لا شك في أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في اتجاه تعزيز العلاقات وتطويرها مع الصينوالهند خطوة بالغة الاهمية وهي تظهر بوضوح استكشاف السعودية للتطورات العالمية الاقتصادية والسياسية برؤية جديدة. أهمية الصينوالهند لا تنحصر في ان البلدين يقطنهما ثلث سكان العالم. فمعدلات نمو البلدين هي الاعلى في العالم اليوم، والصين اصبحت تحتل على مقياس حجم الدخل الاجمالي المركز الرابع عالمياً بعد الولاياتالمتحدةواليابانوألمانيا. واستمرار نمو الصين على الوتيرة المحققة في السنوات الاخيرة امر يؤكد على اعتلائها المركز الثالث في الثقل الاقتصادي عالمياً خلال ثلاث سنوات، هذا إضافة الى ان الصين تحوز ثاني اكبر احتياط عملات في العالم. والهند بدورها رسخت موقعها في عالم المعلوماتية والاتصالات الدولية التي تعتمد على برامج المعلوماتية المتطورة وتوفر اليد العاملة المثقفة خصوصاً ان اللغة الانكليزية التي توسَّع مدى استعمالها في عالم الاعمال هي اللغة الثانية في الهند. ولدى الطبقات المثقفة تعتبر الانكليزية بمثابة اللغة المستعملة يومياً. ان تسارع وتيرة النمو في البلدين نتج عنه زيادة في استهلاكهما للطاقة بحيث اصبحت حاجاتهما المتزايدة العنصر الاساس في زيادة الطلب على النفط، وقد شهدنا في العام المنصرم توجه الصين نحو تملك شركة نفطية اميركية بكلفة 19 بليون دولار، وهذا التوجه حالت دون تحقيقه معارضة اميركية قومية استندت الى تبريرات استراتيجية. الهند بدورها، او احدى شركاتها الكبرى المتخصصة بانتاج الحديد والصلب والتي هي الثالثة في حجم انتاج هذه المادة الاساسية والتي يتطلب انتاجها كميات كبرى من مشتقات النفط او الغاز تقدمت بعرض لشراء ثاني اكبر مجموعة لانتاج الصلب في العالم لقاء مبلغ يفوق ال20 بليون دولار. اضافة الى النمو السريع والطلب المتزايد على النفط والغاز في كل من الصينوالهند يمكن القول ان نجاحهما مرتبط بتطويعهما للتقنيات الحديثة سواء في مجال انتاج السلع الاستهلاكية او في مجال الأقمار الاصطناعية او السلع الاساسية ذات الاستهلاك العالمي المطّرد. والصين كانت في السنوات الاخيرة مرتكز استمرار النمو عالمياً، فصادراتها الى الولاياتالمتحدة تجاوزت صادرات اليابان التي كانت لعقود تمثل النسبة الكبرى من مستوردات الولاياتالمتحدة، كما ان مستوردات الصين من ألمانيا تجاوزت حجم الصادرات الألمانية الى الولاياتالمتحدة وحجم مستوردات وصادرات الهند اصبح ملحوظاً في النطاق الدولي. بلدان جنوب آسيا تمثل للمملكة العربية السعودية امتداداً طبيعياً لصادراتها النفطية، وامكانات المشاريع المشتركة ما بين الصين والسعودية كبيرة وهي كذلك وان الى حد أضيق مع الهند. وكان خيار الملك عبدالله توطيد العلاقات مع البلدين كبير الاهمية على صعيد استراتيجية السعودية الهادفة الى توثيق العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول المحركة لدورة الاقتصاد العالمي والمؤثرة في المناخ السياسي الدولي. ولا شك في ان البعد الديني له اثره في المبادرة السعودية، ففي الصين عددٌ كبير من المسلمين، كما ان عدد المسلمين في الهند ربما يضاهي او يزيد على عدد المسلمين في اكبر البلدان الاسلامية أي اندونيسيا، والملك عبدالله حقق التزاماً من السلطات الصينية بمعاملة المسلمين اسوة ببقية المواطنين، كما انه في الهند سعى الى تحقيق تقدم ما بين الهند والباكستان نحو تخفيف حدة الخلافات الدينية بين البلدين. الخطوة السعودية توسع من دون شك المسؤوليات الاقتصادية والديبلوماسية تجاه الصينوالهند، وهي كانت في السابق تحصر هذا الدور قدر المستطاع، لكن سرعة تطور الصينوالهند فرضت تقويماً جديداً للعلاقات السعودية مع البلدين. ولا شك في ان هذا التطور يعزز موقع السعودية في منطقة الشرق الاوسط ودورها المتمثل بالسعي الى تهدئة الخلافات وتجاوز الاحتقان ما بين اكثر من بلد وآخر. قبل هذه المبادرات السعودية كانت الكويت اظهرت توجهاً نحو الصينواليابان العام المنصرم حينما قام وزير خارجية الكويت حينئذ الشيخ صباح الاحمد الصباح وحاكم الكويت حالياً بزيارة الصينواليابان لتعزيز العلاقات ما بين البلدين العملاقين اقتصادياً والكويت. ومعلوم ان اليابان كانت تشارك في استثمار حقل نفطي بحري في المياه الاقليمية الكويتية منذ عشرات السنين، لكن هذه العملية انحسرت اهميتها لان طاقة الحقل المعني اصبحت ضعيفة نسبياً. ان امكانات السعودية والكويت في مجال النفط حاضراً ومستقبلاً من الركائز الاساسية لتأمين مشتقات الطاقة لكفاية الحاجات العالمية، وتوجه البلدين نحو تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع البلدين الاهم اقتصادياً بعد اليابان في القارة الآسيوية امر بالغ الاهمية في رسم خريطة المستقبل الاستراتيجية والسياسية، إن في الشرق الاوسط او على صعيد عالمي. والتوجه السعودي - الكويتي نحو جنوب شرقي آسيا والدول المحفزة للنشاط الاقتصادي العالمي سيؤدي الى تعزيز التعاون ما بين الكويت والسعودية. وكل من البلدين يمكن وصف تطلعات قادتهما بأنها معاصرة وشفافة، وفي الوقت ذاته اقرب الى التمثيل الشعبي ذاته. لن يكون من المستغرب على الاطلاق البدء بتنفيذ مشاريع في مجالات الطاقة والتمويل والتكنولوجيا المتطورة يتشارك فيها اطراف من الكويت والسعودية مع شركات صينية او هندية او يابانية في المستقبل القريب، ومعلوم ان الاقتصاد الصيني اضافة الى الاقتصادين الهنديوالياباني وانتاج الدول الابرز في جنوب وجنوب شرقي آسيا، كسنغافورة وماليزيا وتايوان وتايلندا اصبح يضاهي في الحجم الاقتصاد الاوروبي وهذه وضعية تفرض على العالم العربي خصوصاً منه دول الخليج إيلاء منطقة جنوب شرقي وجنوب آسيا اهتماماً متزايداً. ومبادرة خادم الحرمين الشريفين كما مبادرة أمير الكويت ترسي قواعد للتعاون وتفسح مجالات للنمو لم تكن موضع بحث وتعمق في المستقبل، وفي أي حال هذا التوجه يخدم اهداف توسيع حلقة الاستقرار والنمو عالمياً. خبير اقتصادي.