تميزت الجلسة النيابية الأولى للبرلمان اللبناني المخصصة لمناقشة مشروع قانون موازنة عام 2005 أمس بالمداخلة التي أدلى بها النائب غسان تويني، واقترح خلالها على الحكومة"ان تقوم بمبادرة حوارية مع حركة"حماس"وان تمد لها يد المساعدة في الحوار الذي أعلنت انها ستقوم به او تنشده مع أوروبا". وقال:"ان المقاربة البراغماتية التي قامت بها"حماس"في انتصارها الديموقراطي لثورتها الخضراء الرائعة من شأنها ان تخلق أجواء فلسطينية إيجابية بالنسبة الى لبنان إذا أحسن اللبنانيون ولا أعرف إذا كان وزير الخارجية هنا او ما زال معتكفاً التعامل مع ما كان يبدو لنا تطرفاً فلسطينياً وإذا به يتكشف عن اعتدال عظيم". ونوه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة باقتراح تويني، وقال:"بادرت شخصياً الى الاتصال بحركة"حماس"وبالمسؤول فيها وأبديت له الاستعداد للتعاون ومد الجسور بيننا وبين السلطة الفلسطينية". وأعلن السنيورة انه سيأخذ هذا الاقتراح"بأبعاد إضافية في المرحلة المقبلة". وأضاف:"لا شك في أن هذه هي مرحلة جديدة ويجب ان نؤيدها وان نساعدها وفي ذلك منفعة عربية قومية وأيضاً مصلحة لبنانية". كما تميزت الجلسة ايضاً بإعلان وزير المال جهاد أزعور عن برنامج شامل أعدته الحكومة يترجم رؤيتها الاقتصادية ستسعى الى إطلاق حوار وطني حوله يسهم في التوصل الى ميثاق اقتصادي اجتماعي بين كل الفرقاء من هيئات اقتصادية واجتماعية ومختلف التيارات السياسية بما فيه مصلحة الاقتصاد الوطني ومصلحة اللبنانيين. كما قال أزعور ان الحكومة ستعرض هذا البرنامج ايضاً على المؤسسات الدولية والدول المانحة الشقيقة والصديقة لا سيما ان البرنامج الاقتصادي سيشكل ورقة الحكومة الى مؤتمر دعم لبنان والمتوقع ان يعقد في الأمد القريب حالما يكون لبنان جاهزاً لذلك. وأعلن أزعور أيضاً ان الحكومة"قد تضطر الى اللجوء الى زيادة متواضعة في بعض الضرائب لتعزيز حجم الإيرادات بما يعزز وضع المالية العامة نحن في أشد الحاجة اليها". وبما ان موازنة 2005 قيد المناقشة صرفت بكاملها على قاعدة الاثني عشرية وكذلك تمت جباية إيراداتها فإن معظم مناقشات النواب كانت في الوضع السياسي والعموميات ولم تركز على أرقام الموازنة. افتتحت جلسة المناقشة النيابية لمشروع قانون الموازنة قبل ظهر أمس برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري وتمثلت الحكومة برئيسها فؤاد السنيورة والوزراء باستثناء المعتكفين منهم لكن الوزير محمد فنيش حضر بصفته النيابية، وطلب بري في بدايتها الوقوف دقيقة صمت عن روح النائب الراحل أدمون نعيم ثم تم إعلان فوز النائب غسان تويني بالتزكية ورحب به بري. وكانت المداخلة الأولى للنائب بطرس حرب لفت فيها نظر المجلس الى عدم وجود هيئة قضائية يمكن ان يدعي أمامها، كما قرر ذلك في جريمة اغتيال الشهيد جبران تويني لأن الملف لا يزال أمام المحقق العدلي. ثم تكلم النائب تويني الذي طلب بأن"يرسل هذا المجلس تحية الى برلمان الكويت للإنجاز الديموقراطي الذي قام به والعلاقات بيننا وبين الكويت وثيقة، خصوصاً مع الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح الذي جرى أخيراً تنصيبه وأدى القسم". وأضاف تويني:"لا ننسى ان"أبو ناصر"عقد ودعا الى اكثر من مؤتمر لتسوية الازمة اللبنانية ورافق، وهو أقدم وزير خارجية في العالم العربي بل في العالم اجمع، القضية اللبنانية باستمرار، وأعتقد بأن برلمان الكويت أعطى أمثولة في الديموقراطية في زمن تعز فيه الديموقراطية ويعز فيه احترام القوانين". وبعد رد السنيورة على اقتراح تويني تلا مقرر لجنة المال والموازنة النائب أنطوان أندراوس تقريراً حول مشروع قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة التي بلغت نفقاتها عشرة آلاف بليون ليرة لبنانية أي بزيادة قدرها 600 بليون ليرة عن النفقات المقررة في موازنة عام 2004. ورأت اللجنة انه كان من الأفضل لو تم تضمين الموازنة كل النفقات والإيرادات مضافة اليها قيمة مساهمة الدولة في المشاريع الإنشائية والإنمائية الممولة بسحوبات من القروض الخارجية خلال سنة الموازنة ليكون النواب والرأي العام على اطلاع كامل على اجمالي عمليات الإنفاق الذي تقوم به الدولة ما يؤدي الى إعطاء صورة دقيقة عن المالية العامة وحقيقة العجز السنوي وحجم الدين العام المترتب على الدولة. وأما في ما خص الواردات فقد قدرت في مشروع موازنة 2005 بنحو 6917 بليون ليرة لبنانية في مقابل 6400 بليون كما هو مقرر في قانون موازنة العام 2004 مع الإشارة الى ان الواردات المحصلة عام 2004 بلغت 7075 بليون ليرة لبنانية وان التخفيض الحاصل في تقديرات الواردات لعام 2005 مرده الى الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد. وأضاف تقرير اللجنة ان العجز المقرر في مشروع موازنة 2005 بلغ 3083 بليون ليرة لبنانية أي ما نسبته 30.83 في المئة في مقابل 3000 بليون في قانون موازنة 2004 أي ما نسبته 31.19 في المئة. وأشار البيان الى ناحية إيجابية يتضمنها مشروع الموازنة وهو ما يتعلق بارتفاع قيمة الفائض الأولي الى نحو 817 بليون ليرة وهناك ايضاً إيجابية أخرى تتعلق بارتفاع مخصصات الخزينة العامة الممولة من وزارة الاتصالات اذ بلغت عام 2005 نحو 1350 بليون ليرة في مقابل 1150 بليون ليرة لبنانية كانت ملحوظة في قانون موازنة 2004 أي بزيادة قدرها 200 بليون ليرة. واختتم التقرير انه على الحكومة ان تبين الإصلاحات الهيكلية القانونية والاقتصادية والمالية والإدارية والتأكيد على ضرورة ترشيد الإنفاق وان ترفع معدلات النمو الحقيقي لتأتي هذه الإصلاحات مترافقة مع مشروع موازنة عام 2006. من جانبه اعتبر وزير المال جهاد أزعور في بيانه أمام المجلس ان الحديث عن موازنة 2005 مناسبة وعبرة: المناسبة هي الدعوة الصادقة الى ضرورة اجراء مقاربة جديدة للشأن الاقتصادي عبر التلاقي على الأولويات العامة للبلاد التي يجب ان تشمل الاقتصاد وان تتخلى عن اعتباره من الأمور الكمالية، أما العبرة فهي واضحة جلية وتتمثل بحضن الإصلاح مبدأ وممارسة. وقال:"ان الإصلاح هو أساس الموازنة الاول وجوهر السياسات الاقتصادية الوطنية وليس مادة للخلاف ولا للمزايدة. وعلى ذلك يساهم الإصلاح في تأمين الاستقرار الاقتصادي وتوفير الأمان الاجتماعي وفي تحسين البيئة الاقتصادية من خلال الاستعمال الأمثل للمواد المتاحة للوطن وكذلك في بناء الثقة وتعزيزها لدى المواطن والمستثمر". وأعلن ان برنامج الحكومة الاقتصادي يعتمد على خمسة محاور أساسية"اذ انها تحرص على إيلاء الجانب الاجتماعي في برنامجها اهتماماً خاصاً كما ترى ان تفعيل الاستثمار وتحفيز النمو وإطلاق طاقات الاقتصاد اللبناني تهدف الى إيجاد فرص عمل جديدة كما ان الحكومة باشرت بإزالة المعوقات المؤسساتية والتشريعية أمام الاستثمار وبخاصة المتعلقة بالروتين الإداري وفقدان الفاعلية وانخفاض مستوى الأداء ومخاطر الرشوة والفساد". ولفت أزعور الى ان السياسة النقدية تهدف الى تحقيق استقرار الأسعار الذي هو من المتطلبات الأساسية لتحفيز الاستثمار والنمو، وان برنامج تحرير قطاعات الخدمات العامة عبر التخصيص وإشراك القطاع الخاص هو جزء أساسي من برنامج الحكومة الاقتصادي الذي يساهم في تحرير الخدمات الحيوية في الاقتصاد وتحسينها ولا سيما قطاع الاتصالات والكهرباء والطاقة والنقل وتطويرها ورفع مستوى الاستثمار فيها، وذلك سيسهم من جهة في تطوير تلك القطاعات ورفع مستوى أدائها وخدماتها ومن جهة ثانية في إطفاء جزء من الدين العام. وكان النائب نعمة الله أبي نصر عضو كتلة"الإصلاح والتغيير"النيابية اول من بدأ بمناقشة مشروع الموازنة فهاجم الحكومة، مشيراً الى أننا أمام لوحة مؤلمة:"سلطة مفككة، موازنة عامة متأخرة خلافاً للدستور، وعدد من الدول المانحة لمؤتمر بيروت أصبحت"على الوعد يا كمون"وقضاء، ان استثنينا بعض القضاة المنزهين والمهمشين عادة، فإن نصفه مجمد ونصفه الآخر مسيّس ومرتهن وقد يكون فاسداً ما جعلنا نلجأ الى القضاء المستعار لمعرفة الحقيقة". أما النائب محمد قباني من كتلة"تيار المستقبل"فدعا الى ان يكون الكلام عن الهدر والفساد مستنداً الى وقائع وحقائق وأرقام ومستندات لأن الكلام في العموميات يشوش الناس ويؤدي الى ضياع الحقائق. وأشار الى ان قطاع الكهرباء كلف الخزينة قرابة ثلث الدين العام البالغ نحو 37 بليون دولار وان العجز السنوي لهذا القطاع بشهادة وزير المال بلغ 1500 بليون ليرة أي بليون دولار أي ثلث عجز الموازنة. أما النائب مروان فارس الحزب القومي فاعتبر"ان العقائد بين المؤمنين بالقضية الفلسطينية يزدادون داخل المجلس النيابي". وحيّا النائب غسان تويني وأشاد بانتصار"حماس"، وأشاد بإعلان النائب سعد الحريري في اميركا عن موضوع القرار 1559 ووصفه بأنه"إنجاز يسجل للحريري". واعتبر النائب ايلي عون كتلة اللقاء الديموقراطي ان"الحقيقة تكمن في إدراك مدى خطورة المرحلة ودقتها والتعامل معها بمسؤولية وموضوعية تأخذ في الاعتبار المتغيرات الدولية المستجدة ومدى قدرة لبنان في ضوئها على تحمل تبعات المواقف ذات الأبعاد الخارجة عن حدوده غير المستحبة دولياً وغير المدعومة عربياً". وحذر النائب مصطفى هاشم كتلة المستقبل من تكرار ما جرى في مؤتمر"باريس -1"وپ"باريس -2"من محاولات تعطيل وتفشيل أضرّت بالبلاد". كما ثمن مبادرة الرئيس بري الحوارية. ودعا النائب عباس هاشم كتلة الإصلاح والتغيير الى تشكيل لجنة قضائية نزيهة وحيادية تكون مهمتها فتح كل الملفات المالية من دون استثناء بغية وضع اليد على مجمل قيمة الهدر منذ 1990. ورأى النائب الياس عطاالله ان الحكومة واجهت"واقعاً معقداً على الصعيد الوطني أبرز عناوينه بقاء رئيس الجمهورية الممدد له"لا دستورياً"في موقعه البالغ السلبية على سياسة السلطة التنفيذية. ولا حل لهذا الواقع خارج استقالته. ولا نظلم بتاتاً هذا الموقع حين نقول انه لعب دوراً سلبياً في إعاقة عمل السلطة التنفيذية". وتناول النائب عاصم عراجي مواضيع اقتصادية ومالية، ولا سيما في منطقة البقاع. وقال:"لا ادري إذا ما كانت هناك سابقة لبحث مشروع موازنة عام انصرم وصرفت فيه الأموال العامة على القاعدة الاثني عشرية، أم أن ما نقوم به الآن بدعة جديدة نبتكرها"، سائلاً عما إذا كان هذا التدبير سينطبق على موازنة عام 2006. ولفت إلى أن"الإصلاح المنشود من الدولة من وراء المشاريع المفترضة ومنها التعاقد الوظيفي لن يحل الأزمة بل سيؤدي إلى أزمات اكبر وأخطر". وأثارت كلمة النائب نقولا فتوش جملة اعتراضات في صفوف الحاضرين في القاعة، ما اضطر الرئيس بري إلى التدخل اكثر من مرة لفض التلاسنات بين النواب. وشدد فتوش على ضرورة استقالة وزير العدل شارل رزق الذي اتهمه بأنه"يتعمد الأذية"، وذلك على خلفية السجال الدائر حول موضوع الكسارات. وانتقد النائب جورج عدوان عدم معالجة الحكومة موضوع التعيينات، وقال:"إذا لم يتم ذلك سنتقدم بسؤال حول هذا الأمر"، مشيراً إلى أن التعيينات التي حصلت أخيراً في بلدية بيروت لا تراعي التوازن الطائفي. كما انتقد تأخير التعيينات في مجلس القضاء الأعلى. وسأل:"هل يحول تعطيل رئيس الجمهورية وبعض الوزراء للتعيينات دون قيامها؟". وانتقد النائب سليم عون استخدام منبر المجلس النيابي للدفاع عن شركات خاصة، وقال:"في سؤالنا إلى الحكومة لم نوجه إهانة إلى أحد، بل أن السؤال منطلق من حرصنا على المال العام وثروتنا الوطنية واستقلالية القضاء، لأن ملف الكسارات هو ملف من ملفات الفساد ونطلب من الحكومة أن تبدأ بمعالجة الفساد"، سائلاً:"كيف تزامن فتح الكسارة قبل يومين من التمديد؟". وسأل:"أليس من حقنا كممثلين عن الشعب اللبناني أن نوجه سؤالاً إلى الحكومة عما إذا كانت ستدفع ال125 مليون دولار؟". ومرة أخرى تدخل بري، قائلاً:"أنا أريد أن تأخذ المحاسبة مجراها، وعندما تطرح الموازنة لا يجوز البت بأي موضوع قبل مناقشة الموازنة وأنا حاضر لتحديد جلسة من اجل مناقشة الموضوع"، الأمر الذي أثار اعتراض فتوش، فرد السنيورة، وقال:"ظهر من خلال الكلمات وكأن الحكومة مقصرة، أطمئن اللبنانيين إلى انه في اللحظة التي علمنا بها بصدور هذا الحكم من مجلس الشورى بادرنا فوراً إلى وقف التنفيذ وبإعادة فتح المحاكمة لكي يكون الأمر واضحاً أمام الجميع. أما بالنسبة الى ما قيل في شأن التعيينات في بلدية بيروت، أقول إن شاء الله انه يوم الخميس عندما يتم تعيين جلسة سيرد وزير الداخلية لأن التعيينات لم يكن فيها أي افتئات بين المسيحيين والمسلمين ولحظت التوازن". وعندما طالب فتوش بحق الرد، اعترض النواب: سليم عون وجورج قصارجي وعاصم عراجي، فبادر الرئيس بري إلى التأكيد أن"هذا الموضوع ليس في الموازنة". وبعد هرج ومرج بين الرئيس بري والنواب الذين هددوا بطلب الرد على فتوش إذا أعطي هو هذا الحق، قرر بري منع فتوش من الرد، في مقابل تحديد جلسة أخرى الخميس المقبل، يعطى فيها فتوش الكلمة الأولى. وأخيراً، أكد وزير المال جهاد أزعور"حرصنا على مبدأ الإصلاح وانتهاجه في عملنا". وقال:"في ما خص الإصلاح، فقد بادرت الحكومة إلى تحضير مشاريع قوانين لتطوير العمل في الإدارات العامة وإصلاح المؤسسات والإصلاح المالي، وتعمل على تسريع عملية الإصلاح". وأضاف:"في مكافحة الهدر والفساد، فإنني اطمئن النواب الذي أثاروا هذا الموضوع إلى أن وزارة المال اتخذت إجراءات للتدقيق والمراقبة المالية على الملفات التي أثيرت". ثم رفع الرئيس بري الجلسة للتصويت عليها في وقت لاحق. ولدى مغادرته الجلسة، رد السنيورة على أسئلة الصحافيين. وقال:"أعتقد أن حركة"حماس"الآن وبعد نتائج الانتخابات تمثل الشريحة الأكبر في المجتمع الفلسطيني، وأعتقد أن المبادرة التي قمت بها مع الأخ خالد مشعل يجب أن تتابع". وحول المبادرة العربية، أجاب:"نحن دائماً نرحب بأي مبادرة عربية، وان انتماء هذا البلد هو عربي، ونحن حريصون على أن تكون هناك دائماً مساع عربية للتوفيق بين الأخوة العرب".