في اطار سنة ابن خلدون التي أعلنت رسمياً في تونس بمناسبة ذكرى مرور 600 سنة على وفاة هذا المفكر الكبير وتجديد ذكراه، يقام ملتقى دوليّ حول ابن خلدون بتنظيم من"المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون"وپ"بيت الحكمة"من 13 الى 19 آذار مارس المقبل بمشاركة نحو مئة مفكر وباحث من مختلف أنحاء العالم، وأعدّ الملتقى ورقة عمل طرح فيها الاشكالات الآتية: هل أن ابن خلدون هو نيزك فريد ونجم ساطع في ظلمات ليل دامس كما دأب المستشرقون على اعتباره، لا سابق له ولا لاحق ولا سلف ولا خلف؟ أم أن هذا العلامة انخرط في حركية تاريخية كانت تعج بالإخباريين والجغرافيين والرحّالة الذين مهّدوا له الطريق؟ وهذه الطريق كانت تعجّ بالعلماء والدارسين الذين ساروا على منهجه واقتفوا أثره فبرهنوا على أنه كان صاحب مدرسة كما بينت ذلك البحوث والدراسات الحديثة التي أجريت منذ أكثر من نصف قرن. وبرهنت هذه البحوث على وجود تيار فكري بارز امتد على مدى قرون، مما يجعلنا نمتنع عن نسبة فضل السبق في استنباط العلوم الاجتماعية الى أرسطو أو منتسكيو أو كنط، والأرجح في هذا المضار أن تفكيراً كونياً متعدد الجوانب والاتجاهات تناول الانسان وأسلوب عيشه الجماعي واندماجه في وسطه الخاص وتغذّى بإسهامات كبرى كانت جزءاً مهماً من الانتاج الفكري الذي ظهر في فضاءات عدّة، جغرافية وثقافية، وكان ركيزة لمختلف فترات الابداع ولعديد المؤلفات التي انطلق أصحابها من المعطيات المتوافرة لكل واحد منهم، بحسب التاريخ الثقافي الذي ورثوه فاخترعوا أو أعادوا اختراع علم اختص بدراسة أسلوب عيش الانسان في المجتمع. وبهذا المعنى يُعدّ علم العمران الخلدوني حدساً عبقرياً لا يقلل من عطاء أعلام آخرين في مجال العلوم الاجتماعية. وانطلاقاً من هذا المعنى أيضاً يطمح الملتقى الى اجراء تأمّل معمّق في اسهام ابن خلدون والأهمية الابستيمية والتاريخية لاكتشافاته. ويقترح الملتقى لهذا الغرض التأمل على مستويين: الأول: النظر المدقق في المصادر التاريخية لمؤلفات ابن خلدون حيث أخذ عن البيروني والمسعودي وغيرهما بعد تجريحهما ونقدهما. ولئن كان ذلك النقد جذرياً، فإنه لم يمنع ابن خلدون من الاستشهاد دوماً بإسهامات سابقيه والاعتماد عليها لإرساء"علم العمران البشري"الذي أعطاه اسماً ومحتوى وطريقة وبعداً فلسفياً. الثاني: يطرح هذا الملتقى الدولي مسألة العلاقات بين الاختصاصي في العلوم الاجتماعية والسياق التاريخي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يتنزّل فيه. وستندرج أبحاث المشاركين ضمن أحد المحاور السبعة الآتية: الوضع الراهن للدراسات الخلدونية، بيوغرافية ابن خلدون، الارث اليوناني والسوابق العربية، ابن خلدون مؤرخاً، علم العمران البشري، الآفاق الثقافية: ابن خلدون أمام التصوّف والعلوم والتربية والآداب والفقه، ورثة ابن خلدون.