لم تستغرق الجلسة الحادية عشرة لمحاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين اكثر من ثلاث ساعات كانت"مهزلة ثمينة ومسلية"وشهدت تخوين القاضي رؤوف رشيد عبدالرحمن وشتمه واتهام المحكمة بخداع المتهمين والتغرير بهم لاحضارهم من دون اعطاء موكليهم الحق بمقابلتهم قبل الجلسة اضافة الى اجبار شهود على حضور المحكمة بالقوة للإدلاء بشهادات من دون توكيل أحد للدفاع عنهم. وما لفت النظر ان ثلاثة من المتهمين الثمانية، من بينهم صدام، دخلوا القاعة امس من دون عقالات تغطي رؤوسهم على رغم تمسكهم في الجلسة الاولى بغطاء الرأس على اساس انه"شرف العربي"... كما تبين ان القاضي لم يستطع شيئاً في مواجهة الهجمة الكلامية التي شنها صدام وشقيقه برزان عليه ولم يخرجهما من المحكمة كما كان فعل سابقاً على رغم تخوينه واتهامه بالعمالة للاميركيين اكثر من مرة. وتميزت جلسة الاثنين بتجديد صدام الادعاء انه لا يزال الرئيس الشرعي للعراق وبالمناداة اكثر من مرة بالشعارات نفسها التي كان يضمنها خطبه اثناء فترة حكمه"الله اكبر وليخسأ الخاسئون"كما لم يتورع عن شتم القاضي بقوله"العن ابو شواربك"من دون نسيان تعابير"يسقط الخونة، يسقط الخونة، يسقط بوش، تعيش الامة، تعيش الامة، تعيش الامة"!. ولا تزال جلسات المحكمة تحظى باهتمام العراقيين والعرب في الداخل والخارج وهي مناسبة للتجار العراقيين لبيع مخزونهم من صور صدام والساعات التي يزينها وحتى دنانير عهده. رفعت المحكمة الجنائية العراقية العليا جلسة التحقيق في قضية الدجيل محاولة اغتيال الرئيس السابق صدام حسين العام 1982 وما خلفها من مجازر الى اليوم الثلثاء بعد الاستماع إلى افادات مكتوبة ل 23 مشتكياً وشاهدين احدهما رئيس ديوان الرئاسة في عهد صدام وعرض وثائق مهمشة بخط الرئيس السابق. وشهدت الجلسة، الحادية عشرة، مشادات كلامية وشتائم لا سيما بين القاضي رؤوف عبد الرحمن وبين صدام حسين واخيه غير الشقيق برزان التكريتي بسبب احضارهما بالقوة في ظل غياب محاميهما. بدأت الجلسة بالمناداة على المتهمين السبعة صدام حسين ورموز نظامه، ودخل صدام مرتدياً دشداشة غامقة وسترة سوداء، بعدما كان يرتدي بذلة سوداء في السابق، وهو يهتف بحياة الامة العربية والعراق وسقوط بوش وعمالة القاضي ولا شرعية المحكمة. وتساءل مندداً"لماذا احضرتموني بالقوة"ووجه كلامه الى رئيس المحكمة، القاضي رؤوف عبد الرحمن،"استخدم صلاحياتك القانونية واحكم على المتهمين غيابياً لكن يبدو ان ذلك لا يشفي غليلك، لكن المناضلين سيبقون بقوة الله". وقاطع القاضي صدام"كفى خطباً سياسية"ودخل برزان التكريتي، رئيس جهاز الامن السابق بالقوة وهو يصرخ"عاش العراق"واستطرد قائلاً للقاضي رؤوف"انت لا رؤوف ولا رحيم ولا قاضي، انت حاكم عسكري ولا نريد الجلوس في هذا المكان". وتعالت اصوات المتهمين"الله اكبر"وارتفع صوت صدام"الله اكبر من كيد العملاء وليخسأ الخاسئون"و"ألعن ابو شواربك"واستدرك"انا اقصد واحداً بهذا الكلام". فصرخ القاضي محتدماً" بسم الله الرحمن الرحيم أقوى منكم جميعا". وكان المتهمون ومحامو الدفاع قاطعوا الجلسة الماضية احتجاجاً على ما اعتبروه سياسة متشددة للقاضي الجديد، بعد استقالة القاضي رزكار امين. وتلى عبدالرحمن قراراً للمحكمة الجنائية جاء فيه"تأكيد لأن المحكمة هي ساحة للعدل والحق ليطمئن المتهمون بأن لهم كامل الحق بمناقشة الشهود ضمن اسس العدالة واحترام القضاء بعيداً عن الخطب السياسية". وتابع"ان من يعطل سير المحاكمة سيُحاكم وفق القانون"وسط مقاطعات لأكثر من مرة من قبل برزان التكريتي. واعقب ذلك التماس قدمه الادعاء العام، وقال رئيسه جعفر الموسوي"يلتمس مكتب حماية الضحايا والشهود المحكمة الجنائية لتفعيل حمايتهم مما يعترضهم من تهديد وتصفيات جسدية واختطاف بحسب البند 15 من قانون المحكمة وبحسب الضمانات التي تلقاها فريق الدفاع عن المتهمين". ووافق القاضي على نظر المحكمة في الالتماس في ظل اعتراضات اطلقها صدام حسين بأن المتهمين ومحاميهم لا يملكون اي حماية. وتبعت ذلك مشادة كلامية بين برزان والقاضي، واكد برزان انه متمسك وراغب بمحاميه ولا يريد توكيل محامين آخرين ورافقه صدام بالكلام"برزان ضرب امامي وهذه ليست محكمة انما لعبة يديرها العملاء". وطلب برزان احالته الى المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة وذكر القاضي عبد الرحمن ان المحكمة قررت"احالته الى لجنة صحية واعلامنا بالنتائج مع احالة محمد العزاوي للفحص الطبي للغرض ذاته بعد الجلسة مباشرة". وقاطعه برزان"الاميركيون فحصوني وانا لا أريد الفحص من جديد انما اطلاق سراحي للعلاج لانه بحسب القانون يتوجب اطلاق سراح اي معتقل مصاب بمرض غير ممكن شفاؤه للعلاج، بعد طلب قدمته الى جلال الطالباني رئيس الجمهورية وابراهيم الجعفري رئيس الوزراء وغيرهم". لكن صدام اعترض قائلاً:"هؤلاء ليسوا رؤساء لكنهم مجرمين". وتابع القاضي ان المحكمة ستنتظر تقارير اللجنة الطبية ثم تقرر اطلاق سراحك او الابقاء عليك في السجن، فاستنكر برزان بشدة وقال:"القاضي السابق رزكار امين الشجاع الوطني طيب الذكر"وقاطعه صدام"يعيش رزكار". واضاف برزان"اما انت القاضي عبدالرحمن فاذا كنت انساناً تخاف الله، وأنا اشك بالامر، فأطلق سراحي لأن عامل الزمن مهم في مرضي السرطان مقابل تعهدي بحضور الجلسات"، وزاد:"اذا كنت انت او غيرك خائفاً من عودتي لحزب البعث فأقول بأن البعث لا يحتاجني وهو يعمل ومستمر في نضاله رغم ان أمينه العام صدام معتقل". وقال صدام حسين:"هل هناك قانون يجبر المتهم على حضور المحكمة من دون محاميه"واجابه القاضي"المحكمة وكلت لك محامياً لأن محاميك يقاطع المحكمة"فرد صدام"كل عراقي على رأسي لكن لا أريد هذا المحامي"واكمل"اذا كان يوجد متهم بقضية مالية وامتنع عن حضور جلسة محاكمته هل تأتي به المحكمة مقيداً ام تصدر حكماً غيابياً". فأجاب عبدالرحمن:"في حالة اخلال المتهم بأصول المحاكمات او امتناعه عن الحضور يجب احضاره جبراً بحسب المادتين 156 و145 من الاصول الجزائية"فصاح صدام"انت انتقائي ومخالف للقانون"فرد القاضي:"انت متهم بدليل تحديك للمحكمة". وطلب برزان الخروج من الجلسة ورُفض طلبه فاعتصم داخل القفص على الارض وأدار ظهره احتجاجاً وكان يرتدي سروالاً ابيض بيجاما ولم يرجع الى كرسيه الا بعد حضور الشاهد الاول. وأدلى جعفر الموسوي رئيس الادعاء العام بشهادة 23 مشتكياً حول مشاهداتهم لما جرى يوم حادث الدجيل وعن اعتقالات عشوائية اثر محاولة اغتيال صدام وكيف ان المعتقلين احتجزوا في مركز الدجيل ثم في مركز الحاكمية في بغداد وسجن ابو غريب ومعتقل"لية"في صحراء السماوة من دون محاكمات فضلاً عن تجريد بساتينهم ومصادرة ممتلكاتهم بتهمة ارتباطهم بحزب الدعوة حينذاك، وقدم المشتكون دعواهم ضد صدام حسين وبرزان التكريتي ومظهر الدليمي ويوسف السامرائي واحمد السامرائي ومشعان دحام وعمران حسن عمران ونزار محمود البندر، وعباس عبيد، وجلهم من البعثيين السابقين وضباط الاستخبارات السابقة. ورفض الشاهد الاول في جلسة امس الادلاء بشهادته مؤكداً مجيئه من معسكر ابو غريب رغماً عنه، وطلب وزير الشباب والرياضة السابق رئيس ديوان رئاسة الجمهورية في عهد صدام احمد حسين خضير السامرائي 64 عاماً الحديث قبل ادائه القسم القانونية على المصحف الشريف. وقال"جئتم بي بالقوة ولم أرغب بذلك"فتبعه صدام:"عفية، ونحن جئنا بالقوة ايضاً". واضاف السامرائي"بعثت رسالة للمحكمة اشير فيها الى انني لا اصلح لاعتباري شاهداً ولن اكون شاهداً ضد صدام". فقاطعه صدام"يحيا العراق". فأكد الادعاء"لست شاهداً في الحادثة والمحكمة طلبت حضورك لاستيضاحك حول بعض الامور في قضية الدجيل". وسأل جعفر الموسوي الشاهد عن المدة التي كان فيها رئيساً لديوان الرئاسة، فأكد توليه المنصب ما بين 1984 و1991 وما بين 1995 و2003. ولفت الى انه وبحسب مركزه وكيل وزير الخارجية العام 1982 لا يعرف أي تفاصيل عن الدجيل كونها قضية تتعلق بالوضع الداخلي وزارة الداخلية. وافاد السامرائي:"سمعت بالحادثة من وسائل الاعلام وعرفت انها محاولة اغتيال لرئيس الجمهورية واحتفظ لنفسي عن أي معلومات اخرى". وكشف الادعاء مذكرات رسمية عدة موقعة من قبل صدام حسين وحسين السامرائي تخص حادثة الدجيل، واكد الاخير"لا اتذكر شيئاً"وعندما سأله المدعي ان كان اعترض على احكام الاعدام أجابه خضير:"وهل اعترضت انت على مجازر الفلوجة بعد الاحتلال؟". وتضمنت احدى المذكرات اقتراحاً من الدائرة القانونية في ديوان الرئاسة لتشكيل لجنة تحقيق بالمعتقلين في قضية الدجيل، واكدت المذكرة بخط صدام تشكيل اللجنة بإشراف حسين كامل واطلاق سراح اثنين واعتبار اثنين آخرين شهداء"لم تُبين اسماؤهم". واكدت المحكمة انها ستستمع الى شهادة كل من حامد يوسف، وزير الثقافة السابق وحسن صباح العبيدي وفاضل العامري ضابطان في الاستخبارات ومن المتوقع ان يدليا بها بعدما اكد القاضي رؤوف عبدالرحمن رفع الجلسة الى اليوم. على هامش المحكمة * قال حسن عزبة العبيدي مسؤول مديرية الخدمة الخارجية في جهاز الاستخبارات العراقي السابق انه أجبر على الحضور كشاهد اثبات. وقال انه يرفض الادلاء بشهادته. * قال صدام انه لا يزال رئيساً للعراق وان"هذه ليست محاكمة بل لعبة". * صدام واخوه برزان بدآ مقاطعة القاضي بعد فترة وجيزة من بدء الجلسة. * قال جعفر الموسوي، كبير ممثلي الادعاء، ان المحكمة نفد صبرها من صدام وباقي المتهمين. * قال صدام للقاضي انه أجبر على دخول قاعة المحكمة. وطلب ممارسة حقه في اصدار حكم غيابي عليه. ووصف القاضي بأنه"ليس رؤوفاً ولا عبداً للرحمن". * شهدت المحكمة حالة من الفوضى بدأت بشتم القاضي ومقاطعته. * دخل صدام القاعة وهو يرتدي دشداشة زرقاء اللون وسترة سوداء. وردد"يسقط الخونة يسقط الخونة يسقط بوش تعيش الأمة تعيش الأمة تعيش الأمة". * قال برزان متوجهاً الى القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن"انت بعيد كل البعد عن الرحمة وعن هذه الاسماء"."انت لا محمود ولا رؤوف انت حاكم عسكري ولست قاضي نحن لا نريد الجلوس هنا في هذا المكان". * شتم صدام القاضي وقال"هذا هو ديدن العملاء، الله اكبر وليخسأ الخاسئون، العن ابو شواربك". * حملت جلسة الامس الرقم 11 للنظر في قضية قتل 148 قروياً في بلدة الدجيل الشيعية في الثمانينات. * قال احمد خضير انه أحضر الى المحكمة"معصوب العينين ومكبل اليدين". * أصر خضير على الاشارة الى صدام باعتباره رئيس العراق. * شارك حسن العبيدي في محاولات اللحظة الاخيرة لتجنب الحرب عندما اجتمع في شباط فبراير 2003 مع عماد الحاج وهو اميركي من أصل لبناني يعمل مع الولاياتالمتحدة. وعرض العبيدي السماح لضباط اميركيين بالتحقق من خلو البلاد من أسلحة الدمار الشامل وتقديم تنازلات في النفط واجراء انتخابات لاحقة. ولم تقبل الولاياتالمتحدة العرض وبدأت الحرب في الشهر التالي. * قال شاهد من"رويترز"ان صدام حسين بدأ فور دخوله الى قاعة المحكمة مقاطعاته للجلسة وهو يدق على الطاولة بظهر قلمه المعدني مديناً المحكمة وقائلاً إنه أجبر على الحضور.