لا ريب في أن جورج بوش، الرئيس الاميركي، تسرع في اعتبار"ثورة الارز"اللبنانية علامة على طريق انتشار الديموقراطية والقيم الغربية بالشرق الاوسط. وجليّ أن حركة"امل"و حزب الله الشيعيين سيفرضان خطتهما الخاصة على بقية اللبنانيين. ويجمع بين هذين الحزبين معاداة الغرب، وفهم الديموقراطية على ما يفهمها الرئيس الايراني احمدي نجاد. والحق ان الانباء الواردة من لبنان لها وقع الكارثة على بوش. فهذه الانباء هي أسوأ من أنباء دوامة العنف والموت العراقية، ومن أنباء الوضع بفلسطين بعد وصول توائم"حزب الله"السياسيين الى السلطة. وليس عزوف العراقيين والفلسطينيين عن الديموقراطية ضربة موجعة لواشنطن. فتاريخياً، فلسطين والعراق كانا بعيدين من الديموقراطية الغربية والحكم الليبرالي، سواء كان ذلك في عهد الحاكم الواحد، صدام حسين، او في عهد"حاكم الزبائنية والفوضى"ياسر عرفات. ولكن لبنان كان مرشحاً ليكون سويسرا الشرق الاوسط. فعلى رغم الحرب الاهلية والمعاناة الداخلية، بقي لبنان واحة حرية التعبير والليبرالية بالعالم العربي. وعندما كان بعضهم يرى أن الوجود السوري في لبنان هو"ضمانة الامن والاستقرار"، نجا البلد من عدوى الثقافة السياسية العربية. وتلخص هذه الثقافة السياسية في العبارات التالية: الرئيس يبقى رئيساً الى الأبد أو الحزب الواحد هو الحزب الحاكم، والرئاسة تتوارث في الآباء والابناء. وعلى خلاف جيرانه، لم تتمكن السياسة العربية في لبنان. وجرت العادة فيه على تنظيم الانتخابات. وعليه، لا تبعث مبالغة أميركا في ايلاء لبنان المكانة التي توليه إياها الاستغراب. فالولايات المتحدة رأت أن لبنان الصغير يتمتع بمكانة استراتيجية كبيرة بالشرق الاوسط. ولا يقتصر دور لبنان على صد النفوذ السوري - الايراني، بل يتعداه الى نشر الديموقراطية والمعايير الليبرالية بالشرق الاوسط. فهذه القيم الغربية متجذرة فيه. وبعثت"ثورة الارز"هذه القيم. ويبدو ان الثورة ومشروعها السياسي باءا بالفشل. وربما أطلق هذا الفشل رصاصة الرحمة على مشروع الشرق الاوسط الكبير. والحق ان فقدان واشنطنلبنان، اليوم، يشبه، الى حد بعيد، فقدانها ايران قبل ثلاثين عاماً، بعدما نجحت الثورة الاسلامية الخمينية في اطاحة نظام الشاه. وعبّد وصول الثورة الاسلامية الخمينية الى السلطة الطريق امام انتشار الاسلام الاصولي. ولا شك في أن خميني لبنان، اليوم، هو السيد حسن نصر الله، وان قطع الطريق على الاسلام الاصولي بات محالاً. عن سيرغي ستروكان ، "كوميرسانت" الروسية، 4 / 12 / 2006