منذ صار في الإمكان إنشاء محطات إذاعية خاصة في الأردن، انتشرت الاذاعات في العاصمة عمّان على وجه التحديد. لكن"فرحة"الاستماع إلى صوت آخر غير الصوت الرسمي الذي كان يتسيد الأثير خلال السنوات السابقة كلها، لم تكتمل تماماً. فالإذاعات الجديدة، التي يزيد عددها عن عشرة، لا تبث سوى الأغنيات. ولا توجد سوى محطتين تبثان برامج ونشرات إخبارية. والسباق المفتوح بين هذه المحطات لبث أحدث الأغنيات يهدف في أساسه لكسب ود المستمعين الشباب: فكل ما يبث في أوقات الذروة على وجه التحديد أغنيات شبابية، عربية وأجنبية، من طراز ما يبث على محطات التلفزيون الفضائية المتخصصة ببث الأغنيات على مدار الساعة. ولا شك في أن نتائج هذا السباق تبدو إيجابية بالنسبة الى هذه المحطات وحتى للشباب. فالكل مستفيد، والكل سعيد. يقول الطالب في كلية تكنولوجيا المعلومات جهاد 23 عاما إنه بدأ عادة الاستماع إلى الراديو منذ أقل من عام، بعدما اكتشف محطات خاصة جديدة تبث الأغنيات على مدار الساعة. يقول:"الشبان في المجمل يحبون الأغاني. لذلك تسمع هذه المحطات تبث أغنياتهم المفضلة طيلة ساعات النهار والليل. أهم ما في الموضوع أن الأغاني كلها شبابية بالكامل. والأغنيات القديمة لا تبث إلا في ساعات الليل المتأخرة، أي في وقت يكون في الإمكان متابعة أمور أخرى في المنزل، كالدراسة". وجهاد الذي لا يعير اهتماماً لغير الأغنيات الشبابية، ليس وحيداً في نزوعه نحو طينة موحدة من الأغاني. فزميله في الجامعة حازم يعتبر الإذاعات التي تبث الأغنيات الشبابية على مدار الساعة"فهمانة"لأنها تعرف أن جمهورها يريد هذه الأغنيات. يقول:"مقولة ان هناك جمهوراً يريد أغنيات قديمة خاطئة تماما بالنسبة الي. الشبان يحبّون الأغنيات التي تخاطبهم، وليس الموسيقى الكلاسيكية أو الأغنيات القديمة. الجمهور الحقيقي للمحطات الإذاعية في عمان شبابي، ويجب التوجه اليه بأغنيات يريدها". ولا ينتهي تحليل حازم لطبيعة جمهور المحطات الإذاعية عند هذا الحد، إذ يزيد قائلا إن"هذا يعني تحقيق كل أطراف المعادلة أرباحاً: الشباب بسماعهم أغنياتهم المفضلة، والمحطات الإذاعية بجذبها الإعلانات، والمعلنون بسماع أكبر شريحة ممكنة من الشباب لإعلانات منتجاتهم". أحد المسؤولين في محطة إذاعية تبث برامج أكثر من الأغنيات، يقول إن محطته لا تستطيع منافسة"المحطات الإذاعية الغنائية"، ولا جذب الإعلانات كما تفعل تلك المحطات، على رغم أن"البرامج التي تبثها المحطة تحمل طابعاً شبابياً"كما يقول. المسؤول الذي تمنى عدم ذكر اسمه يحار في سبب العزوف الشبابي عن المحطات الإذاعية غير الغنائية، ويقول إن"وجود برامج إذاعية شبابية يقدمها شباب وموجهة لمن هم في عمرهم سياسة لم تثبت جدواها لغاية الآن. المستمعون يتصلون بالمحطة يطلبون بث أغنية محددة، ولا يطلبون الاستماع إلى برنامج معين. لا أعرف لماذا يفضلون الأغنيات على البرامج". حازم يعتبر أن الاستماع إلى برنامج عبر الإذاعة"إضاعة للوقت". فهو يرى أن الراديو خلق لبث الأغاني فقط، ويقول:"الأغنية أفضل، فهي لطيفة وخفيفة وتنتهي بسرعة. أما البرامج فإنها تعجّ بالكلام، وأنا لا أحب الكلام. أحب الغناء أكثر". لكن الأهم من رأي حازم أو زميله جهاد، وحتى رأي المسؤولين في محطات إذاعية تغيب عنها الأغاني الشبابية لمصلحة برامج إذاعية جادة، هو أن عدد المحطات الإذاعية التي تنتظر الحصول على رخصة للبث المتخصص بالأغاني فقط في عمّان يكاد يزيد عن عدد المحطات الموجودة حالياً. وكل هذه المحطات تبحث عن مزيد من الشباب، يستمعون كلهم إلى الأغنيات فقط، وينسون أن في الهواء كلاماً قد يكون أهم من"آه ونص".