باتت الهجرة اليوم خياراً يتشبث به الشباب الأردني لحل مشاكله الناتجة عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما السياسية. منذ سنوات وعبادة أحمد (28 عاماً) يبحث عن فرصة عمل في المستشفيات الأردنية بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في تخصص التمريض، لكن من دون جدوى. وعمل عبادة في مهن شتى بعدما تقطعت به السبل، حتى إنه لم يرفض عمل العتالة وبيع الخضار. لكن خيار الهجرة إلى الخارج بقي حلماً يراوده، وظلت عيناه ترنوان إلى دول الخليج. وبلهجة تخللها الغضب يقول الشاب العشريني: «فرص العمل التي بحثت عنها بلهفة جاءت من خارج الحدود. فحزمت أمتعتي منتظراً موعد الهجرة إلى السعودية، للعمل ممرضاً في احد المستشفيات الحكومية». ويضيف الشاب وهو يتابع مع رفاقه عروض العمل التي تغص بها الصحف المحلية: «إعلانات العمل في بلدي كثيرة، لكنها تذهب بسهولة لمن يمتلكون الواسطة والمحسوبية». وللشاب حسن أبو زاهر (29 عاماً) قصة مشابهة بعدما تجرع حرمان الوظيفة. يتحدث أبو زاهر كيف تأبط سنوات طويلة شهادته الجامعية التي حصل عليها من قسم الهندسة بالجامعة الأردنية، عله يجد فرصة عمل في إحدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة. ويقول: «أرباب العمل يضعون عقبات كثيرة أمام الشباب، فهذا يشترط خبرة لا تقل عن عامين، وذاك يعرض مرتباً زهيداً لا يلبي متطلبات الحياة، ومؤسسات الدولة تدعو مراجعيها إلى الالتزام بأدوارهم الوظيفية التي يحددها ديوان الخدمة المدنية». طوابير لا تنتهي من الباحثين عن عمل في ديوان الخدمة المدنية، تشكل دافعاً آخر لتشبث الشباب من اصحاب الكفاءات العلمية والمهنية بفكرة الهجرة، علماً أن ذويهم غالباً ما يعارضون الفكرة. الانتظار الطويل في صفوف العاطلين عن العمل على باب الديوان الذي يختص بتوزيع حملة الشهادات للعمل في مؤسسات الدولة، دفع أبو زاهر للهجرة الى الدوحة، ويتقاضى أضعاف ما كان يعرض عليه من مرتبات شهرية في بلده الأم. وتظهر آخر الأرقام الصادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية، أن عدد المغتربين الأردنيين يتجاوز 600 ألف، غالبيتهم هاجروا إلى السعودية والإمارات العربية والكويت للعمل في قطاعات مختلفة، مثل التعليم والهندسة والتمريض وغيرها من الأعمال الفنية. عصابات الهجرة ثمة من بدأ هجرة مجهولة النتائج نحو دول الاتحاد الأوروبي، ممن تسربوا مبكراً من التعليم، وساءت أوضاع أسرهم. هذا النوع من الهجرة محفوف بالمخاطر، فبوابة المرور تحتكرها عصابات التهريب داخل تلك البلدان. أحمد مراد (29 عاماً) واحد من الشبان الذين لم يحظوا بفرصة إكمال دراستهم فقرر الهجرة إلى النمسا. تجرع مرارة النوم في الطرقات، وأكل الخبز البائت، والعمل في العتالة، والقصارة، وغسل الصحون في الفنادق، في سبيل حلم اتضح لاحقاً أنه زائف. وقع الشاب ضحية عصابة اشترطت عليه مقدماً دفع المال لتؤمن له عبوراً آمنا لم يتم من سلوفاكيا إلى جارتها النمسا، التي يحتاج دخولها السير في إجراءات معقدة. ويقول أحمد: «وصلت إلى سلوفاكيا بعد أن دفعت 1500 دولار، على أن أدفع ألفاً أخرى ليتم تهريبي إلى النمسا، وبعد وصولي إلى براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا تبين أن الأمر عبارة عن خدعة، خسرت فيها كل ما لدي من مدخرات متواضعة». ظروف قاسية أيضاً دفعت بعلي العبادي (26 عاماً) الى مغادرة الأردن متوجهاً إلى السويد، عساه يؤمن حياة كريمة لعائلته. وسرعان ما وجد نفسه مجبراً على استقراض مبلغ 1500 دولار لشركة سياحية وفرت له فيزا السفر التي يعسر تأمينها في الظروف العادية، ليفاجأ بصعوبة الأوضاع هناك، إذ أجبر على العمل في مهن بسيطة محدودة الدخل، لم تعوضه آلام الغربة. والبطالة التي تقر الحكومة الأردنية بتحولها إلى ظاهرة مقلقة تسعى لمحاربتها، تعتبر الدافع الأبرز للهجرة، ذلك ان باب التوظيف في القطاع العام ونتيجة للتحولات الاقتصادية، لم يعد قادراً على استيعاب الخريجين الجدد. العجز عن التوظيف رأت فيه حراكات شبابية ضعفاً في الدولة نتيجة استشراء الفساد. وبدأ الشارع يعج بشبان غاضبين تحت شعارات عديدة، أبرزها مواجهة الظلم والتصدي لما باتت تعرف بقوائم التعيينات الخاصة بأبناء المسؤولين، في إشارة إلى أن الوظائف تذهب لطبقة معينة. ووصل معدل البطالة العام الماضي استناداً إلى دائرة الإحصاءات العامة الى 13.5 في المئة. لكن الإحصاءات غير الرسمية تشير إلى أن النسبة تزيد عن 25 في المئة معظمهم من الذكور. وحذرت دراسات بحثية حكومية وأهلية أخيراً من استنفاد الرصيد البشري المؤهل والمتعلم، في بلد نصف سكانه من الشباب. وتحدثت تلك الدراسات عن نقص البرامج المعنية بإعادة تأهيل العاطلين عن العمل، وانتشار الواسطة والمحسوبية، وانسداد آفاق الحرية التي تتيح للشباب حرية التعبير، والبحث عن حياة أفضل لتحسين مستوى المعيشة. ويرى المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي، أن افتقار المملكة للمبادرات الاقتصادية الخلاقة، يدفع الشباب إلى تنمية طموحهم في دول أخرى. وحول مساهمة المغتربين الأردنيين في الاقتصاد الوطني، يقول الدرعاوي: «مساهمتهم تصل إلى مليارين ونصف مليار دولار سنوياً، تشكل ما نسبته 20 في المئة من احتياط المملكة من العملة الأجنبية». وتؤكد إحدى دراساته أن خطر الهجرة «يكمن في عدم عودة الشباب إلى أوطانهم، وتأثرهم بالدين والعادات والتقاليد في دول الهجرة».