل. لكن هذا لا يعني أن كل العقول الشابة التي تتمتع بكفاءات عالية تبقى في مكانها. يعني هذا أن عددها قليل، لذا لا تشكل ظاهرة مثل دول أخرى، بخاصة أنّ النسبة الأكبر من الكفاءات الأردنية تهاجر إلى دول الخليج العربي للعمل، فلا تصنف في خانة"هجرة العقول الخارجية"، إذ تبقى في بلد عربي، وهي تعود في نهاية المطاف إلى بلدها. لكن قطاعاً واحداً في المملكة يجعل"هجرة العقول"الأردنية أقرب إلى الظاهرة، وهذا القطاع هو قطاع الطب. إذ تشير تقديرات غير رسمية إلى وجود نحو ثلاثة آلاف طبيب وممرض أردني، جلهم من الشباب، خارج البلاد، يتركز معظمهم في بريطانيا. وعلى رغم أن الجامعات الأردنية تزود السوق المحلية بنحو 650 خريجاً سنوياً في قطاع التمريض وحده، فإن هذا القطاع، الذي يشغله الشباب في الغالب، شاغر من الأردنيين بل يكاد يزيد عن عدد مقدمي الطلبات، وهذا ما دفع المستشفيات الخاصة على وجه التحديد الى اللجوء إلى ممرضين من شرق آسيا لسد الفراغ الذي يتركه غياب الممرضين الأردنيين. ويبدو العامل الاقتصادي أكثر ما يدفع شباباً كثيرين اختاروا لأنفسهم هذه المهنة إلى الهجرة بحثاً عن عمل. فالرواتب التي يتقاضاها الممرض في الأردن لا تضاهي تلك التي يمكن أن يتقاضاها الممرض نفسه في مكان آخر، على رغم أن رواتب الممرضين في المملكة زادت بنسبة قاربت مئة في المئة خلال السنوات الأخيرة. بشار 22 عاماً طالب جامعي، ينتظر نيله شهادة البكالوريوس ل"يطير"إلى الخارج بحثاً عن عمل جاهز، على رغم توافر الفرص في المستشفيات المحلية. يقول:"أسلوب العمل غير منظم في المستشفيات هنا. هذا ما لاحظته في أكثر من زيارة إلى عدد من المستشفيات، وهذا ما أكده لي كثيرون من زملاء المهنة المستقبليين". ويضيف:"الرواتب أيضاً متدنية هنا، على رغم أن كفاءة الممرض الأردني جعلت سمعتها عالمية. وهذا ما جعل الممرضين الأردنيين يخضعون لعوامل الجذب في الدول القادرة على تقديم رواتب أعلى". لكن بشار لا يستطيع وضع الهجرة التي يفكر فيها ليل نهار في خانة"هجرة الكفاءات الأردنية إلى الخارج". يقول:"في المدرسة كانوا يحذروننا من مخاطر هجرة الكفاءات والعقول إلى الخارج. لكن ما الحل؟ هل أبقى هنا لأظل كما أنا؟ أريد أن أتطور وأن اكتسب المزيد من الخبرة. أظن أن ما يحدث هو ذهاب"العقول"إلى مكانها الطبيعي الذي تستطيع التطور فيه. أنا لا أسمي هذا هجرة". وسخرية بشار تحمل جانبًا إيجابياً يتغنى به الشباب الساخر عن فكرة"هجرة العقول إلى الخارج". فكثيرون يرون أنها تدعم الاقتصاد الوطني، برفده بالعملة الصعبة ? على أساس أن"العقل المهاجر"لا بد من أن يرسل إلى أقاربه مبلغاً من المال. كما يرون أنه يخلق فرص عمل لخريجين جدد. لكنهم في المقابل، يتناسون الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تتكبدها بلادهم، والتي تقدر في العالم العربي بنحو بليوني دولار، بحسب مدير منظمة العمل العربية إبراهيم قويدر.