سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أسوة بالدروس المستفادة من مكافحة انتشار انفلونزا الطيور عالمياً . الإصابات البشرية بفيروس "اتش 5 آن1" في العراق ومصر تفرض الإهتمام برفع مناعة الدواجن ومربيها
سجّل وباء انفلونزا الطيور ضحيته الثالثة بشرياً في العالم العربي، مع وفاة مربية دجاج مصرية آمال محمد اسماعيل، 30 عاماً قبل بضعة أيام. قضت اسماعيل بعد اسابيع قليلة من تفشي فيروس"اتش5 آن1" H5N1، الذي يقود الموجة الراهنة من تلك الانفلونزا، في دواجن أرض الكنانة. وجاءت وفاتها بعد أشهر قليلة من وفاة الفتاة العراقية نيفين قادر 13 عاماً، من مدينة السليمانية في كردستان، وتلاها خالها المُسنّ. ويلفت الانتباه ان الاصابات الثلاث متوزعة عمرّياً. وتندرج وفاة الفتاة الكردستانية ضمن ما عُرف عن استهداف الانفلونزا للأطفال والمراهقين. وتأتي وفاة خالها في سن ما فوق الستين عاماً، في سياق ما يُعرف من ميل هذه الفئة إلى معاناة انخفاض عام في مناعتها. وتبدو الوفاة المصرية"غير مألوفة"، في هذا المعنى، إلا إذا تذكرنا حدوث وفيات مُشابهة في الدول الآسيوية مهد الموجة الفتّاكة. ويبقى ان وفيات البالغين تمثّل الشريحة الاصغر بين الوفيات البشرية بفيروس"اتش5 آن1". الانسان"متشارك"مع طيوره ثمة مفارقة لافتة، قلما تُشدد وسائل الاعلام العربية عليها، تتلخص واقعة ان البشر يصابون بأثر من إصابة الطير، لحد الآن. ويميل رأي الخبراء الى القول إن الأمل الاساس في منع تحوّل فيروس"اتش5 آن1"إلى وباء يتفشى بين البشر، ويفتك بمئات الملايين منهم، يكمن في محاصرة انتشاره بين الدواجن. وبمعنى آخر، فإن نجاة الجسد الانساني تكمن في زيادة قدرة الجسد الحيواني على مقاومة ذلك الفيروس. ومع ذلك، يثير تفشي الوباء بين الطيور اكتراثاً أقل من الاصابات البشرية المتفرقة به، على رغم تشارك النوعين في مصير متقاطع حيال الفيروس الفتّاك! ولذا، يُصبح مهماً الالتفات إلى الطريقة التي يتعامل بها البشر مع دواجنهم وطيورهم، في ظل الضربة التي تهددهما معاً. يصرّ مُربو طيور الحمام في شمال العراق على الاحتفاظ بطيورهم غير آبهين بمخاطر اصابتها بمرض"انفلونزا الطيور"، على رغم اكتشاف حالات كثيرة في بعض مدن كردستان، إضافة إلى بغداد والناصرية. ويعتقد هادي المحاويلي 35 سنة ان سبب رفضه النزول عند رغبة زوجته بالتخلص من طيوره هو عشقه لها وولعه بتربيتها. ويضيف:"اشعر وكأن الحمام عائلتي الثانية. لا يمكنني قتلها، ولا اجرؤ على ذلك، ولن افعل". اما"سوق المصلى"المعروف في كركوك بسوق"المطيرجية"نسبة الى تسمية بغدادية تطلق على مربي طيور الحمام فلم يعد يضج بزبائنه، ولا يزدحم بباعة الحمام، ولا باولئك المتجمعين حول مقهى"الحجي برهان"للرهان على احد الديكة التي تخوض قتالاً في حلبة صغيرة وسط المقهى تعلو فيها صرخات الزبائن وتعليقاتهم. بات الجميع في خشية من تفشي المرض في المدينة، كما يقول صاحب محل لبيع الحبوب. ويضيف:"ما زال مخزن المحل يمتليء بحبوب الشعير والدخن التي تتناولها، عادة، الطيور والدجاج. فقد عزف الجميع عن شراء لحوم الطيور خشية أن تكون مصابة بمرض انفلونزا الطيور". محبة الطير أقوى من الفيروس استسلم فراس لرغبة عائلته في التخلص من طيوره بعد قتلها، فأصبح"موضوعاً"لتندر زملائه في الحي الذي يسكنه من المدينة ذي الغالبية العربية. ويقول فراس:"اجبرني والدي على بيع او قتل 25 حمامة اعمل على تربيتها منذ سنة ونصف سنة... في البدء أخفيت بعضها لدى زملائي إلاّ ان والدي اكتشف الامر، فأجبرني على ذبحها امام ناظريه". ويضيف ان"الحمام ذكي ووفي لانه يعود إلى منزله الذي تربى فيه اذا ما قررت بيعه كما انه يعرف مالكه ويشاركه حياته ايضاً. اني حزين مما فعلت... ورغبتي كبيرة في أن أعيد تربيتها.. من جديد". ولا يمثّل فراس حالاً وحيدة في المدينة، على رغم أن الدوائر الصحية في كركوك أكدت"خلو المدينة من اي اصابة بفيروس"اتش5 آن1". ويقول محمود العزاوي، عضو لجنة الوقاية:"فرضنا طوقاً صحياً على كركوك ومنعنا شراء لحوم الدجاج ونقلها وتناولها لكننا نخشى في الوقت نفسه من انتقال المرض عبر الطيور المهاجرة او الحالات المصابة القادمة من اقليم كردستان العراق". وفيما لم تعد طيور الزينة تجذب اهتمام العائلة الكردية المعروفة باقتنائها لهذه الاصناف من الطيور بسبب اكتشاف غير اصابة للمرض في السليمانية فإن اصحاب محال بيع الطيور صمموا على فتح محالهم والجلوس فيها طوال ساعات النهار لمجرد الاستمتاع بتغريد طيور الفنجز والحب والبلابل والكناري كما اعتادوا سماعها كل يوم. ويؤكد رزكار:"لا يصدق زبائني ان الطيور المغردة لا يمكن اصابتها بالمرض لانها تعيش في اقفاص داخل المنزل ما يعني عدم اختلاطها بالطيور الاخرى... ان رعب المرض يسيطر على الجميع في المدينة". ويتابع:"ما يعيد الامل إلى سوق طيور الزينة ان العائلة الكردية لا يمكنها الاستغناء عن اقتناء هذا النوع من الطيور، وهناك من يقف امام واجهة المحل لمجرد النظر اليها وهي تداعب بعضها بعضاً او تطلق الحانها المغردة". عالمياً: الدواجن قبل الانسان أحياناً كيف يبدو الامر نفسه عالمياً؟ رأى أليخاندرو تيرمان، وهو إختصاصي من"المنظمة العالمية لصحة الحيوان"أخيراً ان تدعيم دفاعات الدواجن في جنوب شرقي آسيا ضد انفلونزا الطيور، يمثّل الوسيلة الأقل تكلفة والأكثر فاعلية لمنع ظهور وباء بشري بفيروس"اتش5 آن1". وأشار تيرمان إلى وجود اهتمام كبير بتخزين العقاقير المضادة للفيروسات مثل"تاميفلو"و"ريلانزا"، وكذلك بتطوير لقاح لوقاية البشر منه، ولكن"لا يوجد اهتمام كاف بالطيور". ودعا تيرمان، الذي شارك، قبل بضعة أشهر، في بعثة بقيادة الولاياتالمتحدة للمنطقة التي تفشى فيها أنفلونزا الطيور في جنوب شرقي اسيا، الدول الغنية إلى صبّ جهودها وأموالها وقدراتها العلمية لمحاصرة فيروس"اتش5 آن1"في آسيا ومزارعها واسواقها، حيث يرجح ظهور التهديد الوبائي بصورة أكبر من أي منطقة أخرى. وشبّه الامر بأنه"كترقب بركان يستعد للثوران... اذا كان الفيروس سيتحوّر بالفعل إلى شكل يصيب البشر بصورة وبائية، وكذلك إذا أردنا منعه في مصدره، فعلينا مساعدة تلك الدول على تطوير نظم الصحة العامة وصحة الحيوان". والمعلوم أن بؤرة ذلك الوباء تمثّل في دول آسيوية متجاورة مثل تايلاند وكمبوديا واندونيسيا وفيتنام. ودعا إلى تخصيص عشرة في المئة من عائدات مبيعات العقاقير الفيروسية والابحاث على الامصال لرفع مستوى الرقابة والخدمات البيطرية وشراء أمصال أفضل للطيور، وكذلك لتوفير حوافز للفلاحين للابلاغ عن أي تفش قبل أن يصبح خارج السيطرة. ومع الاصابات المصرية، وقبلها العراقية وكذلك ظهور الفيروس في اسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، فان تلك الدروس تمثّل تجارب وخلاصات، ربما تنفع الاستفادة منها، قبل...فوات الأوان!