نادراً ما تطلب المرأة الطلاق في مجتمعاتنا التي ما زالت ترزح تحت النظرة الذكورية، بل إنّها ستفضّل المعاناة بالسرّ وترضخ لعلاقة زوجية لا تريدها خوفاً من المجتمع. أمّا إذا طلبت الطلاق، فإنها ستصطدم بالتمييز الشديد ضدها وستعاني كثيراً وستكلفها حريتها غالياً. هالة 29 عاماً دفعت ثمناً باهظاً لطلاقها. فبعد سنوات من المعاناة سببها إجراءات الطلاق المعقدة، واضطرارها للعمل 12 ساعة يومياً لتأمين إيجار المنزل، ومستلزمات ابنتها الوحيدة، لم ترحمها ألسنة الناس ولا عيونهم. فالمطلّقة في مجتمعاتنا تعاني من النظرة الدونية خصوصاً من الرجال الذين يعتبرونها"امرأة تحت الطلب"بل أكثر من ذلك. وتقول هالة:"منذ طلاقي وأنا أعاني من التحرّش، سواء من طريق التلميحات، أو عبر الدعوات المباشرة وغير المباشرة". ولا يقتصر الأمر على الرجال وحدهم، بل إنّ النساء أيضاً الواقعات تحت رحمة مجتمع يختصر المرأة بالإطار الزوجي فقط، يتصرّفن وفق معاييره". وتعترف هالة:"تفاجئني تصرفات جاراتي معي. ذات يوم، أوصدت جارتي الباب في وجهي لتمنع زوجها من رؤيتي، بينما منعت جارة أخرى ابنها من إلقاء السلام عليّ، واختلقت ثالثة قصّة عن زوجي الذي هاجر الى بلاد أجنبية، ظناً منها أنّها تحميني من كلام الناس. كانت تزعجني هذه التصرفات في البداية، لكنّني تخطيتها عبر التعاطي فقط مع من يتقبلني كما أنا". لا تقتصر عواقب الطلاق على المرأة فحسب، بل تمتدّ الى الأطفال الذين يعانون الأمرّين. إذ يتعذّب الطفل أحياناً من غياب والده الذي يتركه أحياناً مع والدته متخلّياً عن مسؤولياته المعنوية والنفسية والمالية تجاهه. ويعاني أيضاً من"عقدة الذنب"لأنّه يعتقد أنّ طلاق الوالدين جاء بسببه. هذا ما حصل مع سميرة التي تزوجت من علي ثم تطلّقا بعد انجاب ثلاثة صبيان وبنت واحدة. ولم يكن الطلاق بحد ذاته مشكلة بالنسبة الى سميرة، لكنّ المشكلة هي اضطرارها للعمل لاعالة اولادها بعدما تخلّى زوجها عن مسؤوليته تجاه أطفاله وتركهم مع والدتهم. وبالطبع، المشكلة الأخرى التي تعاني منها سميرة هي النظرة الدونية التي تعاني منها مجمل المطلقات في المجتمع الأردني، خصوصاً في الريف حيث تعيش مع أولادها. ما يفرض على المطلقة أن تكبل نفسها بضوابط عدة لا تلتزم بها المتزوجة أو حتى العزباء، كطريقة اللبس والماكياج وغيرها، تفادياً لوقوعها في دوامة"القيل والقال"،"فألسنة الناس لا ترحم". على رغم ذلك، ترى سميرة أن"لا عيب في الطلاق، بل العيب في استمرار علاقة فاشلة، على حساب نفسية الإنسان وكرامته، خوفاً من كلام الناس وظلمهم". من جهتها، تعتبر فاطمة التي"أجبرت على الزواج من رجل لا تحبه"أنّ طلاقها كان"أسعد يوم في حياتي". لكنها لم تكن تعرف أنها ستدفع غالياً مقابل هذا الأمر. تقول:"ظننت أنّ طلاقي سيحرّرني لأمارس حياتي الاجتماعية الطبيعية مع أهلي وأصدقائي. إلا أن شيئاً من هذا لم يكن. فقد كنت كالمنبوذة بين أسرتي التي منعتني حتى من رؤية صديقاتي". وعانت فاطمة كثيراً من نظرة الرجال لها لدى معرفتهم أنّها امرأة مطلّقة:"أحببت شاباً، وعندما علم أنني مطلقة نسي أمر الزواج منّي، وبدأ يبحث عن مآرب أخرى". وهنا تسأل بمرارة:"أي نوع من المجتمعات هذا الذي نعيش فيه؟ أيعقل أن تعاقب المطلقة لأنها مرت بتجربة زواج فاشلة بالإهانة اليومية ونظرات الجيران الفوقية إليها، وتفكير الرجال الدائم باستغلالها؟ هل لأنها مطلقة يعني أن لا حرمة لها وأنها امرأة"ساقطة"؟.