انطلاق منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي يعكس التزام البلدين بتعزيز العلاقات الاستراتيجية    تحالف بين "مدينة مصر" و"وهيج العقارية" يطلق "سيتي دوم" ويبدأ أولى خطواته لدراسة الاستحواذ على قطعة أرض في مخطط الجنادرية    فصل جديد للعلاقات السعودية-الامريكية    ولي العهد يشّرف حفل العشاء المقام في البيت الأبيض    القيادة تهنئ أمير موناكو بذكرى اليوم الوطني لبلاده    15 جهة تشارك في فعالية "بنكرياس .. حنا نوعي الناس"    صندوق واحة النخيل يوقع اتفاقية بقيمة 741 مليون ريال لتطوير مشروع متعدد الاستخدامات بجانب مستشفى دله النخيل    الأسهم الآسيوية تتراجع مع ضغوط التكنولوجيا    الرئيس الأميركي يعلن تصنيف المملكة ضمن قائمة "الحلفاء الرئيسيين من خارج الناتو"    تعليم الأحساء يبدأ رحلة نقل 43 مدرسة متقدمة إلى " التميّز"    المنتدى السعودي للإعلام يوقّع اتفاقية مع وكالة أسوشيتد برس لتعزيز التعاون الدولي الإعلامي    تطويره بتقنيات الذكاء الاصطناعي .. مصيباح: تطبيق «توكلنا» يصل ل1100 خدمة بكفاءة عالية    حرس الحدود يضبط 4 من مخالفي الصيد البحري    أخضر التايكوندو يتألق في دولية قطر    أزمة بين سان جيرمان ومبابي بسبب عرض الهلال    قبل مواجهة الفتح في روشن.. الغيابات .. صداع يؤرق إنزاجي    قوة دولية و«مجلس سلام» وتمهيد لمسار دولة فلسطينية.. مجلس الأمن يقر الخطة الأمريكية بشأن غزة    «معاقبة بالتمارين» تقتل طالبة هندية    يستعين بكرسي متحرك لسرقة متجر    طفل خدع جارته واستنفر الشرطة    زيلينسكي يطرح «حلولاً مطورة».. موسكو ترفض المشاركة في مفاوضات إسطنبول    الملحق الثقافي السعودي في أمريكا: 14,037 مبتعثاً يعززون الاستثمار في رأس المال البشري    وسط انخراط إقليمي ودعم روسي.. إيران تتحرك لاحتواء التوتر بين كابل وإسلام آباد    «الكشافة» تعزز أهدافها التربوية والمجتمعية في أبوظبي    نحو تفعيل منصة صوت المواطن    أمير الرياض يطلع على أعمال محكمة الاستئناف.. ويعزي ابن لبده    سعود بن بندر: القطاع غير الربحي يحظى بعناية ورعاية من القيادة    نظرية داروين وعلاقتها بأزلية العالم    الترجمة في السياق الديني بين مصطلحات الشرع والفلسفة    حي البجيري    جلوي بن عبدالعزيز يشيد بجهود تحقيق الأمن المائي    الفيفا يوقف 7 لاعبين مجنسين من المنتخب الماليزي    العزلة الرقمية    الزميل آل هطلاء عضواً بمجلس إدارة جمعية سفراء التراث    ظل بشري أمام الشمس    لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تعقدُ لقاءً عاماً مع اللجان العاملة في الميدان ومنظِّمي البطولات    ماستان نادرتان بوزن ضخم    أدوية معروفة تحارب ألزهايمر    استخراج حصوة تزن كلغ من رجل    نستله تضيف السكر للسيريلاك    نائب أمير الرياض يطلق مشروعي تطوير أدلة الإجراءات وجدول الصلاحيات ضمن الخطة الإستراتيجية للإمارة    15% نمو تسجيل العلامات التجارية    إنفيديا ومايكروسوفت تستثمران 15 مليار دولار في «أنثروبيك»    كيف تعزز حضورك الرقمي؟ (3 - 4)    منتخب السعودية يُكرم سالم الدوسري    اتفاق دفاعي وشراكة واستثمارات سعودية أمريكية في كافة المجالات    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من ملك البحرين    الأستاذ أحمد السبعي يقدّم درسًا عمليًا لطلاب الصف الخامس حول الطريقة الصحيحة لأداء الصلاة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج 372 متدربًا من برامج البورد السعودي والدبلومات الصحية    نائب أمير القصيم يطّلع على أبرز الجهود الميدانية والتوعوية لهيئة الأمر بالمعروف في موسم الحج العام الماضي    أمير تبوك يستقبل سفير جمهورية بولندا لدى المملكة    حسن الظن بالله أساس الطمأنينة    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم سحر    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. هيئة التخصصات الصحية تحتفي بتخريج (12.591) خريجًا وخريجة في ديسمبر المقبل    «التخصصي» يعيد بناء شريان أورطي بطُعم من «قلب البقر»    ورحل صاحب صنائع المعروف    برعاية سمو محافظ الطائف افتتاح متنزه الطائف الوطني وإطلاق 12 كائنًا فطريًّا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفادور: خلفيات التحول نحو اليسار ودلالاته
نشر في الحياة يوم 27 - 05 - 2009

جسدت انتخابات 15 آذار (مارس) 2009 الرئاسية في السلفادور اختراقاً نوعياً في التاريخ السياسي لهذا البلد المهم في أميركا الوسطى، حيث انتخب الشعب السلفادوري المرشح اليساري كارلوس ماوريسيو فيونس، مرشح «جبهة فارابوندو مارتي للتحرر الوطني»، بأغلبية 52 في المئة من أصوات المشاركين، وذلك لأول مرة منذ توقيع اتفاقيات السلام لعام 1992 التي أنهت الحرب الأهلية التي طالت هذا البلد لسنوات طويلة منذ نهاية سبعينات القرن العشرين.
وللسلفادور أهمية ودلالة تاريخية على أكثر من صعيد. فأولاً، كانت هي الدولة التي اتصف الصراع بها بين يمين حاكم، سواء في طوره العسكري أو طوره المدني، وبين حركات مقاومة يسارية كان من أبرزها «جبهة فارابوندو مارتي» التي قادت نضالاً مسلحاً في ظل نظام قمعي افتقد لأي مجال للسماح بحرية التعبير والرأي أو أي هامش للتسامح السياسي مع المختلفين. واتصفت هذه الحرب الأهلية بالضرورة بطابع طبقي، حيث عبرت المعارضة عن انحياز للمعدمين اجتماعياً، خاصة في الريف، بينما جسدت السلطة الحاكمة حينذاك تحالف طبقة الإقطاعيين والبورجوازية الكبيرة التي كانت أقرب للعب دور الطبقة الكومبرادورية، أي الوسيط بين الرأسمالية الأميركية والسوق المحلي، بالإضافة إلى قوى محافظة دينياً واجتماعياً ظلت خائفة من التأثير «الشيوعي» ممثلاً فى جبهة «فارابوندو مارتي»، خاصة طوال زمن الحرب الباردة.
وثانياً، شهدت السلفادور خلال سنوات الحرب الأهلية ظواهر لافتة على نطاق واسع وبشكل غير مسبوق، أبرزها اختطاف واختفاء المعارضين، وتعذيب على نطاق واسع للخصوم، سواء من اتبع منهم نهج الكفاح المسلح أو من لم يفعل، بالإضافة إلى «فرق الموت» (أو الإعدام) التي شكلها الإقطاعيون وباتت سلطة موازية لسلطة الدولة، مع بعض الاتهامات بأنها كانت في حالة تنسيق سري مع أجهزة الأمن الحكومية، بحيث تطال يدها ما لا تستطيع الأجهزة الأمنية التعرض لهم من الكتاب والمثقفين والقضاة وغيرهم لعدم وجود أدلة على انخراطهم في نشاط مناهض للدولة بشكل مباشر.
إلا أن الدلالة الثالثة لأهمية السلفادور هنا تكمن في نشأة تيار بالغ التأثير في إطار المسيحية الكاثوليكية مثّل ثورة حقيقية اعتبر أصحابها أنها بمثابة عودة إلى الأصول الحقيقية للديانة المسيحية، ونقصد هنا بالطبع «لاهوت التحرير» الذي ذاع صيته نتيجة المواجهة بين اليمين واليسار داخل صفوف الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في السلفادور وغيرها من دول أميركا اللاتينية. وارتبطت نشأة هذا التيار بظروف اجتماعية في غاية التمييز من حيث الفقر المدقع في مواجهة الغنى الفاحش، والحرمان من الخدمات الأساسية الذي عانت منه غالبية السكان وتقديم تبريرات لذلك من منظور ديني، مما دفع لبلورة خيار «لاهوت التحرير»، والذي تفرع عنه فيما بعد «لاهوت الأرض» و»لاهوت الفقر» و»لاهوت التغيير الاجتماعي» وغيرها.
ولم يكن من الممكن تصور إنهاء الحرب الأهلية دون انتهاء الحرب الباردة بانهيار الشيوعية في الاتحاد السوفياتي السابق ودول شرق ووسط أوروبا من جهة، وقدوم إدارة ديموقراطية ممثلة في الرئيس السابق بيل كلينتون إلى سدة الرئاسة الأميركية في 1992 من جهة أخرى، حيث أن تعزيز قوة اليمين الحاكم في السلفادور ومنحه الحصانة فى ظل ما كان يقترفه من جرائم بحق المعارضين كان في الأساس بفضل الدعم الذي قدمه له اليمين الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة للسلطات فى سان سلفادور، خاصة خلال سنوات حكم الرئيس الراحل رونالد ريغان. كما لم يكن متصوراً إطلاق عملية ديموقراطية حقيقية في السلفادور دون إنشاء الأمم المتحدة «لجنة الحقيقة» التي قامت بتحقيقات عام 1993 لكشف الغموض عما ارتكب من جرائم خلال سنوات الحرب الأهلية ورد المظالم إلى أهلها، أو على الأقل تقديم رد الاعتبار المعنوي لهم، والإدانة، ولو المعنوية، لمن ثبت ضلوعهم في هذه الجرائم تخطيطاً أو ارتكاباً.
فعندما فاز مرشح اليسار في انتخابات الرئاسة، اعتبر الكثيرون من أنصاره أن ذلك الانتصار بمثابة رد اعتبار لكل ضحايا النظام اليميني عبر سنوات طوال، وأن تضحيات أبناء اليسار خلال الحرب الأهلية لم تذهب سدى. وتحقق هذا الفوز بالرغم من حملة دعائية منظمة من جانب اليمين خلال الأسابيع السابقة على الانتخابات حاولت الربط والمقارنة بين فيونس من جهة وكل من الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز والزعيم الكوبي فيديل كاسترو بغرض تخويف الناخب السلفادوري، مع مواصلة رفع الشعارات التقليدية المتعلقة ب «الحرب ضد الشيوعية». ولكن جاءت نتائج الانتخابات في الاتجاه المعاكس، وتحقق أول نصر انتخابي لليسار منذ ستة عقود، وانتشرت المسيرات التي غطت العاصمة بالأعلام الحمراء، وغنى المتظاهرون أغاني تعود لزمن الحرب الأهلية في ما فُسر على أنه دلالة على أن الحرب الأهلية، بالنسبة لأنصار اليسار، انتهت فقط في 15 آذار 2009، كما هُتف لشخصيات لعبت دورها بشكل أو آخر الى جانب اليسار خلال تلك الحرب.
ورأى الرئيس السلفادوري المنتخب أنه يعتبر الانتخابات بمثابة اتفاق سلام جديد وبزوغ عهد للمصالحة الوطنية، مما كشف عن رغبته في بدء حكمه من خلال صيغة تعايش ديموقراطي وتحقيق الوحدة الوطنية، بدلاً من السعي للثأر أو تصفية للحسابات التاريخية مع اليمين. ويكتسب هذا التوجه أهمية إضافية في ضوء الوضع الاقتصادي المتردي والهوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء في مجتمع شهد في السابق دولرة عملته الوطنية وخصخصة قطاعي الكهرباء والاتصالات والاعتماد الكبير على تحويلات ما يقرب من ثلاثة ملايين سلفادوري يعيشون خارج البلاد.
وفى نهاية المطاف، لا يمكن تناول هذا النصر لليسار بمعزل عن تطورين مهمين خارجيين وإقليميين. أما التطور الأول فمجيء إدارة ديموقراطية الى البيت الأبيض رفعت شعار التغيير وسعت للطلاق مع سياسات الإدارة الجمهورية السابقة، وهو الأمر الذي يذكرنا بما كان من تأثير لانتخاب الرئيس كلينتون وتوليه الرئاسة عام 1992 على التوصل لاتفاقيات السلام في السلفادور حينذاك. والثاني مجيء هذا الانتصار في سياق اتجاه عام لا تخطئه العين في السنوات الأخيرة داخل بلدان أميركا اللاتينية للتحرك نحو اليسار، على تنوعه، ما بين الرؤساء لولا فى البرازيل وتشافيز في فنزويلا وموراليس في بوليفيا وكوريا في الإكوادور وكريستينا فرنانديز في الأرجنتين وغيرهم، وكل ذلك عبر عملية ديموقراطية سلمية.
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.