ظاهرة"فنانات الاغراء"اللبنانيات في السينما المصرية تنتشر يوما بعد آخر:"أنوثتهن الطاغية"و"جمالهن"، إقبالهن على القبلات وما قد يلي، ثم ملامحهن التي يُعتقد انها غربية: إنهن"يستطعن تجسيد شخصية فتاة ذات اصول اوروبية". هذه اقوال بعض المخرجين المصريين"الناجحين"، من دون اسمائهم. اللبنانية، عندهم، مثل اللبنانية عند عامة الشعب: حنطاوية أي"بيضاء"، مشقّّرة الشعر وذات عيون ملونة وقدّ نحيف وهندام"حريمي". كثيرات اليوم هن... لبنانيات،"مطربات"فيديو كلب على قدر عظيم من"الجاذبية"وعلى قليل من الموهبة. يتصدّرن الآن سوق الاغراء في الافلام المصرية الهابطة، أي الاكثر شعبية، أو حتى تلك التي تدعي عدم الهبوط... يختارهن المنتج قبل المخرج او بالاتفاق معه، لإصطياد اصحاب النظر المحروم من المتعة، فيدغدغون النظر لساعة او ساعتين: أي السوق الكبير في ما بات الآن التجارة السينمائية. لماذا اللبنانيات في الاغراء؟ لا المصريات أو غيرهن أصلا؟ او النجمات او الموهوبات من بينهن؟ لأن الجمهور، زبون هذه السوق، لم يعد يقبل الا النجمات"النظيفات": النجمة التي لا تقبّّل ولا تغري ولا تلبس المايوه، والتي تعد بأنها يوما ما سوف تتحجّب. لكن نفس هذا الجمهور الكاره أن تكون نجمته المفضلة"غير نظيفة"، يحتاج وينجذب الى الممثلة - المرأة ذات القدود المعرّاة والدلع والقبلات والفراش. جمهور"نظيف"، يحتاج الى ان يسترق نظره الى"الوساخة". فماذا يفعل المخرج او المنتج او الاثنان؟ لا يستطيعون التضحية بالنجمات المكرسات. وبدورهن فالتجمات المكرسات فهمن اللعبة وتوقفنَ عن التعرّي والتقبيل... هكذا يولّون النظر نحو الفيديو الذي اعتاد عليه الجمهور النظيف ايضا، بحثا عن نجمة لبنانية من تلك اللواتي تعثّر حظهن او تضخّم طموحهن. وبعض نجمات الفيديو كلب يهون عليهن"إغراء"السينما المصرية الطفيف أمام"إغراء"الكليب. وتصير الواحدة منهن تحلم ب"فرصة"لها في القاهرة، تطلقها الى دنيا النجوم، كما اطلقت في الايام الخوالي صباح وفايزة احمد وماري كويني وبديعة مصابني... لكن المشكلة ان موهبة"مطربة"الكليب في التمثيل، بعد"الغناء"، محدودة جدا. والمخرجون المصريون المعنيون بالظاهرة يعلمون انه سدّا لنواقص السينما النظيفة، لا يلجأون الى موهبة الممثلات اللبنانيات. همّهم ليس اكتشاف المواهب الفنية، بل المفاتن الجسدية..."يصبّرون"بها المشاهد على ازدواجية اخلاقه. والمخرجون يعلمون اشد العلم ان واحدة من هؤلاء اللبنانيات لن تستمر اكثر من فيلم واحد. مثل اية سلعة استهلاكية. تنتهي منها، ثم تجلب غيرها. فالفيديو كليب لا يتوقف عن توليد"الفنانات". اما الجمهور، فبعدما تعرّت النجمة امامه وأدّت ادوار الاغراء الآثمة، هذا الجمهور نفسه الذي سالَ لعابه امام مشاهد جسدها ووجهها... لن يقبل عليها مرة ثانية مثل الذي يرفض الاقتران بالتي مارست معه الجنس، ولو للمرة الاولى... هذا الجمهور نفسه لن يكرّسها نجمة، بل سوف يضعها في الحجْر الصحي الاخلاقي... بعد خطيئتها الاولى. الممثلة التونسية هند صبري كانت اكثر حنْكة من فنانات الكليب اللبنانيات. بعد فيلمها الاول،"مذكرات مراهقة"، حيث ظهرت في مشاهد اغراء وفي دور الباحثة عن الحب، ادار الجمهور لها ظهره. فهمت الدرس بسرعة"وتأمينا لمستقبلها المهني حرصت في الافلام اللاحقة على تجنّب مشاهد الاغراء. فصارت نجمة صاعدة كالصاروخ. واضح ان المنتجين السينمائيين المصريين، ومعهم بعض المخرجين، لم يعودوا مهتمين الا بإفراغ المزيد من الجيوب. وبغية ذلك، فان"أنجحهم"، أي اعلاهم ايراداً، هم الذين يقدمون"نجمات نظيفات"من بطلات الفيلم بطولة مطلقة، والى جوارهن،"فنانة لبنانية"شبه كومبارس، مهارتها وموهبتها الوحيدة دلعها وجسدها والمايوه البيكيني وشعرها... تقوم بالعمل"الوسخ"، الضروري، الذي لا يستطيع القيام به الأعالي من اصحاب الفضائل والاخلاق الحميدة، الموعودون بالثواب. انها اكثر من ديماغوجيا فنية.... لكي نتخيل قليلا كيف وصلنا الى هذا المستوى، يكفي ان نتذكر هند رستم. ملكة الاغراء في السينما المصرية للقرن الماضي. ليس الاغراء بوصفه خفّة وخواء، بل الاغراء كفن وجمال ومخيّلة واحاسيس مركّبة. هند رستم لم تكن محترمة فقط في الحياة بل في السينما ايضا، وفي الشخصيات التي جسّدتها. كانت طباعا ترسم ملامحها الاغرائية بنفسها. ذاتاً قائمة. لا موضوعا مغرّبا في لعبة الاستهلاك. ما الذي حصل منذ غياب هند رستم عن الشاشة؟ وصار الاغراء رزقا آثماً؟ لا فنا من فنون السينما؟ تغيرت السينما المصرية. اصبحت سوقا شرسة ومراوغة، لجمهور منفصم انفصاما حادا بين الرذيلة والفضيلة. الفضيلة له ولنجماته المحبوبات. والرذيلة للفنانات اللبنانيات. له الجنة ولهن النار. هل تذكّر هذه المعادلة بشيء؟