المظاهر خدَّاعة حقاً. فبعدما بدا لمعظم متتبعي حركة الساحة الثقافية الجزائرية ومستجداتها ان ملف الأزمة التي شهدها اتحاد الكتاب الجزائريين ألقت ظلالها على المشهد الثقافي برمته طيلة أشهر الخريف الماضي قد طُوِي، وإن الأمر استتبَّ للأمانة الجديدة المُنبثِقة عما سُمِّي بالمؤتمر الاستثنائي الذي عُقِد في مدينة سكيكدة شرق الجزائر، ها هي القضيةُ تبعثُ من جديد والأمور تعود إلى نقطة البداية. والمناسبة هي أن الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر العاصمة نطقت اليوم الاثنين الفائت بحكمها القاضي ببطلان مؤتمر سكيكدة قانوناً وبالتالي بطلان كلّ ما ترتَّب عنه وبإلغائه. الأزمة بدأت في منتصف أيلول سبتمبر الماضي بإقدام المجلس الوطني المنعقد في قسنطينة حينها على إقالة عز الدين ميهوبي الحياة، 21/09/2005 وهو ما لم يتقبَّله فدخل في خلاف مع المجلس واللجنة التحضيرية للمؤتمر التاسع. وهو خلاف شغل الرأي العام الجزائري وتابع حلقات مسلسله عبر ما كانت تنشره الصحافة المحلية والعربية في الموضوع. بعدما يئِس من ثني المجلس عن قراره لجأ ميهوبي إلى حلِّه وحلِّ اللجنة التحضيرية. ثمَّ ظهر فجأة في ما يشبه المسرحية المحبوكة بإتقان فريق ثالث أعلن عن لجنة تحضيرية لمؤتمر استثنائي سرعان ما حدَّدت تاريخه أسبوعاً بعد ذلك، مرتكبة خطأً قانونياً فادحاً بتجاوزها النصوص القانونية المنظِّمة لسير الهيئة من جهة وللمجلس الوطني المنتخب في طريقة شرعية ديمقراطية من جهة أخرى، في مراهنة واضحة على جملة عناصر منها المفاجأة والسرعة والأمر الواقع. فعقدت مؤتمراً قاطعته معظمُ الأسماء الفاعلة في الساحة الثقافية الجزائرية وغابت عنه معظم جِهات الوطن. وانبثق عنه مجلس وطني موازٍ وأمانة أسندت رئاستها الى الروائي عبد العزيز غرمول. وبذلك تكرَّس الانقسام في الساحة الثقافية الجزائرية وعزَّز العزوف التقليدي عن الاتحاد. كان واضحاً أن المؤتمر عُقِد بإسناد ودعم واضحين من جهات ما، وانعكس ذلك في الإمكانات والتسهيلات الكبيرة التي سُخِّرت له، وفي السرعة التي أجريت بها الأمور، وهي التي تأخذ عادة ما لا يقلُّ عن ثلاثة أسابيع من التحضير في الظروف العادية. وأمام وضع كهذا لم يكن أمام اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني إلا إصدار بيانات ألحَّت فيها على رفض الأمر الواقعپوعدم الاعتراف بالمؤتمر وبما ترتَّب عنه جملة وتفصيلاً، ورفع الأمر الى القضاء لا سيما أمام صعوبة الحصول على رخصة لعقد المؤتمر العادي، والخرق الواضح للقانون الذي مارسه الفريق الآخر. وبنظرها في القضية في جلسة 03/04/2006 ونطقها بالحكم في جلسة 17/04/2006 تكون الغرفة الإدارية لمجلس قضاء الجزائر قد فتحت آفاقاً أخرى في الموضوع. ووفرت للصحافة المحلية مادة دسمة ستشغلها لفترة كما كان عليه الحال طيلة الشهور الثلاثة الأخيرة من السنة الفائتة. لذا سارع المجلس الوطني واللجنة التحضيرية إلى تحية القرار والإشادة به وبحياد المحكمة ونزاهتها معلنة أن المؤتمر التاسع العادي سيعقد في أجل أقصاه نهاية الأسبوع الأول من شهر أيار مايو المقبل. ويبدو أن الإثارة ستبقى حتى ذلك التاريخ هي سيدة الموقف. لن ننهي الموضوع من دون الإشارة إلى أن اتحاد الكتاب ظلَّ على رغم ضعفه وهزاله وعلى رغم الإنهاك الذي يتعرض له منذ فترة، إحدى جمعيات المجتمع المدني التي أثارت وما زالت تثير أطماع جهات كثيرة. لذا كانت دائما وستظلُّ مسرحاً للصراع وهدفاً للمناورات ومحاولات الاحتواء. هذا عدا كون الاتحاد واجهة عاكسة بامتياز لصراعات الكتاب الجزائريين وخلافاتهم، المعرَّبين منهم على وجه الخصوص نظراً الى اعتبار الغياب شبه التام لنظرائهم الذين يكتبون بغير العربية.