تتنامى في اوساط الشباب العرب عموماً واللبنانيين خصوصاً، ظاهرة الانخراط في الحياة الحزبية والسياسية الكندية والكيبيكية. فقبل بضع سنوات كان المرشحون العرب لأي استحقاق انتخابي بلدي او نيابي، على ندرتهم، اما من الفئات العمرية المتوسطة واما من المثقفين البارزين او من رجال الاعمال والمال. غير انه خلال الانتخابات الفيديرالية الاخيرة التي جرت في 28 حزيران يونيو الماضي، ظهر عدد وافر من المرشحين الشباب كاد بعضهم ان يفوز". واللافت في هذا السياق ان الاحزاب الكندية والكيبيكية تتنافس على استقطاب المزيد من الشباب العرب من كلا الجنسين، وتحرص على اعدادهم وتأهيلهم في برلمانات الشباب كخطوة تمهيدية لاطلاعهم على خفايا اللعبة الديموقراطية وآليات التشريع والمناقشة والحوار. بمعنى ان يصبح الواحد منهم بمثابة مشروع مرشح جاهز لخوض اي استحقاق انتخابي. والترشح الى الانتخابات في كندا ليس حكراً على فئات اجتماعية معينة، كأن يكون من اصحاب السطوة والمال او سليل العائلات التقليدية النافذة. فهذه الاعتبارات لا وجود لها في القاموس الانتخابي الكندي. وجل ما ينبغي توافره هو ان يتمتع المرشح بكفاية حزبية ومناقبية سياسية ورصيد انتخابي. بمعنى ان الحزب هو الذي يأتي اليه وليس المرشح من يلهث لاستجدائه. واثبتت الانتخابات الفيديرالية الاخيرة، كسابقة، ان دور الشباب فيها كان مثيراً للجدل في الاوساط الحزبية والسياسية الكندية. فعلى رغم فوز حزب الليبراليين فيها، الا انه مني بفشل ذريع في مقاطعة كيبيك الامر الذي جعل قادته يمعنون النظر في اسباب ذلك الاخفاق المريع وغير المنتظر. ومما قاله المسؤول عن الحملة الانتخابية بابلو رودريغو: "لقد تخلى عنا الشباب الذين تراوح اعمارهم بين 18 و21 سنة وهم بغالبيتهم من ابناء الجيل الثاني من المهاجرين. وبحكم تكوينهم الثقافي الفرنكوفوني كانوا اكثر التصاقاً ببرنامج الحزب الكيبيكي واتجاهاته، وبالتالي باتوا جزءاً من نسيجه السياسي والاجتماعي. وهذا الامر لم نقدره ولم نفهم ابعاده الا بعد فوات الاوان". اصغر مرشحة لبنانية تجرى في كيبيك انتخابات فرعية بتاريخ 20 ايلول سبتمبر عن ثلاث دوائر شاغرة. ودعا الحزب الكيبيكي محازبيه ومسؤولي الاقسام فيه الى جلسة انتخاب احد المرشحين لتمثيله عن دائرة بيللجان، احدى ضواحي مونتريال. وتنافس ثلاثة مرشحين بينهم كيبيكيان ولبنانية واحدة، هي سحر عباس حويلي 22 عاماً من بلدة العباسية قضاء صور. وسحر طالبة جامعية، سنة اولى حقوق، فازت بنسبة عالية من الاصوات. وقد اشرف على عملية الانتخاب عدد من المسؤولين الحزبيين والنواب والوزراء كان ابرزهم النائبة في البرلمان الكيبيكي ورئيسة مجلسه السابقة لويز هاريل، والنائبة ورئيسة اللجنة المركزية للحزب الكيبيكي بولين ماروا، ومرشحة سابقة عن الانتخابات الفديرالية الاخيرة ورئيسة الحزب في منطقة اكادي ماريا موراني، والمسؤولة الحزبية عن خلية سحر والتي زكّتها للترشيح جنيفر دروين. وعن فوز سحر قالت لويز هاريل: "هذا دليل على انفتاح كيبيك على سائر المجموعات الاتنية واحتضانها لابنائها ممن يرغبون في العمل السياسي من دون اي تمييز، سواء لجهة اللون او العرق او الدين او الثقافة او اللغة. ولا شك في ان وصول سحر اذا ما قدر لها الفوز في الانتخابات الفرعية سيعزز غنى الفسيفساء الاتني في البرلمان الكيبيكي". ومن جهتها قالت: "نحن في حاجة الى وجوه نسائية جديدة صاعدة والى دم فتي يجدد الحياة البرلمانية في كيبيك". واثنت بصورة خاصة على الشباب اللبنانيين "الاقرب الى ذهنية الكيبيكيين والاسرع اندماجاً وتأقلماً والاكثر تألقاً في الحياة الثقافية والسياسية". وتابعت: "لا اغالي ان قلت ان اللبنانيين يعشقون السياسة حتى وان كانوا في بطون امهاتهم". وكشفت ماريا موراني عن انها تمل على تأهيل بعض الشباب والشابات اللبنانيين والعرب الذين سيحذون حذو سحر، "وسيكون على الاقل واحد او اثنان منهم في عداد المرشحين للانتخابات المقبلة"، وهذا في اعتقادها "افضل طريق لكسر حواجز الخوف من المشاركة السياسية". وعن تجربة سحر الحزبية، قالت جنيفر دروين: "على رغم ان سحر ذات تجربة حزبية متواضعة لا تتعدى سنتين، الا ان نشاطها السياسي في الاوساط الطالبية والشبابية كان لافتاً وينم عن وعي وجرأة ودينامية. كما استطاعت ان تنشئ علاقات حسنة مع المجموعات الاتنية في دائرتها الانتخابية ولم تفرق بين عربي او غير عربي على رغم ان الناخبين العرب يشكلون قوة انتخابية لا بأس بها". ومن جهتها اكدت سحر ان صغر سنها وحداثة تجربتها الحزبية والسياسية "لن يكونا حائلين دون مواصلة تثقيفها لنفسها واكتساب المزيد من الخبرات في الشأن العام والاحتكاك المتواصل مع ناخبيها والانصات لقضاياهم والعمل على حلها داخل الحزب وخارجه". واكدت سحر على بعض الثوابت في برنامجها الانتخابي "كالالتزام ببرنامج الحزب العام لجهة التكافل والتكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وخفض نفقات الحضانة للاطفال وزيادة معدلات المنح والقروض المدرسية وتعزيز الروابط بين الاتنيات والعمل على الغاء القوانين الاستثنائية التي سنها حزب الليبراليين في اعقاب احداث 11 ايلول سبتمبر واعادة الوجه المشرق الديموقراطي والانساني لكندا على المستوى الوطني والدولي وخدمة ابناء الجالية العربية والحفاظ على ثقافتهم ولغتهم كرافد اساسي يغني الحياة الكيبيكية ويسهم في تنوعها الحضاري العالمي".