فاز رئيس الحكومة العراقية الموقتة الدكتور ابراهيم الجعفري على الدكتور عادل عبدالمهدي في اقتراع الائتلاف النيابي الشيعي على مرشحه لرئاسة الوزراء. انتصار الجعفري جاء بأصوات"التيار الصدري"و"حزب الدعوة ? تنظيم العراق"وعدد من المستقلين الذين لم يلتزموا ما اتفقوا عليه مع رفاقهم في اللائحة، فاقترعوا على حدة أولاً وعلى اساس ان الاقلية تتبع الاكثرية اذا ما كانت هذه الاكثرية في حدود الثلثين. وبعدما اعطى الثلثان اصواتهم لعبد المهدي، لم تلتزم الأقلية الاتفاق فرجحت كفة الجعفري، ما يشير الى ان الكتلة المستقلة داخل الائتلاف لم تصل حد تكوين كيان واحد وان انقسامها اصبح امراً واقعاً. ويعتقد المتابعون ان الورقتين البيضاوين في الاقتراع الاخير عائدتان لنائبين من ابرز قيادات"حزب الدعوة"، كانا ميالين للاقتراع لمصلحة عبد المهدي، لولا ان"حزب الدعوة - تنظيم العراق"و"التيار الصدري"ابلغا الائتلاف بأن هناك احتمالاً بحدوث شغب على الارض، ما لم يكن الجعفري هو المرشح الفعلي لرئاسة الوزارة العتيدة، وهذا ما دعا الى تأجيل الاقتراع الى اليوم التالي. وبات المجلس الأعلى والمناصرون لعبدالمهدي على يقين من فوزه ولم يبذلوا جهوداً ملحوظة لاستقطاب المترددين، الذين تفرغ لاستقطابهم عدد من الفاعلين في"التيار الصدري"وحزب الدعوة ? تنظيم العراق"بقيادة عبدالكريم العنزي. وفي حين كان عبد المهدي مطمئناً الى القرار الايراني اتضح ان السيد مقتدى الصدر عاد من طهران بما يخالف هذه الطمأنينة، ومن هنا كان تفاهم"التيار الصدري"مع"حزب الدعوة ? تنظيم العراق". غير ان هذا التفاهم سيرتب ل"التيار الصدري"نوعاً من الهيمنة التي ظهرت بوادرها شرط ان تكون له ست حقائب وزارية، اربع منها خدماتية واثنتان سياديتان. وفي الوقت نفسه دفع هذا التحالف القوى الاخرى الى استشعار الخطورة على العملية السياسية ككل وعلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية والهيئة الرئاسية، وظهر هذا الاستشعار بوضوح في كلام الرئيس جلال طالباني ممثلاً للحساسية الكردية العامة ومخاوف الاكراد من المسار الذي يرسمه لقاء"حزب الدعوة"بفرعيه مع"التيار الصدري"، فأعلن طالباني انه لن يشارك الا بشرط يشبه المعجزة وهو اعطاء لائحة الدكتور اياد علاوي ما يوازي حجمها من الحقائب الوزارية، أي انه اشترط الخصم الاول للتيار الصدري شريكاً في الحكومة. واذ طرح الجميع سؤالاً مضمونه: هل يمكن ان يدخل المجلس الاعلى في تحالف معارض مع الدكتور علاوي؟ جاء الجواب من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده طالباني لتوضيح رؤيته وخريطة تحالفاته، اذ كان الى جانبه كل من علاوي وطارق الهاشمي ممثلاً لمجمل الحساسيات والكيانات السنّية، ما يعني ان هناك تضامناً سنياً مع التوجه الى تشكيل معارضة عريضة وقوية. ومهد لذلك الدكتور عدنان الدليمي لائحة تضم 43 نائباً سنياً عندما اعلن قرار الكتلة عدم المشاركة في حكومة الجعفري، من دون ان يفاد عن مخالفة صالح المطلك 11 نائباً لهذا التوجه. وفي مؤتمره الصحافي سئل طالباني عن موقف"المجلس الاعلى"، فأجاب بأن"القائد السيد عبدالعزيز الحكيم كان مفترضاً ان يحضر معنا لولا انه انشغل بأمر غاية في الاهمية في النجف الاشرف". وتعبير"القائد"على لسان طالباني فهم منه ان التفاهم كامل بين الاكراد و"المجلس الاعلى". وفي كل الأحوال ستتصدى الكتل النيابية الرئيسة المجلس الاعلى والكتلة الكردية والكتلة السنية العربية للعملية السياسية ميدانياً وفي مستوى السياسة الاهلية والمدنية، أي حركة الاستقطاب الشعبي والبرنامجي. وهذا سيلزم القادة الذين ابدوا استعدادهم للالتزام بتحريك اطرهم وتخفيف القيود عن حركة القيادات الثانية في كياناتهم لتخوض مجتمعة ومتفاهمة حراكاً سياسياً داخلياً وخارجياً متكاملاً. وهنا سيشهد العراق تعزيزاً وتنامياً لدور عبدالمهدي بالتنسيق الكامل مع السيد عبدالعزيز الحكيم اضافة الى شخصيات كردية منها برهم صالح وشخصيات من السنة العرب طارق الهاشمي تحت سقف الحزب الاسلامي، وغيرهم... أي ان الكلام الذي نشرته القوى الاخرى عن احتمال انسحاب برهم صالح من العملية السياسية والذهاب الى كردستان، وانسحاب عبدالمهدي وذهابه الى الناصرية ذي قار بعيداً عن موقعه في نيابة الرئاسة لا اصل له، لأن عبدالمهدي ومن ورائه"المجلس الاعلى"وكذلك برهم صالح وما يمثل، يعتبرون ان ما حصل لا يشكل هزيمة وان الوضع الصعب ينتظر التحالف الجديد الذي قام على اساس تبادل المصالح والحصص، وان الزبائنية السياسية والمحاصصة هي آخر ما يمكن ان يكون مقبولاً في العراق او مكتوباً له أي مستوى من النجاح. ففي حين ان علاقة عميقة وتاريخية تربط الحكيم بالسيد مسعود البارزاني، وتعود الى حياة المرجع الاعلى السيد محسن الحكيم والد السيد عبدالعزيز، والذي عرف بموقفه الشديد ضد قتال الاكراد في العهود العراقية المختلفة، فان علاقة بالمستوى نفسه من العمق تربط عبدالمهدي بطالباني والأكراد، الى حد جعل انصار الجعفري يحذرون من ترشيح عبدالمهدي لرئاسة الوزارة لأنه يساير الاكراد ويمكن ان يفرط في مستقبل كركوك لمصلحتهم! إذاً، نحن امام احتمال تحالف بين الكتلة الكردية ومن ضمنها التيار الاسلامي الكردي 5 مقاعد يضاف اليها من المستقلين ما لا يقل عن 16 مقعداً مع 53 مقعداً للحزب الديموقراطي الكردي والاتحاد الكردستاني، وكتلة الدكتور الدليمي 43 مقعداً وكتلة المطلك 11 مقعداً وحزب الفضيلة 15 مقعداً وكتلة علاوي 25 مقعداً يضاف اليهم ثلاثة هم ممثلو الآشوريين والصائبة واليزيدية. ماذا يصنع هذا التحالف؟ يمكن ان يعوق تشكيل الوزارة من خلال المقاطعة، ويمكن ان يعمل على عدم منحها الثقة اللازمة النصف زائد واحد، فاذا ما نالتها ينتقل الشغل الى هيئة الرئاسة رئيس الجمهورية ونائبيه اذ ينص الدستور على ان الفوز يتم بالحصول على ثلثي اصوات المجلس الوطني، ما يعني ان طالباني ثابت في الرئاسة ومعه عبدالمهدي وغازي الياور او طارق الهاشمي نائبين له، اضافة الى رئاسة المجلس الوطني ونيابتها. وهذا يعني ان العملية السياسية ستكون في المستوى السياسي الحيوي والتشريعي في يد التحالف، في حين ستكون الوزارة التي تشكل على قاعدة الاقلية او الاكثرية المحدودة امام اختبار صعب في دورها التنفيذي في شبكة من المشاكل والتعقيدات التي لم يظهر لدى الجعفري وحكومته الموقتة مواهب كبرى في معالجتها. وعليه فان صناديق الاقتراع تدل جزئياً على الواقع او على جزء من الواقع، لكنها لا تدل كلياً، لأن هناك واقع اعقد وأشد تركيباً لا يمكن اختزاله بعدد الاصوات التي ينالها مرشح ضد مرشح آخر. اين دور المرجع السيد علي السيستاني وموقعه في العملية؟ المتعجلون يحلمون ان يكون ما حصل، أي ارتفاع التعدد الشيعي المؤتلف على اختلافاته، الى مستوى الخلاف او الانقسام، قد مس بمرجعية السيد السيستاني. لكن العقلاء يؤكدون ان السيستاني لم يقدم نفسه زعيماً لتيار او تجمع وطني او طائفي، وانما مرشداً للجميع وفي المفاصل خصوصاً، لا يرجح ولا يرشح، لا يناصر ولا يعارض، ولا يستمد قوته من أي طرف، ويتعامل مع خيارات الجميع من موقعه المرجعي لا الطرفي. وهناك اتفاق في المساحة الأوسع من الطبقة السياسية العراقية على حراسة مقام المرجعية وحفظه ضمانة للجميع وعدم التفريط به لأنه مضر بالجميع. وهكذا يكون السيد السيستاني قد اطمأن الى ان التعددية التي كان يرى انها ستتبلور سياسياً، قد تبلورت ليتركب عليها مشروع وطني عراقي، يسهم الاختلاف الآخذ في التبلور في انجازه على نصاب وطني جامع لا يلغي الطوائف، بل يستوعب الواقع الطائفي ليتجاوزه نحو عراق واحد ومؤسسات حاكمة تتحاور وتتساجل في ما بينها من اجل خير العراق والعراقيين. كان السيد السيستاني واضحاً في حياده وتمسكه بأولوياته عندما رفض ان يتدخل في تسمية مرشح لرئاسة الوزراء يلتزم به الجميع، بناء على توجيه من قبل مجموعة من النواب المناصرين للجعفري، وهو أكد أن تدخله مضر بالمرجعية والشيعة والائتلاف والعراق. كاتب لبناني