ليست المرة الأولى التي يعلن فيها الأميركيون معلومات ترجّح مقتل الرجل الثاني في تنظيم"القاعدة"الدكتور أيمن الظواهري وربما لن تكون الأخيرة. فكم من المرات التي استُنفرت فيها وسائل إعلام من صحف وإذاعات وفضائيات وأخرجت ما لديها من معلومات وأفلام أرشيفية لتنشرها أو لتبثها ضمن برامج عن الظواهري، ثم تبث عدم صحة ذلك، وأن الرجل ما زال حياً، ليطل عليهم الظواهري من جديد عبر شريط فيديو يهدد ويتوعّد ويعلق على الأحداث، نافياً بصورة عملية الأنباء عن مقتله، ومبدداً آمال الأميركيين في نصر يسعون إليه. وكانت آخر إطلالة للظواهري عبر شريط فيديو بثته قناة"الجزيرة"الأسبوع الماضي، طالب فيه الرئيس الأميركي جورج بوش الإقرار بهزيمته في العراق. لكن الأهم أن الظواهري بدا واعياً بما يجري حوله، ملماً بتطورات الأحداث في أماكن عدة بينها مصر. إذ علّق على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة وهاجم كعادته جماعة"الإخوان المسلمين"واتهمها بالانتهازية والعمالة للحكومتين المصرية والأميركية. ومعروف عن الظواهري عداؤه القديم ل"الإخوان"، وهو وضع في بداية التسعينات كتاباً حمل عنوان"الحصاد المر"، رصد فيه أخطاء الإخوان منذ تأسيس الجماعة العام 1928. ويقول أشخاص تعاملوا مع الظواهري أنه حريص دائماً على أن يحيط نفسه بالغموض، ويلفت المحامي منتصر الزيات إلى أن الظواهري"لا يتحدث كثيراً مع أصحابه، ويستمع دائماً إليهم ويطلق عادة التعليقات المقتضبة على كلامهم". وكان الزيات اتهم مع الظواهري عام 1980 في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات التي صدر فيها حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات ضد الظواهري، والذي رفع بعدها قضية ضد الحكومة، قال فيها إنه تعرّض للتعذيب. أما الحكم الأخير ضده، فصدر عام 1999 في قضية"العائدون من ألبانيا"التي ضمت 107 اشخاص من أعضاء تنظيمي"القاعدة"وجماعة"الجهاد". وتحمل وسائل إعلام الظواهري المسؤولية بصورة خاطئة عن حادثة الأقصر التي وقعت في تشرين الثاني نوفمبر 1997، إذ أثبتت التحقيقات أن تلك المذبحة نفذها أعضاء في تنظيم"الجماعة الإسلامية"التي أقرت بالعملية، والتي كانت سبباً في تحول ذلك التنظيم نحو توجه سلمي أفضى إلى قرار تاريخي صدر عام 1999 بوقف العمليات العسكرية داخل مصر وخارجها. أما الظواهري، فعارض ما أقدمت عليه"الجماعة الإسلامية"، وهو كان أبرم تحالفاً مع أسامة بن لادن في شباط فبراير عام 1998 تحت عنوان"الجهة الإسلامية لجهاد اليهود والصليبيين"، دمج بعدها الظواهري"الجهاد"مع"القاعدة"ونفذ التنظيمان معاً عمليات من الوزن الثقيل، أولها تفجير سفارتي الولاياتالمتحدة في نيروبي ودار السلام في عام 1998، وذروتها اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001. ومنذ أسقطت الولاياتالمتحدة نظام"طالبان"في أفغانستان عام 2001، أفلت بن لادن والظواهري من محاولات لاصطيادهما أو قتلهما. وعلى رغم القبض على قادة بارزين في التنظيم، ظل الظواهري دائماً هدفاً للأميركيين الذين يعتبرونه العقل المدبر لغالبية عمليات"القاعدة"، بل أن بعض المحللين يرون أنه السبب في تحول بن لادن نفسه نحو العنف وسيلة للتعامل مع معارضيه. ورأى مدير مركز"المقريزي للدراسات التاريخية"في لندن الدكتور هاني السباعي، أن واشنطن تسعى كل فترة إلى إلهاء الناس بأنباء قتل الظواهري لتبعد أنظارهم عن خسائرها في العراق، لافتاً إلى أن الإعلان الأخير عن قتل الظواهري في باكستان جاء بعد ارتفاع عدد القتلى الأميركيين في العراق. وليس من المستبعد إذا ما تبين أن الظواهري لم يصب بسوء في الغارة الأميركية، أن يعلن عن مقتله في الشهر المقبل، ضمن ما يمكن اعتباره لعبة سياسية مستمرة.