مَنْ يصدّق أن الطبيب المقيم الكويتي الذي تبتعثه وزارة الصحة الكويتية أو جهة عسكرية هناك إلى السعودية كي يتدرب في مستشفياتنا يحصل على راتب يعادل راتب طبيب استشاري سعودي أفنى عمره في المهنة؟ قد يبدو الأمر نكتة، لكنه للأسف واقع محرج ومؤلم للأطباء السعوديين؛ ففي الوقت الذي نثق فيه تماماً بالطبيب السعودي، وبخبرته، وكفاءته، ونفضله على غيره، ليس لسبب وطني أو عنصري، بل لأن معظمهم أثبتوا قدراتهم الفائقة في مجالاتهم، نجد أن القائمين على قطاع الصحة وصانعي سلم مرتبات الأطباء لم يثقوا بهم، ولم يمنحوه ما يستحق من تقدير؛ ما يقوده إلى أحد ثلاثة حلول: البحث عن دخل إضافي في مستشفيات وعيادات خاصة؛ ما يقلل من كفاءته وإخلاصه في عمله في المستشفيات الحكومية، بل تحويل الحالات لديه إلى عيادته الخاصة، بحثاً عن مزيد من الدخل، مع مطاردته حتى في هذا المخرج، أو البحث عن فرصة عمل في إحدى الدول المجاورة، علماً بأنه تم التضييق على عمل هذه الكفاءات الطبية في الدول الخليجية، فلا هم رحموا أوضاعهم وشعورهم بالغبن، ومنحوهم ما يستحقون من تقدير، ولا هم تركوهم يبحثون عن رزقهم. لذا لم يكن التضييق أو المنع حلاً في يوم من الأيام؛ لأن هناك حالات من الأطباء السعوديين قد استقروا تماماً في الغرب، وحصلوا على جنسيات أجنبية هناك؛ فعلاج المشكلة من جذرها هي منحهم المرتبات التي تتناسب مع قدراتهم، ومساواتهم بغيرهم من الأطباء في الدول المجاورة، أو حتى مساواتهم مع الأطباء الأجانب الذين يعملون معهم في المستشفيات، خاصة في مستشفيات التشغيل الذاتي، التي تتعاقد مع الأطباء والممرضات وتمنحهم مرتبات الفئة التي تخص جنسياتهم لا قدراتهم وكفاءاتهم؛ فلا يعقل أن الطبيب السعودي، ولأنه سعودي فقط، يصنف ضمن فئات الجنسية (C) مثلاً، وفي داخل بلده، الذي ينتظر منه أن يقدره ويمنحه الامتيازات كافة، بينما الأمريكي والأوروبي يتم منحهما فئات تصنيف عالية؛ وبالتالي مرتبات مجزية، والأمر كذلك يرتبط بالممرض والممرضة السعوديَّيْن اللذين يأتيان في مرتبة تصنيف أقل بسبب جنسيتهما! وهل يعقل أن ينصح طبيب جراح أعصاب متميز طلابه بألا يتخصص أحدهم في مجال جراحة الأعصاب؛ لأن ما يتقاضاه من دخل لا يختلف عن غيره من الأطباء الآخرين، ذوي التخصصات المتاحة وليست النادرة، فيقنعهم بأن الطبيب الجراح العام لا يختلف عنه في المزايا، رغم ندرة تخصصه وصعوبته، ورغم التقدير الذي يمنحه الغرب لهذه التخصصات النادرة. أعتقد أن الكوادر الطبية السعودية، من أطباء وطبيبات وممرضين وممرضات، بحاجة إلى النظر سريعاً في أوضاعهم، قبل أن نكتشف أنهم يخططون على أقرب فرصة مناسبة للهجرة، سواء داخل إطار دول الخليج العربية، أو حتى في الدول الأجنبية، فمن غير المعقول أن ندّعي أننا نبحث عن كفاءات أجنبية؛ كي نتعاقد معها للعمل في مستشفياتنا، بينما نحن نفرّط بكفاءاتنا الوطنية، ونتجاهل أمر هجرتها إلى الخارج، لأسباب بسيطة تتعلق بالجوانب المالية والحوافز التشجيعية التي يمكن حلها.