في خضمّ الأزمة العميقة والمأسوية التي يشهدها الشرق الأوسط والتي عصفت بكيان عدد من شعوب المنطقة، وفي أجواء تسودها المخاوف من تفاقم أي أزمة في المنطقة، يبدو أن ثمة بارقة أمل تلوح في الأفق. ويستمد هذا الأمل الجديد زخمه من قرار وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي ومن احتمال عقد لقاء بين الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء إيهود أولمرت. وما من شك في أن الاتحاد الأوروبي يدعم كل الجهود المبذولة في هذا الإطار والهادفة إلى إعادة إحياء عملية السلام، وهي أمسّ ما تحتاجه المنطقة. وليس لدى الاتحاد الأوروبي أي استعداد للقبول بأن تبقى هذه المنطقة الأقرب والأحب إلى قلبه في حالة تدهور مستمر. إن ما يطال شعوب الشرق الأوسط يطال الأوروبيين بشكل مباشر، والعكس صحيح. لطالما كان الحال كذلك، وهو السبب الذي يضفي على هذه العلاقة الطابع المميز والفريد. أتبيّن اليوم أربعة تحديات يتوجب علينا مواجهتها سوياً: الصراع العربي- الفلسطيني والملف النووي الإيراني والوضع في لبنان والحرب العراقية. إن رأيي إزاء الصراع القائم بين الفلسطينيين والاسرائيليين ليس بجديد، إذ لطالما اعتبرت أن هذا الصراع موجود، بصورة أو بأخرى، في صميم الصراعات الأخرى. وربما لن يؤدي أي حل لهذا الصراع بالضرورة الى حل أي من الأزمات الإقليمية الأخرى الراهنة، ولكنه سيحرم الخطابات الأصولية من حججها التقليدية - وهي خطوة كبيرة بحد ذاتها. وعندما سيتمكن الفلسطينيون، غداً أو بعد غد، من الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، سيكون ذلك بمثابة خطوة مهمة باتجاه الحل. وسيكون رد فعل الاتحاد الأوروبي فوريا. الى حينه، وفي خطوة لم يتردد صداها ولم تلق اعترافاً بالقدر اللازم، قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات مالية للشعب الفلسطيني خلال سنة 2006 أكثر مما تمّ تقديمه في العام 2005. إذ تم منح أكثر من 650 مليون يورو إلى الفلسطينيين الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة. وغدا، عندما يعود الفلسطينيون الى التلاقي على درب الوحدة الوطنية، سيتمكن الاتحاد الأوروبي من تقديم المزيد. كذلك سيسعى الاتحاد جاهداً إلى الطلب من اسرائيل أن تتجاوب مع هذه الحكومة الفلسطينية الجديدة. إن السياسات الاحادية لم تفضِ يوما إلا إلى مشاكل معقدة، أما الحل فالسبيل إليه يسلك طريقاً آخر، وهو يكمن في الاحترام المتبادل، وفي الحوار، وفي التفاوض أيضا، وكلها أسس ستمهد الطريق لبلوغ الهدف المتمثل في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة قابلة للاستمرار، وتعيش جنباً الى جنب مع إسرائيل بسلام وأمان. ويستوجب هذا الهدف الاعتراف بحدود 1967، وتبادل الأراضي بحسب ما اتفق عليه الجانبان المتفاوضان وإنهاء الاحتلال ووقف حركة الاستيطان. ان المبادئ والأهداف معروفة من الجميع، وقد حان الوقت للاجتماع حول طاولة حوار والاتفاق على السبل التي تحترم هذه المبادئ والتي من شأنها أن تساعد على تحقيق الأهداف المذكورة. وبالانتقال إلى ملف إيران، هذا البلد الكبير الذي يضلل نفسه، برأيي الخاص، من خلال استمراره في عدم الرد على التساؤلات والمخاوف الحقيقية الصادرة عن المجتمع الدولي. ففي غياب الأجوبة المناسبة التي يطلبها مجلس الأمن، كيف يمكن عدم اعتبار برنامج إيران النووي والصاروخي بمثابة تهديد، لا سيما عندما يتناول بعض زعمائها إسرائيل من خلال تصريحات غير مقبولة إطلاقا؟ وما زلت أذكر ما قاله لي يوما الرئيس محمود عباس عن اسرائيل وفلسطين. قال:"إن المسألة لا تكمن في إلغاء دولة، بل في إنشاء أخرى". وهو قول حكيم. كما تعلمون، لقد كلفني الاتحاد الأوروبي وكذلك روسيا والصين والولايات المتحدة، بالتفاوض مع الدكتور علي لاريجاني وقد كرست أياما طويلة ومتواصلة لهذه الغاية، وقد توصلنا الى الاتفاق حول عدد من النقاط، باستثناء نقطة أساسية حول ضرورة تعليق تخصيب اليورانيوم. وفي غياب قرار إيراني في هذا الاتجاه، سيكون من المستحيل بناء الثقة الضرورية في مفاوضات بهذه الأهمية، وأنا أشعر بأسف شديد وبكل صدق، لاسيما ان الكل سيخرج خاسراً بسبب هذا التصلب. لكن ما زلت مؤمناً بإمكانية التوصّل عبر التفاوض الى حل يخدم مصالح الأطراف كافة. لكن يتعيّن على إيران وحدها أن تثبت أنها طرف فاعل ومسؤول. والخيار سهل: فإما القيام بالخطوة الأولى التي ينتظرها المجتمع الدولي وإما المغامرة والدخول مجدداً في طريق مسدود. ونصل الآن الى لبنان، الذي يتلقى تباعاً الضربات في الصميم. لا يستحق الللبنانيون العمليات العسكرية الخارجية ولا النزاعات الأخوية التي يشهدها بلدهم. وقد جاء التحرك الشعبي المندد بالاغتيال الجبان الذي أودى بحياة الوزير بيار الجميل ليثبت مجددا عزم لبنان الشديد على العيش حراً وبسلام. لقد عرف رئيس الوزراء فؤاد السنيورة كيف يواجه بكرامة وشجاعة الحرب التي شهدها لبنان هذا الصيف. وهو مستمر في عمله غير أنه يواجه اليوم صعوبات من نوع آخر. وأنا أشجعه في ما يقوم به في إطار الاتصالات الهاتفية التي أجريها معه يوميا. إن فؤاد السنيورة هو رجل النوايا الحسنة الذي يحتاج إليه لبنان لتضميد جروحه وإعادة بناء اقتصاده، والاتحاد الأوروبي يساعده في مسعاه وسيبقى متكاتفاً معه. وإلى جانب الدعم السياسي والمالي، يعكس الالتزام الأوروبي، من خلال المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، الرغبة في إرساء دعائم الحرية والاستقلال والازدهار والأمن في لبنان. ولبلوغ هذه الأهداف، وهنا أيضاً، سعت الأممالمتحدة الى تحديد المسار الذي يتعين سلوكه والمتمثل في حل مسألة مزارع شبعا، وترسيم الحدود بين لبنان وسورية، وإقامة علاقات ديبلوماسية مع دمشق، وتطبيق القرارات الدولية، والتعاون كلياً مع القاضي براميرتس، ووضع حد للتدخل في شؤون لبنان الداخلية. هذه هي الركائز التي يتوجب على كل فريق في المنطقة المساعدة على تطبيقها في حال أراد أن يعمل مع الاتحاد الأوروبي وأن يقطف ثمار هذا الالتزام. أما التحدي الأخير فهو العراق. إن فقدان الأمن والاستقرار في العراق يحمل في طياته أشد المخاطر. لقد مثل صدام أمام القضاء وأدين، وأُزيل الزرقاوي من الوجود، ونُظمت انتخابات، وتم تشكيل حكومة عراقية والمصادقة على الدستور. غير أن السنوات الطويلة التي عرفت مرحلة الديكتاتورية وغياب ثقافة الديموقراطية أدّت إلى ظهور خطوط انشقاق بين مختلف الطوائف. ويتوجب اليوم على السياسيين العراقيين المباشرة بعملية مصالحة وطنية صعبة، ومحاولة إحلال الأمن، والعمل على إنشاء وتفعيل مؤسسات حكومية وإدارة في البلاد. ان المهمة التي تنتظرهم هائلة، لكن أوروبا ستساعدهم وستساهم على وجه الخصوص في البحث عن سبل إرساء الاستقرار من خلال الدفاع عن مبدأ مشاركة الفرقاء كافة في العملية السياسية. بالنسبة الينا، نحن الأوروبيين، إن عملية إعادة الاستقرار تمر أيضا من خلال إحقاق دولة القانون وتخطي الانقسامات الطائفية. لكن الوضع الراهن يفرض علينا أن نعي بأن بلوغ هذه الأهداف يتطلّب وقتاً. وإلى حينه، سيكون التزام الاتحاد الأوروبي كاملاً وعلى المستويات كافة. وبهدف مد يد العون إلى شعوب الشرق الأوسط، والتخفيف من القلق وعدم الأمان، ما من شيء مستحيل. ومن واجبي أن أتمسك بقناعتي وأبقى على يقيني بأن مجموعة من الرجال من أصحاب النوايا الحسنة وذوي الإرادة الصلبة يمكنهم المساعدة في تحقيق إنجازات عظيمة. كلا، ان السلام ليس بمستحيل في الشرق الأوسط، وما من شك في ان التمسك بهذه القناعة هو بمثابة خطوة أولى في هذا الاتجاه. * الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي