سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تباينات عربية وغموض روسي في مجلس المحافظين ... والصين والكتلة الأميركية اللاتينية تميلان الى طهران . أزمة ايران أمام وكالة الطاقة الدولية ... خطوة أولى في "الرحلة" الى أزمة العقوبات
يجتمع اليوم مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بدعوة من الترويكا الأوروبية ألمانيا وفرنسا وإنكلترا، للبحث في تحويل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن، ما يفتح الباب واسعاً أمام فرض عقوبات على طهران للمرة الأولى في تاريخ"جمهورية إيران الإسلامية"التي تتعرض منذ شهور لضغوط دولية مكثفة من أجل إجبارها على وقف تخصيب اليورانيوم. وفي وقت تتسرب - وفق نسق منظم - معلومات عن ضربات عسكرية اسرائيلية للمنشآت النووية الايرانية، فان الضغوط على طهران لا تقتصر على الولاياتالمتحدة وإسرائيل فقط، بل امتدت - منذ توقف المفاوضات بين الترويكا الأوروبية وإيران- إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً. وبإضافة هذه المجموعة النافذة إلى قائمة الضاغطين فضلاً عن اليابان وكندا واستراليا، تمكن ملاحظة اصطفاف دولي لا سابق له، قد تكون أولى بوادره التنفيذية في تصويت مجلس المحافظين على إحالة الملف على مجلس الأمن. يعتبر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يجتمع خمس مرات في السنة أعلى هيئات الوكالة التي أنشئت عام 1957 كمنظمة تابعة للأمم المتحدة، ويتألف من 35 عضواً ينتخبون دورياً لمدة تراوح بين عام وعامين. ولكل عضو صوت واحد متساوي الأهمية مع غيره، وليست هناك حقوق استثنائية أو حق النقض لدولة أو مجموعة من الدول على غرار مجلس الأمن. ويتخذ المجلس قراراته بالغالبية البسيطة 18 عضواً من أصل 35 وليس بغالبية الثلثين المنصوص عليها في اللائحة والتي تنطبق على ظروف أخرى مثل إقرار الموازنة وغيرها. لذلك يتوقع أن تتوافر غالبية لمصلحة إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية، وهو أمر مستبعد. ويتضح من جدول العضوية في مجلس المحافظين أن الدول العربية مصر وسورية وليبيا والجزائر واليمن تمتلك أكثر من 15 في المئة من القوة التصويتية. وعلى رغم ذلك، لا يبدو أن هناك إجماعاً عربياً حول الموقف من هذا الملف. وربما أمكن التكهن بموقف دولة عربية واحدة عضو في المجلس هي سورية التي يتوقع أن تقف بقوة الى جانب ايران في ضوء التحالف القائم بين البلدين. أما بقية الدول العربية فقد تميل إلى ترجيح كفة علاقاتها الدولية على ما عداها من اعتبارات. وعلى النقيض من الكتلة العربية، يتوقع المفاوضون الإيرانيون أن تصوت غالبية الأعضاء من كتلة أميركا اللاتينية بقيادة كوبا وفنزويلا ضد مشروع القرار أو على الاقل ان تمتنع عن التصويت. أما الكتلة الأوروبية التي تقف وراء عقد الإجتماع فستصوت بغالبيتها الساحقة ضد طهران، ربما باستثناء روسيا التي ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران والتي لا يزال موقفها غير واضح تماماً. وفي ضوء علاقاتها الخاصة مع روسيا البيضاء يتوقع أن يكون السلوك التصويتي للأخيرة مرتبطاً بالموقف الروسي. وربما يطمئن المفاوضون الإيرانيون إلى موقف الصين أكثر من موقف أي دولة آخرى، اذ أن بكين تعتمد على إيران في تمويل نسبة معتبرة من احتياجاتها النفطية الحالية والمستقبلية. ويأمل الايرانيون بأن تتمكن بكين من التأثير في بعض الدول الآسيوية، كما يأملون بأن تمتنع الهند عن التصويت نظراً الى علاقاتها المتميزة مع طهران. وربما مال موقف جنوب إفريقيا قليلاً لمصلحة إيران بسبب موقف الأخيرة الداعم لنضال السود أثناء حكم العنصريين. فيما تدعم اليابان واستراليا وكندا بقوة نقل ضد طهران. جوهر المسألة المتنازع عليها أن استخدام اليورانيوم الذي تتمسك به إيران يعد مثالاً كلاسيكياً لتقنية الاستعمال المزدوج. فكما يمكن استخدام جهاز التكييف نفسه لتوليد البرودة صيفاً والحرارة شتاء، يمكن استخدام عمليات تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية لتوليد الطاقة إذا توقفت عمليات التخصيب عند درجة نقاء لا تتجاوز خمسة في المئة. أما إذا استمرت العمليات لفترات أطول وحتى الوصول إلى درجة نقاء ما بين 80 في المئة و90 في المئة، فيمكن عندها انتاج قنابل نووية من دون إحداث تغييرات كبيرة في هياكل المنشآت النووية. وبالتالي يعتمد الموقف الغربي في تقويمه للمنشآت النووية الإيرانية على شكوك عميقة في نيات طهران السلمية. بمعنى آخر تطالب الدول الغربية إيران بإثبات براءتها، على العكس من البديهة القانونية القائلة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. ولأن مجلس الأمن لا يستطيع إصدار قرارات عقابية ضد دول من دون وجود أسانيد قانونية، اذ لا تكفي الشبهات لاعتبارها أساساً معقولاً، يرجح ان يتخذ مجلس المحافظين قراراً بتحويل الملف إلى المجلس. وفي هذه الحال سيكون"التكييف القانوني"لاتخاذ قرارات عقابية ضد إيران أيسر قانوناً، بغض النظر عن الغالبية المتوافرة في المجلس. وهنا تكمن أهمية النقلة النوعية التي سيتخذها مجلس المحافظين غداً، ليس على مستقبل النظام الإيراني فقط، ولكن على التوازنات في كامل المنطقة. الحجج الغربية حتى الآن امتلكت دول قليلة جداً في العالم دورة الوقود النووي الكاملة، وهي الولايات المتجدة وروسيا وفرنسا والصينوالهند وباكستان واليابان وإسرائيل وكوريا الشمالية والبرازيل وجنوب إفريقيا. والغالبية العظمى من هذه الدول تمتلك أسلحة نووية أيضاً. ولأن اكتشاف منشآة ناتانز جاء عام 2002 طبقاً لمعلومات منظمة"مجاهدي خلق"الإيرانية المعارضة، وليس بناء على إخطار إيراني للوكالة، اعتبرت الدول الغربية أن لدى طهران ما تخفيه. وتحاجج الدول الغربية بأنه إذا كان صحيحاً أن لإيران الحق في استخدام اليورانيوم للأغراض السلمية طبقا لمعاهدة حظر الانتشار النووي، فإن هذا الحق مرتبط بالتزام الدولة صاحبة الحق في إبلاغ الوكالة عن أية مستجدات تقنية وقانونية طبقا للمادة الثالثة من المعاهدة، وعدم ابلاغ ايران عن منشآة ناتانز وأنشطة التخصيب فيها هو بالتالي ? كما يقول مؤيدو تحويل الملف إلى مجلس الأمن - بمثابة خرق للمعاهدة. وتأخذ الأقطاب الدولية على طهران أنها ماطلت في الاعتراف بطبيعة منشأة"ناتانز"، إذ أعلنت عقب اكتشاف وجود المنشآة أنها مصنع لانتاج ساعات اليد، قبل أن تعترف بوجود أجهزة طرد مركزي فيها من أجل"إجراء تجارب"لتخصيب اليورانيوم. ثم تبين لاحقاً أن إيران لم تبلغ الوكالة بأنها استوردت يورانيوم من الصين كما لم تبلغها بأنشطة تخصيبه. وزادت الشكوك حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني، عقب اكتشاف أن أجهزة الطرد المركزي التي تستخدمها إيران في عمليات التخصيب حصلت عليها عبر الشبكة الدولية التي تزعمها العالم الباكستاني عبدالقدير خان. ومعلوم أن هذه الشبكة أمدت في سنوات سابقة كلا من ليبيا وكوريا الشمالية بهذه الأجهزة، وهما الدولتان اللتان كانتا تخططان لامتلاك السلاح النووي قبل تخلي الأولى نهائيا عنه لاحقاً. واثر تخلي طرابلس عن مشروعها النووي، كشفت للوكالة الدولية عن شبكة خان الذي أفاد التحقيق الباكستاني معه بأن شبكته لم تمد طهران بأجهزة الطرد المركزي فحسب، بل زودتها أيضاً معلومات حول تطوير"هكسافلوريد اليورانيوم"، وهو منتج لا يمكن استخدامه إلا لإنتاج الأسلحة النووية. وأقرت إيران بأنها امتلكت منذ عام 1995 أجهزة طرد مركزي متقدمة من طراز"بي 2"، وزعمت أنها لم تستخدمها إلا عام 2002. لكل هذه المبررات لا تستطيع الوكالة إعطاء إيران صك براءة من الشكوك المثارة حول برنامجها النووي على رغم تعاون طهران مع المفتشين الدوليين تعاوناً كاملاً. انتهت المفاوضات التي جرت بين الترويكا الأوروبية وإيران والتي استمرت عامين بالفشل، عندما قررت ايران استئناف تخصيب اليورانيوم الذي توقفت عنه طوعاً طيلة فترة المفاوضات. كما رفضت طهران عرضا أوروبيا بتزويدها الوقود النووي شرط استرجاعه ثانية ضمن آلية فحص معلومة، وتقديم أوروبا ضمانات تتعلق بتعاون اقتصادي وتقني مع إيران. اثر ذلك، طلبت طهران من الوكالة رفع الاختام الموجودة على منشأة ناتانز تمهيداً لاستئناف أبحاثها النووية وهو ما حدث بداية العام الجاري. وكلمة"أبحاث"تعني استئناف تخصيب اليورانيوم وإن لأغراض تجريبية"وهو ما يفتح من جديد باب الاستخدام المزدوج للتقنية، وبالتالي طلبت الترويكا انعقاد مجلس المحافظين لتحويل إيران وملفها النووي إلى مجلس الأمن. ثم جاء رفض إيران للعرض الروسي القاضي بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية ليزيد من الشكوك في نيات طهران. لذلك أصدر مجلس المحافظين التابع للوكالة في أيلول سبتمبر الماضي قرارا أشار إلى فقدان الصدقية في الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وهي قضية تكون ملابساتها من اختصاص مجلس الأمن الدولي. وطالب إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم - مثلما فعلت طيلة مفاوضاتها مع الترويكا الأوروبية - لقطع دابر تلك الشكوك. وجاء انتخاب الرئيس الراديكالي محمود أحمدي نجاد وتصريحاته النارية ضد إسرائيل وإنكار"المحرقة النازية"لتغير من صورة إيران في الغرب وتزيد الشكوك حول برنامجها النووي. الموقف الإيراني القانوني تؤكد إيران أن برنامجها النووي مخصص حصراً للأغراض السلمية، وتذكر بأنها وقعت اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية وكذلك البروتوكول الإضافي الذي يسمح بعمليات تفتيش مفاجئة لمنشآتها النووية. كما سمحت طهران للمفتشين الدوليين بتفقد منشآتها النووية واستجواب علماء الذرة الايرانيين، وهي تتمسك بأن لها حقاً طبيعياً تكفله مواثيق الوكالة في تخصيب اليورانيوم من أجل توليد الطاقة، لتلبية الاحتياجات المتنامية للطاقة فيها ولسكانها البالغ عددهم 70 مليوناً،. ولتحقيق هذه الأهداف توخت إيران بناء مفاعلات نووية وامتلاك دورة الوقود النووي، وليس استيراد هذا الوقود لتخصيبه في أراضيها وإعادته إلى مصدريه مرة أخرى. ويندد الإيرانيون بسياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها الغرب، إذ يؤيدون المبادرة المصرية بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل ويلتزمون الإتفاقات ويتعرضون مع ذلك لضغوك مبنية على شكوك وعلى قرارات سياسية وليست قانونية. أما إسرائيل التي تمتلك بالفعل ترسانة ضخمة من الأسلحة النووية فلا تتعرض لأية ضغوط ولا تهديد بعقوبات، ولا حتى مجرد مناقشة لبرنامجها النووي في المحافل الدولية. مشروع القرار تأسيساً على الملابسات والتطورات وتقديرات مواقف الأطراف المختلفة يمكن توقع مشروع قرار من مجلس المحافظين التابع للوكالة يتضمن"إلزام طهران بالتوقف فوراً ونهائياً"عن أنشطة تخصيب اليورانيوم كخطوة أولى، والسماح لمفتشي الوكالة ب"التأكد"من الإحاطة بالجوانب المختلفة للبرنامج النووي الإيراني"كخطوة ثانية، وربط المطلبين بتحديد"مهلة"لإيران لقبول تلك الشروط. وفي حال انقضاء الموعد يحول الملف أوتوماتيكيا إلى مجلس الأمن، لأن مجلس المحافظين لا يستطيع تقرير عقوبات بحق الدول. وبذلك تغطى العقوبات اللاحقة من مجلس الأمن بغطاء قانوني مناسب هو قرار مجلس المحافظين وعدم إلتزام إيران بالمهلة. أما التحركات الإيرانية الأخيرة والتلويح بدرس العرض الروسي بتخصيب اليورانيوم على الأراضي الروسية، والمطالبة بمهلة حتى أذار مارس المقبل موعد الاجتماع الدوري لمجلس المحافظين، فتظهر من جديد وعي صناع القرار في ايران بخطورة المرحلة الإنتقالية التي تمر بها بلادهم الآن، من دولة ذات سيادة إلى دولة معاقبة. لكن المرجح أن تكون الجلسة الاستثنائية لمجلس المحافظين اليوم، تمهيداً لنقل مناقشة الملف النووي الإيراني الى داخل مجلس الأمن، حيث سيف العقوبات المسلط على عنق طهران. الدول الأعضاء في مجلس محافظي الوكالة الكتلة العربية : مصر وسورية والجزائر واليمن وليبيا. كتلة أميركا اللاتينية: كوبا وفنزويلا والأرجنتين والإكوادور والبرازيل وكولومبيا. كتلة أفريقيا: غاناوجنوب إفريقيا. كتلة آسيا: الهندوالصين واندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وسريلانكا. الكتلة الأوروبية: بلجيكا واليونان وفرنسا والنرويج وسلوفاكيا والسويد وروسيا البيضاء وألمانيا والبرتغال وانكلترا وسلوفينيا وروسيا. الكتلة القارية: الولاياتالمتحدة الأميركية واستراليا وكندا. * خبير مصري متخصص في الشؤون الإيرانية