الذين تابعوا قراءات الصحافي المعروف محمد حسنين هيكل على شاشة التلفزيون لوقائع التاريخ السياسي العربي، توقفوا أمام ذلك التدفق الغزير في المعلومات وتفصيلاتها والنظرة الشاملة للسياسة الدولية ووقائع العصر. وكذلك توقفوا أمام القدرة الواضحة على رؤية الخيط الذي ينتظم طرائق وكيفيات النظر العربي عموماً الى التطورات السياسية المحلية والدولية. حلقات مثل التي قدم فيها هيكل هذه القراءات تستحق في تقديرنا نظرة نقدية فلا تبقى أسيرة رأي واحد، وأن يتوقف أمامها الباحثون والمهتمون من رجال الفكر والسياسة ولا يدعوها تمضي هكذا علماً أن كان يمكن لقناة"الجزيرة"التي بثت الحلقات ولا يزال في وسعها أن تعقد ندوات مفتوحة لمناقشة ما تناوله هيكل من قراءات سياسية يشارك فيها الباحثون والمهتمون من المتخصصين والجمهور على حد سواء، وبالذات أولئك الذين عاشوا وقائع من تلك الاحداث وساهموا بقدر أو بآخر فيها. ومثل هذه المناقشات نراها مهمة وضرورية كي يمكن للمشاهد العربي أن يضع النقاط على الحروف، وأن يتمكن من تكوين رأي في كل ما جاءت عليه حلقات الصحافي الكبير من وقائع ومن وجهات نظر خصوصاً أن الاجيال العربية الجديدة تجهل تماماً تلك الوقائع ولا تمتلك ازاءها أي فكرة موضوعية. نقول ذلك ونحن ندرك أن مشكلة البث التلفزيوني العربي تكمن في أنه لا يزال محكوماً بنظرة قاصرة وجزئية ترى فيه شكلاً إعلامياً عابراً لا يحتمل التوثيق ولا يخضع للمساءلة والجدل، على العكس تماماً من واقع البث التلفزيوني في بلدان العالم المتقدمة. هذه النظرة بالذات تضيّع من يدها كل مرة أي امكان للارتقاء بالبث التلفزيوني الى مستوى التأثير الحقيقي في الحياة العربية عموماً بما في ذلك الحياة السياسية، وهو تأثير نعتقد بأنه ممكن ومطلوب من خلال اعتماد منهجية مغايرة تقوم على الحوار وعلى إثارة الجدل لاكتساب وجهات نظر وآراء أخرى يمكن أن تضاف الى وجهة النظر الأولى فتغنيها وتمنحها قوة البقاء في أذهان المشاهدين. فهل تقتنع بهذا وتقوم قناة"الجزيرة"بعقد ندوة أو أكثر لمناقشة آراء هيكل؟ نأمل ذلك وندعو اليه.