اعتبر حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة أنه من الظلم أن يُقال عنه أنه غطى قضية افلاس"بنك المدينة"، في حين أن هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال التي يترأسها"كشفت الموضوع". واعترف بأنه كان هناك"تدخلات وضغوط في الظروف التي كانت سائدة في لبنان في 2003"، مؤكداً أن البنك المركزي"تمكن من استرجاع كل الأموال من دون التأثر بهذه الضغوط". واوضح أن الأموال التي سُددت"لم تكن من المال العام ولا من مؤسسة ضمان الودائع". وعن تعليقه عما تطرق اليه نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام حول كازينو لبنان والصندوق الأسود ، كشف سلامة في حديث الى"الحياة"في باريس، انه طلب من رئيس مجلس ادارة شركة"انترا"ان"يتقدم مجدداً بأخبار امام المدعي العام للتحقيق في هذا الموضوع"، موضحاً انه"باستثناء الكلام الذي قيل، ليس هناك ما يثبت وجود الصندوق الأسود". كما اعلن انه طلب من"انترا"التي تملك 52 في المئة من الكازينو"تنظيم انتخابات لمجلس الادارة الذي انتهت ولايته المحددة بثلاث سنوات". واشار الى ان عائدات الكازينو التي تصل الى 20 مليون دولار سنوياً"مكنت انترا من تسديد ديونه". واعتبر حاكم المصرف المركزي أن تفويت لبنان"فرصة الاستفادة من الدعم الدولي في مؤتمر بيروت - 1 - الدولي، سيلقي المسؤولية على جميع القيّمين على البلد تجاه الأجيال الصاعدة وتجاه التاريخ". وأعلن سلامة ان"الدين العام تراكم خلال السنوات الثلاث الماضية، ليصل الى نحو 38 بليون دولار في نهاية العام الماضي، فيما كان حجمه بعد مؤتمر باريس - 2 - في حدود 31 بليون دولار". وأكد أن"الثقة مستمرة في الليرة اللبنانية، وتشير اليها عمليات التحويل المستمرة من الدولار الى الليرة". ولفت الى ان الودائع في القطاع المصرفي اللبناني بلغت 61 بليون دولار"، معتبراً انه"أعلى رقم يسجله لبنان في تاريخه". وكشف أن البنك المركزي سمح للمصارف اللبنانية بالخروج الى المنطقة العربية، متوقعاً"تأسيس مصارف لبنانية في كل أنحاء العالم العربي". وهنا نص الحديث: سلمت ملف"بنك المدينة"الى القضاء اللبناني، ولكن هناك من انتقدك بالتأخر في الخروج عن الصمت حول موضوع هذا المصرف وافلاسه. فما سبب ذلك؟ هل أردت تغطية بعض الأمور نتيجة الضغوط؟ وماذا يتضمن الملف الذي سلمته الى القضاء؟ - أولاً، ملف مكافحة تبييض الأموال الذي كشفناه في"بنك المدينة"ورد من هيئة التحقيق التي أرأسها. لذا من الظلم أن يُقال أننا أردنا التغطية، ومن الظلم ايضاً أن يُقال أننا لم نرد التحقيق فيه. والحقيقة أن الهيئة الخاصة بالتحقيق اتهمت بعض المتعاملين في المصرف بتبييض الأموال. واستُرد هذا الملف مرتين من القضاء، في المرة الأولى لأن أصحاب المصرف أنفسهم أعلنوا في الصحف أنهم متوافقون مع الذين كانوا متهمين بالتبييض أي بسرقة الأموال، وفي المرة الثانية لأن بعض الذين وردت اسماؤهم على اللائحة وعد بتسديد مبلغ يقارب 300 مليون دولار. وكانت اولويتنا تقضي بتغطية أموال المودعين. والاكيد اننا استرددنا المبلغ وأنهينا كل التحقيقات، وبعدما أمّنا الاموال ل 14 ألف مودع، أعدنا هذا الملف الى المدعي العام وأصبحت هذه العملية الآن في يد القضاء. وبموجب القانون، لا يمكن التحدث عنها كون الشق المصرفي منها انتهى. صحيح انه كانت هناك ضغوط وتدخلات، ولكن اود ان أذكّر بالظروف التي كانت سائدة في لبنان في 2003 ، عندما كشفنا موضوع"بنك المدينة". فقد استرجعنا كل الأموال في هذا الوقت، ولذا لم نتأثر بالضغوط. والأموال التي سددت للمودعين لم تكن من المال العام أو البنك المركزي، ولم نحرك حتى مؤسسة ضمان الودائع. هل قدّم ملف"بنك المدينة"أدلة للجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ - أرادت لجنة التحقيق الدولية التي كانت دائماً على تنسيق مع الهيئة الخاصة للتحقيق في تبييض الأموال الاطلاع. ولكن التقرير الأخير للجنة اشار بوضوح الى ان موضوع"بنك المدينة"انتهى في حزيران يونيو 2003 ، وأن التخطيط للجريمة بالنسبة الى اللجنة تم بعد سنة ونصف السنة من قضية"بنك المدينة"، لذا اكدوا في التقرير عدم متابعة التحقيق في الموضوع المتعلق بالمصرف. أما بالنسبة الى التحقيق القضائي المستمر، فهو يتعلق بالشكوى التي ارسلتها الهيئة الخاصة الى النيابة العامة. من أي جهة اتت هذه الضغوط، من رئاسة الجمهورية أم من خارج لبنان؟ - لم يتدخل رئيس الجمهورية في هذه القضية، والضغوط اتت من اشخاص لهم مصالح، ولا نريد الادلاء بأسماء. ما هي اسباب الخلاف بين الوزير محمد الصفدي ورئيس مجلس ادارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت، وما هي المشكلة؟ - تمثل شركة طيران الشرق الأوسط، وهي شركة من القطاع الخاص، تجربة ناجحة في لبنان وتحولت الى شركة رابحة. مصرف لبنان يملك الأسهم وهي عادية، لذا فإن اعادة بيعها لا تتطلب أي قانون. كما ان الشركة تابعة لقانون التجارة. وبعدما حققت الشركة ارباحاً متتالية على مدى ثلاث سنوات، اتخذنا قراراً صادقت عليه الجمعية العمومية الأخيرة، قضى باعادة بيع 25 في المئة مما نملكه من أسهم. ونعتقد أنه يفترض بالبنك المركزي ان يأخذ في الاعتبار مصالح لبنان، وأن يبيع النشاطات التجارية، والتي كان اضطر بسبب الحرب أن يمتلكها، لاسباب عدة ولأن هذه المؤسسات تحد من استقلاليته. هناك انتقاد لاسعار بطاقات"ميدل ايست"وخصوصاً على خط بيروت - باريس. فما هي الاسباب؟ - لقد انتخبنا مجلس ادارة يرأسه الأستاذ محمد الحوت. ونحن لا نتدخل بالخطط الاستراتيجية المتبعة. ولكن من المؤكد اننا مهتمون باستمرار طيران الشرق الأوسط شركة رابحة. فلبنان يعيش اليوم في ظل أجواء مفتوحة أي أن هناك شركات عدة تدخل الى السوق وتنقل ركاباً الى محطات عدة في الخارج. وعلى رغم ذلك تستمر الحركة على طيران الشرق الأوسط في الازدياد. وأعتقد أن حركة العرض والطلب هي التي تحدد الأسعار، كما أن الخدمة والطريقة التي تعمل بها الشركة لجهة تأمين السلامة والأمان والابقاء على رحلاتها، مهما كانت الظروف في لبنان، أكسبتها عدداً لا يُستهان به من الزبائن. وكانت طيران الشرق الأوسط من الشركات النادرة التي حققت أرباحاً في العام الماضي، وذلك على رغم الأوضاع الصعبة. فمتى نحقق هدفنا، الذي وضعناه ل2006 أن نبيع جزءاً من هذه الشركة للسوق سيكون هناك أجواء أفضل بالتعاطي بينها وبين القطاع الخاص. ما هو تعليقكم على ما قاله نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام حول وجود صندوق أسود في كازينو لبنان؟ ومتى سيتم تعيين مجلس ادارة جديد؟ - يملك مصرف لبنان 35 في المئة من شركة"انترا"، التي تملك 52 في المئة من الكازينو. إذن ليس هناك تعاط مباشر بين الكازينو والبنك المركزي. فضلاً عن ان هذه الشركات هي تجارية وغير خاضعة للهرمية الادارية كما يعتقد البعض. اما بالنسبة الى موضوع الصندوق الأسود، فقد اتخذنا خطوات لدى اثارة الموضوع، تمثلت بتوجيه كتب خطية الى رئيس مجلس ادارة"انترا"الكتور محمد شعيب للتحقق من هذا الأمر، وكذلك الى مدقق الحسابات للهدف نفسه. كما حقق في الموضوع المدعي العام صيف 2004 ، وحفظ الملف. كما أُثير هذا الموضوع في مجلس الوزراء أخيراً، وطلبت من رئيس"انترا"الرجل الناجح في الشركة، ان يتقدم مجدداً باخبار امام المدعي العام للتحقيق في هذا الموضوع. ولو كنا على علم بوجود مثل هذا الصندوق لكنا بالتأكيد تدخلنا لوقف ذلك، ولكن باستثناء الكلام الذي قيل، ليس هناك ما يثبت وجود الصندوق الأسود. لذا سننتظر تحقيقاً جديداً من القضاء. وبالنسبة الى مجلس الادارة، كما هو معروف، فإن كل هذه المؤسسات كانت أُدخلت في السلة أيام اتفاق الطائف. ونحن لا نرى أن هذا الامر مفيد، لا للمؤسسات ولا للبنان. لذا تتم التعيينات فيها بتدخل سياسي، بالنسبة الى كازينو لبنان يتم تعيين رئيسه ومجلس الادارة تقليدياً بقرار سياسي. ونحن لن نتدخل في هذا الموضوع، طالما لم يقرر السياسيون الابتعاد من هذا الملف. ويتدخل المصرف المركزي في المؤسسات التي يملكها، كما فعلنا في طيران الشرق الأوسط أو"البنك اللبناني للتجارة"أو"انترا". ويجب ان يصدر القرار بعدم التدخل السياسي من مجلس الوزراء. لذا لا يمكن أن يطلبوا منا القيام بأمور ولا يتركوننا نقوم بها. وبالتأكيد فإن مثل هذا القرار يتطلب موافقة رئيس الجمهورية الذي يترأس جلسات المجلس. وكنا طلبنا من"انترا"تنظيم انتخابات لمجلس ادارة الكازينو، لأن هذا المجلس مرّ الزمن على فترة ممارسته المفروضة، علماً أن كازينو لبنان أحرز نتائج جيدة، وسمح ل"انترا"في تسديد كل ديونها. ولكن من حيث الشكل القانوني، يفترض انتخاب مجلس ادارة بعد مرور ثلاث سنوات. وبحسب ما اعلنت"انترا"، فقد بلغت أرباح الكازينو 20 مليون دولار سنويا،ًَ والحصص التي تلقتها مكنتها من تسديد ديونها لتتحول الى شركة من دون ديون. هل بات لبنان مستعداً لمؤتمر بيروت للمانحين؟ وماذا عن برنامج الاصلاحات؟ - هناك ظرف مؤات اليوم للبنان لكي يستفيد من الدعم الدولي لتحقيق برنامج اصلاحي ينقله واقتصاده الى القرن ال21. وأعتقد أن تفويت هذه الفرصة سيلقي المسؤولية على القيمين على البلد تجاه الأجيال الصاعدة وتجاه التاريخ. وبات تحقيق نجاح مؤتمر الدول المانحة بالنسبة الى لبنان يتعلق باللبنانيين. واذا لم يكن هناك توافق داخلي، فمن الصعب تنفيذ اصلاحات. سمعت منك هذا الكلام في زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولم يكن هناك توافق بينه وبين رئيس الجمهورية. فما الذي يضمن الوفاق الآن حول الاصلاحات؟ - بالفعل ان التطورات التي حصلت لم تكن جيدة، بمعنى أن الدين العام عاد الى ارتفاع بعد باريس - 2 - ، بعدما حصل خفص الى حدود 31 بليون دولار. واقفل هذا الدين في نهاية العام الماضي على 38 بليون دولار، ما يعني انه في خلال ثلاث سنوات ارتفع بحدود 7 بلايين دولار. وهذا الأمر يفوت على لبنان فرصاً مهمة للاستفادة من الاستثمار. اذ باستثناء القطاع المصرفي والمالي، لا يشهد لبنان حركة توظيف توفر فرص العمل للبنانيين. في حين ان لدى الحكومة برنامجاً اصلاحياً، وهو لمصلحة لبنان ويمكن ان يوفر له مناخ استثمار، ولذا يمكن أن يتحوّل الى عملية مفيدة للاقتصاد وللبنانيين. فالامور معدة تقنياً، ولكنها ما زالت متأخرة سياسياً. ولا اعتقد انه يمكن أن تكون لنا صدقية في التزاماتنا، اذا لم يكن هناك توافق وطني. وسيكون"بيروت ? 1" مشروطاً بالاصلاحات وتحرير الأموال وبتنفيذ هذه الاصلاحات. وقد يُعقد المؤتمر وتكون هناك التزامات مالية، ولكن تنفيذها مرهون بتنفيذ المشروع الاصلاحي. هل سيكون من الصعب على الشعب اللبناني تنفيذ هذه الاصلاحات؟ - لا شك في أن القرارات صعبة، ولكن اذا كان الشعب اللبناني واثقاً بأن الاصلاح سيؤدي الى مستقبل أفضل، فيمكنه أن يواكب هذه الاصلاحات المطلوبة في جزء كبير منها. ولكن هناك أسساً معينة مرتبطة بمكافحة الفساد، وتتعلق بالشفافية وبترشيد الانفاق، وينبغي أن تكون مقدمة كي ينضم الشعب الى تنفيذ هذا البرنامج. ماذا عن انقاذ"البنك اللبناني للتجارة"؟ - كان"البنك اللبناني للتجارة"على شفير الافلاس قبل ثلاث سنوات. تدخل مصرف لبنان وقام بمخاطرة عندما دفع 150 مليون دولار لتعويمه وتملك أسهمه. وبعد مرور ثلاث سنوات لم يعد خيار المساهمين شراءه مجدداً. فاعتبرنا أنه لا يجوز للبنك المركزي أن يكون مالكاً لمصرف تجاري. ولذا بعدما نجحت الادارة برئاسة شادي كرم بتصحيح أوضاع هذا المصرف، طرحنا بيعه في مزاد علني وبطريقة شفافة من دون أي وسيط، وتمكنا من استقطاب عروض عدة. وفازت بالمزايدة مؤسسة الاستثمار القطرية، التي تتمتع بنوعية متميزة، ودفعت سعراً حقق أرباحاً للبنك المركزي. وبعنا المصرف بمبلغپ236 مليون وپ377 ألف دولار، وحقق هذا الأمر ربحاً لمصرف لبنان بحدود 86 مليون دولار. والامر الأهم في هذا الموضوع، ان هذه العملية أدّت الى اعادة الاهتمام بالأوراق الماليةاللبنانية ولا سيّما منها المصرفية. وشهدنا بعدها مباشرة، حركة رسملة في اتجاه القطاع المصرفي اللبناني ستؤدي الى تحسين الأموال الخاصة فيه، كما الى استقطاب أموال، ليس فقط الى المصارف، بل ايضاً الى أسهم الشركات الباقية. وتبع ذلك عمليات عدة، لا سيما منها عملية"بنك عودة"وپ"بنك لبنان والمهجر"الآن وغيرها من المصارف. ونتوقع من خلال هذه العمليات أن تتعدى الأموال الخاصة في القطاع المصرفي، التي بلغت اربعة بلايين دولار في نهاية العام الماضي، او ان تقترب من ستة بلايين خلال العام الجاري. وهذا الامر جيد للبنان وللثقة في القطاع المصرفي، ولكن ايضاً لتطبيق معايير بازل - 2 في شكل وفيّ وسهل. وفي الاجتماع الأخير مع جمعية المصارف شجعنا كل المصارف على فتح رؤوس أموالها، للاستفادة من توافر السيولة في العالم العربي، والاهتمام القائم بالقطاع المصرفي اللبناني. الا يهدد تراكم الدين استقرار الليرة؟ - تشهد الليرة اللبنانية اقبالاً، فضلاً عن حركة تحويل دائمة من الدولار الى الليرة، ولم يتأثر وضع السوق بكل التطورات السياسية التي حدثت. وبعد اغتيال الرئيس الشهيد الحريري حدثت صدمة في سوق القطع، ولكن لمجرد تجاوزها عادت الثقة، والليرة اللبنانية مستقرة. كما عادت الودائع في لبنان الى الارتفاع، بعد خروج بليوني دولار، بعد اغتيال الرئيس الحريري. وبلغ حجم هذه الودائع في القطاع المصرفي 61 بليون دولار، وهو أعلى رقم يسجله لبنان في تاريخه. ولو لم تشعر الأسواق بوجود قطاع مالي ومصرفي ممسوك لما تدفقت السيولة الى الاسواق اللبنانية. ولكي يستمر القطاع المصرفي في هذا الاتجاه، سمحنا للمصارف بالخروج الى المنطقة العربية. وسنشهد حركة تأسيس مصارف لبنانية في كل أنحاء العالم العربي.