ودعت السالفادور الاسبوع الماضي، أكبر زعمائها اليساريين شفيق حنظل، وهو نجل مهاجر فلسطيني بسيط، تحول اسطورة في اميركا الوسطى ونسج صداقات شخصية مع عدد من كبار القادة في اميركا اللاتينية امثال الرئيسين الكوبي فيدل كاسترو والفنزويلي هوغو تشافيز. توفي حنظل متأثراً بنوبة قلبية ألمت به الثلثاء الماضي، إثر عودته من بوليفيا حيث شارك في مراسم تنصيب الرئيس إيفو موراليس. وأعلن مجلس النواب السلفادوري حداداً رسمياً لمدة ثلاثة أيام، فيما فتحت الحكومة الحدود لوفود وشخصيات تود المشاركة في مراسم دفنه. من مواليد عام 1930، وهو الابن البكر لأبيه الذي وصل من بيت لحم الى السلفادور في بداية القرن العشرين واستقر في مرفأ أوسالونا، العاصمة الشرقية للبلاد. بعدما أكمل دروسه الثانوية، قصد شفيق الشاب في حينه العاصمة سان سلفادور ليتخصص في المحاماة. وانخرط هناك في النضالات الطالبية، وسرعان ما برز قائداً، لشجاعته وطلاقته في الخطابة، فانضم إلى الحزب الشيوعي الناشئ وصار عام 1957 أميناً عاماً لفرع العاصمة. وفي 1973، انتخب أميناً عاماً للحزب وبقي في هذا المنصب الى حين حل"الشيوعي"السلفادوري عام 1994. وتحوّل الزعيم اليساري إلى حزب"جبهة فاربوندو مارتي للتحرر الوطني"، ما جعله أكبر زعيم تاريخي لليسار السلفادوري. عام 1979، التحق الحزب الشيوعي السلفادوري، متأخراً، بالكفاح المسلح الدائر منذ أواسط السبعينات، بين ميليشيات اليمين وبعض المجموعات اليسارية. وعلى رغم تعيينه قائداً للقوات المسلحة، لم يكن حنظل عسكرياً وظلت زياراته للجبهات نادرة. في المقابل، كان دوره أساسياً في العلاقات الخارجية ل"الثوريين"، وأمن لهم التحالفات مع المعسكر الاشتراكي، كما لعب دوراً محورياً عام 1981، في دمج كل الفصائل المقاتلة في جبهة واحدة تحت اسم"فارباندو مارتي"، نسبة الى المناضل الاستقلالي ضد الاستعمار. وقاد حنظل وفد الجبهة اليسارية خلال المفاوضات التي وضعت حداً للحرب الأهلية التي كانت تعصف بعدد من دول أميركا الوسطى. وبقي شفيق حنظل، المتمسك حتى آخر أيامه بمعتقداته السياسية والمدافع عنها بعناد، الخصم الأول لليمين السلفادوري الذي لم يتوقف يوماً عن معاداته بشراسة. كانت شخصية حنظل، الصديق الشخصي لكاسترو وتشافيز وموراليس، موضوع تجاذب حاد حتى في أوساط اليسار. وكان خصومه يتهمونه ب"التسلط والدوغماتية"، ما أدى إلى انشقاق أول قام به رواد الكفاح المسلح في نهاية الحرب الأهلية عام 1994، وآخر قام به عدد من رفاقه الإصلاحيين نتيجة إصراره إلى تمثيل اليسار في الانتخابات الرئاسية في نهاية عام 2004 . خسر حنظل المعركة اليسارية التي كان يريد أن يتوج بها سيرته السياسية. وشاءت الظروف أن يكون مرشح اليمين، السياسي الشاب أنطونيو زكا، وهو أيضاً إبن عائلة مهاجرين من بيت لحم. وحنظل متأهل من سيدة روسية يلقبها انصاره ب"الرفيقة تانيا"، ولهما أربعة أولاد، وتترك وفاته المفاجئة فراغاً كبيراً في صفوف حزبه قد يصعب ملؤها بسرعة، خصوصاً أنها حصلت في خضم الحملة للانتخابات النيابية التي قد تجرى بعد أقل من شهرين. في المقابل، يرى بعض المراقبين أن غيابه قد يساعد في توحيد قوى اليسار، خصوصاً ان حزبه دعا بعد وفاته جميع المنشقين الى العودة الى صفوف الحزب.