غداً تشهد الكرة الأرضية حدثاً فلكياً مميزاً يتمثّل في كسوف كلي للشمس، يُشاهد في أكثر من قارة. وتشهد افريقيا الشمالية وأوروبا الغربية وآسيا الوسطى كسوفاً كلياً، فيما تُشاهد مناطق آخرى الكسوف عينه في شكل جزئي. يفرد موقع"وكالة الفضاء والطيران الاميركية"ناسا على الانترنت قسماً متخصصاً بالكسوف. ويرد فيه النص التالي:"عندما غرقت أوروبا في غياهب العصور المظلمة، كان علم الفلك في نشاط وازدهار في ظل الحضارة العربية في القرنين التاسع والعاشر للميلاد. حفظ علماء الفلك العرب المخطوطات المهمة التي وضعها العالم اليوناني بطليموس، وخصوصاً كتابه"المجسطي"، والفيلسوف اليوناني أرسطو. وكذلك زادوا عليها ونقّحوها. وفي انطاكية، استند الفلكي محمد البتاني الى"المجسطي"، لكنه أعاد احتساب السمت Zenith والحضيض Nadir لمدارات الارض والقمر. وكذلك وضع جداول فلكية جديدة. وأدى تقدّم العرب في علوم الهندسة والجبر الى ظهور مدوّنات دقيقة لابن جانوس الذي عاش في مصر، واعتُبر أكبر فلكي في زمانه. وقد آل هذا الازدهار الى الانحدار في القرن الحادي عشر للميلاد. ولا يتسع المجال للتوسع في الاتجاه نفسه، والقول ان بحوث الفلك بلغت أوجاً عالياً في الحضارة العربية - الاسلامية، وخصوصاً في مرصد مراغة الذي برز فيه الفلكي ابن الشاطر. الذي توصل الى وضع نموذج عن النظام الشمسي ينسف ما وصفه بطليموس في"المجسطي"، بل ومن الواضح انه جعل من الشمس، وليس الكرة الارضية، المركز الذي تدور حوله الكواكب السيّارة في ذلك النظام. توصّل ابن الشاطر الى انجازه قبل أكثر من قرن من الفلكي كوبرنيكوس الذي هزّ رواسخ النظام السائد في اوروبا عندما تبنى بقوة القول بمركزية الشمس. ولا يتردد بعض علماء الغرب في ترجيح القول ان كوبرنيكوس اطّلع على أعمال مرصد مراغة، وخصوصاً اعمال ابن الشاطر، بل ان بعضهم يجزم بهذا الاعتقاد. وأعتبر كوبرنيكوس دوماً بداية للنهوض الفكري الذي نصفه راهناً بمشروع الحداثة الاوروبية. لماذا لم يحصل ذلك الأمر عند العرب؟ الارجح ان هذا السؤال جزء من نقاش عميم. وراهناً، يستقبل العرب، الذين"استقالوا"من الاسهام في علوم الفلك منذ قرون، الكسوف بهدوء، على عكس ما حدث لاستقبالهم الكسوف الاخير في القرن الماضي، الذي حدث في العاشر من آب أغسطس 1999. لماذا؟ ربما لانهم أكثر انشغالاً بانتشار انفلونزا الطيور. ربما أيضاً لأن الهلع غير المُبرّر الذي رافق كسوف عام 1999، تحوّل، لاحقاً، الى مهزلة عندما تبيّن للقاصي والداني ان ذلك الخوف الهائل لم يكن له أساس واقعياً. وللتذكير، فان بعض الافواه"العلمية"لم تأنف في النفخ بنار الهلع وأوهامه. ولم تجد تلك الافواه عينها من يُحاسبها على تجارتها بالعلم وبرعب الناس! ومن المعلوم ان البشر، في حضاراتهم المختلفة، لاحظوا الكسوف دوماً، فأمدهم بالرعب أحياناً وبالأعجاب أحياناً أُخرى، لكنه بدا دوماً ظاهرة مُدهشة. فقبل نحو 2000 سنة، في مدينة آور الاشورية في العراق، ظهر أول مدوّن معروف عن الكسوف وما يرافقه من رعب وتوجس بوقوع الكوارث. وأوردت أحدى القصائد اليونانية القديمة أن زيوس"أحدث ليلاً في منتصف النهار، وخبّأ الشمس"، وان ذلك حدث في السادس من نيسان ابريل من عام 648 قبل الميلاد. وفي الهند، وصف الفلكي اريابهاتا عام 498 م بعض القواعد والحسابات الهندسية المُتعلّقة بالكسوف. وفي بيزنطية ، دوّن الفلكي ليو الديكوني عام 968م وصفاً أولياً للهالة الشمسية في الكسوف. وفي 1061م، كتب المؤرخ ابن الجوزي ان الشمس اختفت كلياً في رابعة النهار، وان الطيور سقطت متعثرة في طيرانها. وفي العام 1068، درس غاليليو الفلك باستعمال التلسكوب، للمرة الأولى تاريخياً. وكتب وصفاً للكسوف، سرعان ما صار معتمداً في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، خصوصاً بعد أعمال كيبلر واسحق نيوتن. وفي عام 1887م، في النمسا، نشر الفلكي تيودور فون اوبلوزر قائمة بالكسوفات التي رُصدت منذ 1208م، إضافة الى تلك المتوقع حدوثها حتى 2162. ودخلت الخرافة الحديثة، إذا جازت العبارة، على خط الكسوف حين ربطت الصحف الفرنسية بين الكسوف وغرق باخرة التايتانيك، عام 1912! ويبدي العالم العربي اهتماماً كبيراً بهذا الكسوف، لأنه يشاهد بصورة كلية في كثير من دوله. ويعتبر الأول من نوعه في القرن 21 الذي يشمل أربع قارات. والمعلوم أن الكسوف يحدث عندما يقف القمر بين الأرض، التي يدور حولها دوماً، والشمس، التي تدور حولها الكرة الأرضية دوماً، مما يُلقي بظل القمر على الكوكب الأزرق. وبسبب صغر حجم القمر، قياساً بالأرض، فان ظله يُغطي جزءاً منها، حاجباً عنه نور الشمس. ومن المعروف أيضاً ان الكسوف، مثل نظيره الخسوف، ظاهرة طبيعية متكررة، لا تستوجب الخوف ولا الهلع. ويتمثل الاجراء الوقائي الوحيد في عدم النظر مباشرة الى الشمس لى رغم انخفاض الضوء، إذ تبث الشمس أشعة تحت البنفسجية، في إمكانها ان تؤذي من يتطلع مباشرة الى الشمس الكاسفة. أحداث متوقعة في الثامنة والنصف من صباح الاربعاء المقبل، يرخي القمر بظله على الأرض في شرق البرازيل، فارداً عتمته على مساحة تصل الى نحو 130 كيلومتراً مربعاً . ويستمر غياب الضوء التام، لأقل من دقيقتين. ثم يعبر ظلّ القمر المحيط الاطلسي، بفعل دوران الكرة الارضية حول نفسها، ليصل الى غانا، في الساحل الغربي لافريقيا، عند التاسعة صباحاً بالتوقيت العالمي. ويصل الظل عينه البحر المتوسط ظهراً، عند الشاطئ الممتد بين مصر وليبيا، أي منطقة السلوم، في الحادية عشرة إلا ربعاً صباحاً بالتوقيت العالمي، حيث يصل الكسوف ذروته فيستمر لنحو 4 دقائق. ويعبر ظل القمر بين جزيرتي قبرص وكريت اليونانية، ليلامس الشاطئ التركي قبيل الحادية عشر ظهراً. وهناك يُشاهد ككسوف كلي في مدينة أنطاليا لمدة 3 دقائق ونصف تقريباً. وثم يهرع ذلك الظل الى منغوليا في قلب آسيا، حيث ينحسر عن الارض، عند الساعة الثانية عشرة الا ربعاً تقريباً، بعد رحلة طولها نحو 15 الف كيلومتر. وتستغرق تلك التفاصيل كافة 3 ساعات وربع الساعة. وفي لبنان، يُشاهد الكسوف بصورة جزئية، تصل الى نحو 80 في المئة. ويمكن مراقبته لبنانياً بين الثانية عشرة ظهراً والثالثة والربع بعد الظهر، بالتوقيت المحلي. ويترافق الكسوف مع انخفاض في مقدار ضوء الشمس وهبوط خفيف في درجة الحرارة. وينقل لبنان مراحل الكسوف الى المشاهدين في العالم العربي عبر الأقنية الفضائية، عبر كاميرات مثبتة على سطح محلات"فيرجين"في بيروت. وتثبّت مجلة" علم وعالم" و"المجموعة اللبنانية الفلكية"ومؤسسة"آفاق علمية"السعودية مراصد متخصصة بمراقبة الشمس. وفي سياق هذا الحدث الفلكي، الذي يُعتبر الأول من نوعه في القرن ال21 بالنسبة للمناطق التي يُشاهد فيها ككسوف كلي، يُنظّم"مركز القبة السماوية"التابع لمكتبة الإسكندرية، مجموعة من الفعاليات الثقافية والعملية. وتشمل تلك الفعاليات، تنظيم مجموعة من المحاضرات على مدار عشرة أيام في الفترة بين 22 آذار و4 نيسان ابريل 2006، يلقيها خبراء دوليون. وتتناول المحاضرات شروحاً عن الخلفيات العلمية والتاريخية لظاهرة الكسوف الكلي للشمس. وفي هذا السياق، صرحت مديرة"مركز القبة السماوية"المهندسة هدى الميقاتي بأن تلك الفعاليات تستهدف قطاع الخريجين الجامعيين في مجال الفلك والفيزياء والرياضيات، إضافة الى الباحثين في تلك العلوم. كما تهدف إلى تعريف المتدربين من العلماء ببعض الموضوعات المتخصصة في علم الفلك، وتدريبهم على المشاركة في البحث الفلكي المتقدم. وأضافت ميقاتي أن مصر تشهد الكسوف الكلي يوم الأربعاء الموافق 29 آذار الجاري في تمام الساعة الحادية عشرة وثمان وعشرين دقيقة صباحاً. فتشهد مدينة السلوم في محافظة مرسى مطروح الكسوف كلياً، وتراه باقي المحافظات كسوفاً جزئياً. واغتنمت ميقاتي الفرصة لتُحذر من خطورة النظر إلى قرص الشمس مباشرة بالعين المجردة. ونصحت باللجوء الى استخدام الأجهزة والتقنيات العلمية المتخصصة في هذا المجال تحت إشراف الفلكيين المختصين. وتبدأ فعاليات الحدث بمجموعة من المحاضرات التي تناقش موضوعات مثل"مراقبة المجرات"، تلقيها الدكتورة ساندرا فابر من"جامعة كاليفورنيا"، وپ"تطبيقات النسبية"للدكتور ايدموند برتشينجر من"معهد ماستشوستس للتكنولوجيا"، وپ"حركة وتكوين النجوم"للدكتور فرنسوا كومب من"المرصد الفلكي الفرنسي"، وپ"أشكال تكوّن المجرات"للدكتورة جينيفير كوفمان من"معهد ماكس بلانك لفيزياء الفضاء". وتتبع المحاضرات مجموعة من ورش العمل، التي تأتي في سياق معسكر فلكي تُنظّمه المكتبة في مدينة السلوم يوم 29 آذار لمراقبة الكسوف الكلي للشمس. معلومات أساسية عن الكسوف تبلغ أطول مدة للكسوف الكامل، حين يحلّ ظل القمر في قلب قرص الشمس، نحو 7 دقائق. لا يلاحظ الكسوف في شكل واضح قبل ان يغطي 90 في المئة من الشمس. وعندما تصل تلك النسبة الى 99 في المئة، يشبه النهار المغيب. يسير الكسوف بسرعة 2420 كيلومتراً في الساعة عند خط الاستواء. وتزيد سرعته الى 11 ألف كيلومتر في الساعة عند القطبين. أقصى عرض لظل الكسوف الكامل يبلغ 376 كيلومتراً. يصل العدد الاقصى للكسوفات الكلية والجزئية والحلقية في السنة الى 5 وتحدث في مواقع مختلفة من الارض، فيما الحد الادنى هو اثنان. تتكرر الكسوفات المتشابهة كل 18 سنة و11 يوماً، وتُسمى تلك المدة"حقبة ساروس". يعود الكسوف الى المكان نفسه على الارض كل 3 حقب ساروس، ما يوازي 54 سنة و33 يوماً. ثمة"دورة كبرى"للكسوفات وتكراراتها، فتعاود كل 1200 عام، أي ما يساوي 70 حقبة ساروس. ثمة 12 دورة كبرى تعطي كسوفات متماثلة في 1937، 1955، 1991، 2009. وتصل مدة الكسوف فيها الى 7.5 دقائق. يبتدئ الكسوف مع فجر النهار، ويقطع نصف محيط الأرض قبل المغيب. من المتوقع حدوث كسوف مُشابه للراهن عام 2088. حتى قبل اختراع الساعات الذرّية، تمكن العلماء من رصد تباطؤ سرعة دوران الارض حول نفسها، بمعدل كسر في الالف من الثانية كل قرن، وذلك بفضل رصدهم الكسوف. تضطرب حركة الحيوانات اثناء الكسوف، ويخلد بعضها الى النوم. تنخفض حرارة الجو بمعدل عشرين درجة في ذروة الكسوف الكلي. في تمام الكسوف، يبدو الافق مضاء بوهج لامع.