يقيم مسرح المدينة في بيروت معرضاً استعادياً للفنانة العراقية الراحلة نهى الراضي 1941 - 2004 تقدّم فيه مختارات من أعمالها المتعددة، رسماً ونحتاً وخزفاً. ووزّع مسرح المدينة نصاً كتبته عنها الناقدة العراقية ميّ مظفر، وممّا جاء فيه:"من يعرف نهى الراضي يعرف أي جوهر نقي كانت تملك هذه الفنانة، وأي روح وهاجة. ولعل ذلك كان سر انجذاب الكثيرين اليها من شخصيات فكرية وفنية عربية وعالمية. هي، التي جعلت من الفن ملاذاً لوجودها ومرآة نقية لشخصيتها الفريدة. كانت بحق جسراً سالكاً بين العراق الساكن في وجدانها، إرثاً وحضارة وشعباً، وتراث الشرق الذي وجدت فيه نموذجاً يحتذى، والغرب الذي اكتسبت منه علومه وتقنياته الفنية.... نهى الراضي فنانة تجلت موهبتها في فن الخزف، وكانت خزّافة من الطراز الأول بين الخزافين العراقيين والعرب في تكامل صنعتها، وطرافة الأفكار التي كانت تستوحيها من الموروث المحلي وتصوغها صياغة أخاذة في جمالها.... الفن لدى نهى كان طريقة حياة، فهل لا تدخل مضماراً الا وكانت شخصيتها تتحكم فيه. في فن التصوير لجأت نهى الى موضوعات أثيرة الى نفسها: تصوير الناس المحيطين بها، والطبيعة التي تعشقها وتبتدع مفرداتها باستيحاء مشاهد طبيعية عراقية، وبرؤية تعيد اكتشاف المشهد من ذاكرة خلاقة. وقادها عشقها الى ان تشيد دارها وسط بستان في شمال بغداد غني بأشجار النخيل والبرتقال والنارنج والرمان. وهي الدار التي عايشت فيها أحداث الحرب، وسجلت في كتابها الشهير"يوميات بغداد"مفردات حياة يومية تردت، تحت وطء الحصار والقصف الشديد، الى أدنى حالاتها الانسانية. أنتجت نهى مجموعة أعمال تصور مشاهد متخيلة من الطبيعة، وصوراً لأصدقاء تتمثلهم دائماً داخل مشهد طبيعي فيه الكثير من الطرافة، وبمسحة مقاربة للفن الفطري. وقد يحار الناقد في تصنيف هذه الأعمال وتقويمها، غير أنه لا يخرج إلا بقناعة واحدة: تلك هي نهى الفنانة التي تعبر عن شخصيتها الفريدة من خلال فنها أياً كانت وسيلته. واذ اعتادت نهي التعبير بالأشكال المجسدة، ثلاثية الأبعاد، وتمرست على مصاحبة رحلات الاستكشاف الآثارية، ولامست التاريخ بيديها وقلبت أحجاره، فقد كانت قادرة على التوصل الى لغة بديلة تستنبط مفرداتها من الأرض. وتحقق لها ذلك من خلال استخدام الأحجار التي بحثت عنها في بغداد وعمان وبيروت، أو أينما حلت في عواصم العالم. فانطلقت تجربتها الجديدة في استخدام الحجر وتلوينه وتركيبه وصقل سطوحه، واضفاء ملامح بشرية أو غير بشرية على مفرداته. في هذه التجربة وجدت نهى نهجاً توافقياً ما بين فن الخزف وفن الرسم. بل عادت بشكل أو بآخر الى استنطاق الطبيعة، واعادة انتاجها برؤية نابعة من احساسها بالانتماء اليها والتعامل معها تعاملاً مفرطاً في انسانيته".