نجح الفكاهي المغربي الأصل، مصطفى، في إثبات نفسه في عالم الكوميديا في فرنسا منذ دخوله المعترك الفني عام 2004، علماً أنه يكتب فقرات برامجه بنفسه ويطرحها في شكل "ستاند أب كوميدي"، أي استعراضات فردية تتطلب منه الوقوف وحده فوق الخشبة طيلة أكثر من ساعة. إذ يؤدي أدواراً ومواقف وشخصيات كثيرة، ما يحتاج إلى مهارة فنية متفوقة لا شك في أن مصطفى تدرّب عليها طويلاً واكتسب كل أسرارها وتقنياتها. وافتتح النجم الصاعد في سماء العاصمة الفرنسية أخيراً، استعراضه الجديد فوق مسرح"لو تمبل"الباريسي القريب من ساحة"ريبوبليك"الشعبية، علماً أن التذاكر الخاصة في الأسبوع الأول بيعت كلها خلال 48 ساعة. أما المثير في الحكاية، هو ان مصطفى يبلغ من العمر 20 سنة فقط. ولد مصطفى الأترسي في المغرب، وطور منذ صغره مهارة استثنائية في تقليد الفنانين ومقدمي برامج التلفزيون، فوصل إلى المرتبة النهائية في مسابقة كبيرة كانت القناة التلفزيونية المغربية الثانية أطلقتها لاكتشاف مواهب مسرحية فكاهية شابة تؤمّن الاستمرارية لهذا اللون من الفن. وعلى الأثر، ذاع اسم مصطفى في بلده، خصوصاً بعد مشاركته في بطولة المسلسل الناجح"أربيب"، ما سمح له لاحقاً العثور على فرصة المساهمة كمقدم فقرة كوميدية في برنامجين فرنسيين، أحدهما للإذاعة والثاني للتلفزيون. وبما أن مصطفى يهوى تعلم اللغات ويقلد كثير منها، كالألمانية والروسية واليابانية، بمهارة فائقة، راح يقضي فترة زمنية في انكلترا لتطوير انكليزيته. فاكتشف هناك خبايا ال"ستاند أب كوميدي"، ذلك اللون المسرحي الفردي المبني على الارتجال الممزوج بمتابعة آخر الأحداث الساخنة في كل المجالات. ثم عاد إلى فرنسا حاملاً في جعبته"وصلات"ساخرة نادرة الوجود في المسارح الباريسية. وكان الفنان المغربي الأصل أيضاً، جمال دبوز، من بين أوائل الذين اكتشفوا مصطفى في باريس. وسرعان ما وجد الأترسي نفسه في مقدم العناصر الشابة التي أطلقها دبوز في برنامجه المسرحي والتلفزيوني الشعبي"جمال كوميدي كلوب"الذي يسلّط الضوء على فنانين عرب ناشئين يعيشون في الغربة. وأسهمت مبادرة دبوز في دفع مصطفى إلى الأمام. لكن الفنان شارك بدوره في نجاح برنامج جمال، لكونه ظهر سابقاً على شاشة التلفزيون الفرنسي، إضافة إلى نشاطه الإذاعي في برنامج شعبي تبثه محطة إذاعية باريسية كبيرة. فالخدمة إذاً، كانت متبادلة بين الطرفين. وإذا كان جمال يبدي إعجابه الشديد بمصطفى في كل المناسبات، فالأمر يتعلق بكون الأخير يتميز بصفات مشتركة مع زميله ومواطنه الأكبر منه في السن والخبرة الفنية. فمثلاً، هناك السرعة المميزة في الكلام، والمقدرة الهائلة على الارتجال الفوري وعلى اعتبار الجمهور شاهداً وحَكَماً على ما يدلي به كل واحد منهما، من تصريحات جنونية. وسرعة في النطق، وطاقة استثنائية في التحرك فوق المسرح، واللعب بالألفاظ، ومخاطبة المتفرج مباشرة... كلها عناصر تثير بلبلة الحضور وتجعله يتفاعل إيجابياً مع الفنان. وعليه، لا عجب في أن تصفق باريس لمصطفى كل ليلة، فهو نموذج حيّ لكوميديا من نوع جديد يفتقر إليه المسرح الفرنسي حالياً.