إن من الظواهر الصحية والإيجابية التي أصبح المواطن المغربي يستحسنها ويشجعها هي تلك الحركات الاحتجاجية المنظمة من طرف مجموعة من التنظيمات النقابية والسياسية ومكونات المجتمع المدني التي بدأت تستوعب أن القوة تتمثل في التكتل والوحدة ولم الشمل بدل التشتت والتقوقع في مواقع الدفاع والتفرج وزرع بذور الفتنة والبلبلة وشن حروب داخلية، سواء بين هذه التنظيمات أو داخل التنظيم الواحد بهدف تفتيت قوى المناضلين الحقيقيين واستغلالها لضرب العمل النضالي الجاد. فعلى رغم الاختلافات الإيديولوجية والمرجعيات الفكرية وتنوع الأهداف المنشودة، استطاعت بعض التجارب في العديد من المدن المغربية من تجميع القوى الحية والديموقراطية، من نقابات وأحزاب وجمعيات مدنية ومؤسسات غير حكومية، حول طاولة واحدة للتداول حول عدد من النقاط المشتركة التي تهم المواطن المغربي، كمواجهة العولمة الاقتصادية وسياسة الخصخصة أو تتبع مسألة تدبير الشأن المحلي والتصدي للاختلالات التي تشوبه أو مناهضة سياسة الدولة في تفكيك بعض القطاعات العمومية أو ظاهرة الإغلاقات والتسريح الجماعي للعمال ومختلف المشاكل المتعلقة بالعمل كالمرونة والهشاشة أو الهجوم الكاسح والشرس على القدرة الشرائية للمواطن أو التضييق على الحريات النقابية، ومن ضمنها الحق في الإضراب أو رفض جميع المخططات الرامية إلى فرض ما يسمى بالسلم الاجتماعي وغير ذلك من المواضيع التي تستأثر باهتمام الشارع المغربي وتشكل خطراً محدقاً بكرامة المواطنين ومستقبلهم. إن النقاط المشتركة والأهداف التي من شأنها أن تجمع وتوحد كل هذه الفعاليات وتجعلها تتموقع في صف الهجوم بدل الدفاع وتجعل منها قوة ضاربة وورقة ضغط على الأطراف المعنية بتحسين ظروف العيش الكريم وتوفير الشغل لعموم الجماهير أكثر بكثير من تلك الجزئيات التافهة وبعض الاختلافات التي تفرقها وتجعل منها مجموعات معزولة ومنكمشة وغير فعالة ومقوقعة في مقراتها التي نادراً ما تفتحها إلا للانتخابات أو بعض التجمعات بين الفينة والأخرى، مما يجعلها غير قادرة على ملامسة استفحال المشاكل والهموم التي أصبحت تهدد القوت اليومي للمواطنين. ومن بين هذه المبادرات الإيجابية ومظاهر التكتل والتوحد للقوى الحية والديمقراطية ما عرفته مدينة وادي زم أخيراً من إطلاق مولود جديد، وجدير بمدينة مناضلة على رغم سياسة التهميش التي تطاولها، يتمثل في إطلاق"المبادرة المحلية للاحتجاج على ارتفاع الأسعار"والتي تضم هيئات سياسية ونقابية وجمعوية في المدينة عقدت اجتماعات ناقشت فيها مواضيع تهم مستقبل المدينة التي تعاني من مظاهر التهميش والتخلف على رغم وجودها بالقرب من أكبر مناجم الفوسفاط في المغرب وغياب المشاريع الاستثمارية والتنموية وعدم الاهتمام بها من طرف البرلمانيين المتعاقبين الذين يظهرون فقط مع الحملات الانتخابية ليتفرغوا بعد ذلك لمشاريعهم الشخصية غير آبهين بمشاكل وهموم من انتخبوهم، وكذا ظاهرة ضرب القوة الشرائية للمواطن من خلال الزيادات المتتالية وغير المبررة التي عرفتها العديد من المواد الأساسية، وكذا الرفع من نسبة الضريبة على القيمة المضافة TVA التي تم تمريرها ضمن قانون المالية لسنة 2006 الذي كان الفريق الكونفيديرالي من المصوتين والمصفقين عليه، ومطبقاً لإملاءات صندوق النقد الدولي ومتجاهلاً لطموحات وانتظارات عموم الشعب المغربي. إن المبادرة المحلية التي تم إطلاقها بمدينة وادي زم والتيپقررت تنظيمپوقفة احتجاجية يوم الأربعاء 29 آذار مارس 2006 بوسط المدينة ساحة الشهداء تعبيراً منها عن الرفض الجماعي للزيادات في الأسعار ولضرب القدرة الشرائية ستشكل منعطفاً إيجابياً ونقطة تحول من شأنها أن تساهم في تأسيس علاقات تضامنية بين الهيئات المكونة لها وتعطي الضوء الأخضر للمضي قدماً نحو فتح نقاش جدي وبناء حول القضايا التي تهم المواطنين. إن المتتبع لما آلت إليه أوضاع مدينة وادي زم التي جرت شوارعها بالدم إبان فترة المقاومة والتي تجري الآن بدم المهمشين والمعطلين والمقهورين والفقراء لما يعانونه من تدهور شامل في جميع نواحي الحياة اليومية وتقادم واهتراء البنية التحتية للمدينة وبعض المرافق العمومية وانتشار الأزبال وقتل المناطق الخضراء ونهب الأشجار وغياب كبير بل وتام للمشاريع التنموية التي من شأنها أن تخلق مناصب شغل للسكان، خصوصاً بعد إغلاق معمل"إيكوز"الذي كان يشغل حوالي 500 عامل وعدم إعادة فتحه على رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة، ليبكي دماً هو الآخر من هذه الوضعية المزرية واللاإنسانية التي تعرفها المدينة من دون أن يحرك المنتخبون والبرلمانيون والمسؤولون الحكوميون ساكناً. خالد جلال - بريد الكتروني