بدأت الأكثرية والمعارضة في لبنان تتصرفان على أساس أن الأبواب أصبحت موصدة أمام استئناف المساعي العربية والدولية والمحلية بحثاً عن حل للأزمة السياسية التي تقف حالياً عند عتبة لجوء كل منهما الى خطة تحرك جديدة مطلع العام الجديد. وعلى رغم أن الطرفين يستبعدان، على الأقل في المدى المنظور، عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى بيروت في جولة ثالثة لإحياء مبادرته، فإنهما في المقابل لم يقطعا الأمل من احتمال مجيئه في حال أثمرت الاتصالات، الدائرة حالياً بعيداً من طرفي الصراع في لبنان، بوادر انفراج تشجعه على مواصلة وساطته لإيجاد تسوية متوازنة ومتلازمة للأزمة. والى أن يتقرر مصير المبادرة العربية، سيحاول رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان في زيارته الأربعاء المقبل لبيروت، تجريب حظه علّه ينجح في تحقيق تقدم يعيد الاعتبار الى المبادرة العربية، فيما لم يتأكد ما اذا كان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي سيتوجه الى العاصمة اللبنانية، بعد ما كانت ترددت في بعض وسائل الاعلام معلومات عن زيارة مرتقبة له. وهو ما لم يكن كبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على علم به، كما ان قيادات بارزة في المعارضة لم تتبلغ رسمياً موعد زيارة متقي لكنها تتوقع زيارته في أي لحظة من دون أن تدخل في تفاصيل ما يحمله من أطروحات، في مقابل تأكيد مصادر مقربة من قيادات قوى 14 آذار ل"الحياة"انها باتت تعتبر أن القيادة الإيرانية أصبحت طرفاً في الصراع الداخلي وانها كانت صارحت سفيرها لدى لبنان محمد رضا شيباني بأن استمرار طهران على موقفها بات يدفعها 14 آذار الى الاعتقاد بأنها لا تريد جلاء الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. إلا أن الرهان على اختراق دولي وعربي للحائط المسدود الذي وصلت اليه الأزمة في لبنان يبقى في حدوده الدنيا وهذا ما يبرر لكل طرف محلي الإعداد لجولة جديدة من المواجهة فور انتهاء عطلة الأعياد. التحرك المقبل وفي هذا السياق باشرت اللجنة العليا المنبثقة من قوى المعارضة اجتماعاتها المفتوحة من أجل بلورة مجموعة من الأفكار للتحرك المقبل الذي تستعد له. وهذه الأفكار ستكون محور الاجتماع الموسع لقياداتها في الأيام المقبلة، مع أن اوساطها تترقب المبادرة التي سيطرحها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، معتبرة أنها ستكون بمثابة الطلقة الأخيرة لإعادة تحريك الحوار علها تقطع الطريق على احتدام المواجهة بينها وقوى الأكثرية. وإذ تحرص هذه الأوساط على عدم تسليط الأضواء على ما تقترحه من خطوات لتصعيد موقفها في وجه الأكثرية ومن خلالها الحكومة. أكدت في المقابل أن استقالة نواب المعارضة من البرلمان مطروحة، لكنها ما زالت غير محسومة. وعزت السبب الى أن بعض نواب المعارضة لا يحبذ الذهاب بعيداً في المواجهة، على الأقل في المدى المنظور، وبالتالي لا يجاري الآخرين في دعوتهم الى الاستقالة وهذا ما يفرض على المعارضة التريث خوفاً من أن يؤدي موضوع الاستقالة الى اظهار التباين بين المتحمسين لها ومعارضيها. كما أن تشكيلات أساسية في المعارضة تتحسب لرد فعل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لا يبدي حماسة للجوء الى الاستقالة، لأنها تكرس الانقسام في البلد اضافة الى أن الدراسة الأولية لجدوى الاستقالة لا تشجع على السير فيها وبالتالي فهي مع التلويح بها من دون الاقدام عليها. وعلى هذا، فإن أوساط المعارضة تراهن على تمديد الاعتصام في وسط بيروت، نافية ما أخذت تشيعه الأكثرية من أنها أقدمت على خطوة غير مدروسة وانها تورطت في النزول الى الشارع ولم يعد في مقدورها الانسحاب منه الا اذا استجابت الأكثرية طلبها تشكيل حكومة وحدة وطنية. "البال الطويل" كما أن هذه الأوساط لا تأخذ بحديث الأكثرية عن ان"البال الطويل"للمعارضة لا يبرر لها البقاء في الشارع في ظل الشعور بأن الاعتصام بدأ يرتد سلباً على منظميه وان استمراره لم يعد يقدم في الضغط على الحكومة أو يؤخر، اضافة الى انها لا تؤيد الرأي القائل بأن المعارضة تريد الحصول على شيء ما لتنظيم انسحابها بهدوء من وسط بيروت، فضلاً عن أن الأوساط ذاتها تتعامل مع رهان الأكثرية لجهة عدم قدرتها على البقاء في الشارع الى ما لا نهاية على أنه خاطئ مؤكدة قدرتها على الاستمرار أكثر من خمسة أشهر. وتضيف الأوساط ان المعارضة لا تشكو من مشكلة جراء استمرارها في الاعتصام، وان لديها القدرة على الصمود أمداً طويلاً، مشيرة في هذا المجال الى انها تقنّن النزول الى وسط بيروت ليكون في وسعها استيعاب المعتصمين وان لا صحة لما يتردد من انهم ينتمون في شكل أساس الى"حزب الله"وان حضور الآخرين رمزي. وأوضحت الأوساط أن المعارضة لا تنوي اللجوء الى قطع الطرقات، لكنها قادرة على شل الحركة في المرافق الرئيسة من خلال تنظيم اضرابات واسعة فيها، الا أن هذه الأوساط تتجنب الكشف عن الخطوات التي ستلجأ اليها المعارضة لتزخيم تحركها، مؤكدة أن وتيرة الخطاب السياسي ستتصاعد وان المطالب ستكبر... أما على صعيد الأكثرية فأن مصادرها تؤكد أن المعارضة لن تفلت من النتائج الناجمة عن المأزق السياسي الذي أوصلت اليه البلد وأن خطة الاعتصام أخذت تلحق بها ضرراً معنوياً نظراً الى شعور واسع بأن التحرك يعبّر عن قرار بالانتقام من العاصمة، التي لم تستجب بمعظم أطيافها وتلاوينها لطلب المعارضة التي أخفقت في توليد حال من الرفض السياسي لقوى الأكثرية وعلى رأسها"تيار المستقبل"بزعامة سعد الحريري... الخطأ في الحساب كما أن هذه المصادر ترى أن المعارضة كانت تراهن على أن الأكثرية تفتقد الى النفس الطويل وانها سترضخ لمطالبها بعد مضي أيام على الاعتصام في وسط العاصمة، لكنها أخطأت في الحساب... واتهمت المصادر بعض التشكيلات في المعارضة بالتحريض على الفوضى وتهديد الاستقرار العام. وقالت انها لا تملك ما تخسره، خلافاً لوضع"حزب الله"وحركة"أمل"وپ"التيار الوطني الحر"بقيادة العماد ميشال عون مؤكدة أيضاً أن المشكلة تتجاوز أصل الاختلاف بين الأكثرية والمعارضة الى الموقف السوري من الأزمة معتبرة أن دمشق تقف وراء التصعيد وانها تراهن على أن تأزيم الوضع سيدفع الدول العربية والكبرى الى الموافقة على إعادة تعويم دورها في لبنان انطلاقاً من تفريغ مشروع المحكمة الدولية من محتواه... وتعترف هذه المصادر بأن المطلوب من الأكثرية أن تتقدم الى منتصف الطريق لملاقاة المعارضة لكنها تسأل عن السبيل الى ذلك وهل توافق الأخيرة على تسوية لا تباركها دمشق. كما تعترف بالأضرار الفادحة المترتبة على استمرار الأزمة لكنها تلقي المسؤولية على عاتق الآخرين الذين يرفضون التصريح بما لديهم من ملاحظات على مشروع انشاء المحكمة الدولية... في مقابل اتهام المعارضة لها بأنها تفتقد الى الجاهزية لإنجاز التسوية التي لا تريدها الإدارة الأميركية في الوقت الحاضر... وتؤكد المصادر ان مجلس الوزراء سيجتمع في الأيام الأولى من الأسبوع المقبل وعلى جدول أعماله تعيين رئيس الهيئة الناظمة للاتصالات وأعضائها والموافقة على إعطاء مكافأة راتب شهر للعسكريين تقديراً للدور الذي لعبته المؤسسات الأمنية في الحفاظ على الأمن اضافة الى مناقشة خطة الحكومة الى مؤتمر باريس - 3. لذلك فأن طرفي الخلاف يستعدان لجولة جديدة من المواجهة السياسية لا يعني الاستعداد لها ان لبنان سيشهد مزيداً من التأزم، بمقدار ما أنه يشكل ضغطاً لاستقدام مبادرات خارجية جديدة أو لتبرير عودة موسى الى بيروت بعد أن نجح في السابق في تهدئة الوضع وفي دفع الأطراف الى تظهير مواقفهم.